مسرحية "نوال"... أربع نساء تجسدن سيرة الرائدة النسوية نوال السعداوي

جسدت أربع نساء في مسرحية "نوال" تطور شخصيتها النسوية نوال سعداوي، وصولاً إلى مناقشة التابوهات والقضايا والإشكاليات التي تعرضت لها في حياتها، وإلى قضايا تخص النساء بشكل عام.

سوزان أبو سعيد

بيروت - للمرة الثالثة، تخوض المخرجة لينا أبيض في سيرة الرائدة النسوية نوال السعداوي، فالمرة الأولى كانت في عام 1998، والثانية بعد جائحة كورونا في مسرحية "مذكراتي في سجن النساء"، أما العمل الثالث فتمثل بمسرحية "نوال".

عرضت مسرحية "نوال" في مسرح المونو من تاريخ 13 وتستمر حتى 23 تشرين الأول/أكتوبر، وهي من إعداد جماعي وتمثيل فريق عمل مكون من النساء.

 

محاور المسرحية

تبدأ المسرحية بمرافقة عزف على العود وبصوت المخرجة لينا أبيض وهي تتساءل عن نوال السعداوي، ليبدأ تجسيد نوال من قبل الممثلات بصورة الوليدة، والتي منذ ولادتها تتعرض للإهانة كونها "مولودة أنثى"، ولتصوّر رد فعل والداتها بتجاهلها بعد آلام الولادة، ولتترك موضوعة في وعاء من المياه بدلاً من أن تحضنها، لتبدأ المعاناة مع المركز الثاني في التصنيف وضمن محيط الأسرة من حيث التعامل بينها وبين أخيها "طلعت"، في حاجاتها ورغباتها، وإعطاء الأولوية لما يريد الرجل سواء الأب والأخ، وليقتصر دورها على تلبية طلباتهما، على الرغم من تفوقها على أخيها في كافة المجالات.

وتتطرق المسرحية للتابوهات ومنها مفهوم "اللذة" حيث تنتقل الفقرة التالية في المسرحية إلى نوال السعداوي في عمر 6 سنوات، وبعد تعرضها للختان، لتذكر أن "اللذة الأخيرة" التي شعرت بها كانت في عمر 5 سنوات، وليتم تصوير معاناتها مع استباحة جسدها من قبل القابلة في عملية الختان، وهو ما كانت تتعرض له 100 بالمئة من نساء ذلك العصر، لتعود بعدها إلى المعاناة مع اكتشافها الدورة الشهرية، والنجاسة التي وصفت بها من قبل جدتها، بعد أن لوّثت سجادة الصلاة، والتعنيف من عماتها، ولتجد في والدتها العزاء، حيث تشجعها على الاستمرار في التفوق رغم تعنيفها من قبل أستاذها بعد أن كتبت رواية تتطرق فيها إلى سؤال عن وجود الأقلام في الجنة، لتتابع الكتابة على الرغم من اتهامها بالكفر من قبل أستاذها، وهي لا زالت طالبة على مقاعد الدراسة.

وفي المحاور التالية، تصل المسرحية إلى نوال الزوجة فالطبيبة، التي تمس بالمحرمات والمسكوت عنه وعدم المساواة في المجتمع وتتمرد عليه خصوصاً ما يخص المساواة في التعيينات للطبيبات مقابل الأطباء، لتنجح بالحصول على وظيفة في بلدتها، بعد مواجهة مع المتنفذين، ثم بمواجهتها ختان الأنثى وما يرافق ذلك من حالات مرضية وهو ما عرض عليها من حالات كطبيبة، ما دفع رجال الدين وأفراد المجتمع لمهاجمتها، ولاحقاً تم سجنها من قبل السلطات ودعا الرئيس أنور السادات لممارسة الحرية بعد قولها كلمة الحق، وهو ما دفعها لتأسيس جمعية التضامن مع النساء السياسيات السجينات معها في الزنزانة، ليتم بعدها إغلاق هذه الجمعية من قبل السلطات.

وكان اللافت أنه في بداية المسرحية، تقول نوال السعداوي أنها تشبه والدها، لتتوصل بعدها أنها تشبه والدتها في إشارة إلى عزمها لتحقيق أحلام والدتها وآمالها، وغيرها من النساء.

 

نقاشات مع الحضور

وتلا المسرحية نقاشات مع الحضور من الجنسين، وقالت المخرجة لينا أبيض "تعرفت على الراحلة الكبيرة نوال السعداوي في العام 1998 أي في القرن السابق، والتقيتها في بيروت مع زوجها، حيث قمت بإخراج مسرحية "مذكراتي في سجن النساء" التي لاقت استحساناً لديها، وأصبحنا أصدقاء. بالنسبة لي فنوال السعداوي هي امرأة رائعة وشجاعة وحقيقية، وخلال عملنا في هذه المسرحية لم نتوقف عن الدهشة سواء إيجابياً أو سلبياً من عبقريتها".

وأضافت "في معاناتها مع تحجيم عقل المرأة ودورها، فهذا ما يخيف حقاً، فهناك وحشية وقسوة خصوصاً وأن حياة المرأة هي صعوبات ومعاناة ودماء منذ ولادتها، بداية بأن يعرف بأنها مولودة أنثى، وبعدها ختانها، والعادة الشهرية، وهنا أؤكد أنه ليس على الجميع أن يتعذب، ولكن أن توصف بالنجاسة، هو أمر فظيع، فهذا الدم مهم لأنه يعطي الحياة في النهاية، وقد عملنا في حبكة المسرحية بالعكس لجهة تركيب النص، فقد بدأت الممثلات باختيار النصوص التي يرتحن لها، وبترجمة النصوص من الفصحى إلى اللغة المحكية، فهناك شخصيات عدة جسدنها الممثلات، فمثلا "سولين" كان يهمها في سيرة نوال السعداوي أن تتحدث عن التضامن النسائي، وفي النص تتابع هذا المنحى، بينما "جنى" تحدثت عن الأم والأب في حياة نوال السعداوي، وفي الوقت نفسه، كان هناك نصوص متقاطعة وأخرى مفتوحة وهناك نصوص ثمة ما يشبه الخط بينها، فماريانا تتحدث عن الأنوثة، والختان والوعي في قضية العدالة بين الرجل والمرأة، وعندما بدأنا التحضير للعمل منذ ثلاثة شهور، كنت أبحث عن المدخل للمسرحية، وعندها اقترحنا هذا الإطار أي الجنة".

وعلقت لينا أبيض "اخترنا الأمور الشخصية للغاية، ليحصل التفاعل في فكر النساء والفتيات، فلماذا علي أن أحضر المياه، أو الطعام للأخ، بالإضافة إلى مناقشة فكر الرجل والتأثير عليه أيضاً، فلماذا يكون جسد المرأة عورة وعليها ألّا تكشف عن صدرها أو أن تتصرف بطريقة معينة، وأن تكون في الصف الثاني في المجتمع، وهي أمور مهمة".

وأشارت إلى أنه "هناك صورة عن نوال السعداوي بأنها كافرة وعلى لائحة الموت وبأنه سيهدر دمها، فهناك نقص في الوعي حول من هي نوال السعداوي لدى العامة".

وعن ديكور المسرحية وماذا يقصد بالأوراق والدماء وغيرها قالت "كل ما يوضع على المسرح مقصود، سواء الملابس أو الكتابات على الأوراق، أو الورقة الحمراء التي تمثل دماء الختان والعادة الشهرية، الملابس وكيفية تنسيقها، وما يرتحن الممثلات بلبسه".

وقالت لينا أبيض "بدأت بالمذكرات ثم بدأنا نقرأ أوراق حياتي، ومقتطفات منها، وكانت جميلة للغاية، لذا دمجناها مع نصوص أخرى، وأدخلنا سجن النساء في مقطع صغير للغاية، كما وأن هذا العمل سينتقل بعد هذا لمهرجان جسد في نسخته الأولى الذي ستستضيفه العاصمة المغربية الرباط (بين 25 و30 تشرين الأول)، وهو مهرجان مخصص للنساء المخرجات، وبعدها ينتقل العرض إلى مهرجان "أرصفة زقاق" في بيروت الشهر القادم".

 

 

وقالت الممثلة كلارا الهوى "عملنا في البداية على نص مذكراتي في سجن النساء وهو نص واحد، ولاحقاً وجدت المخرجة ثلاثية أوراق حياتي، وبدأنا باختيار عدة نصوص، وكان لدينا مادة كبيرة للغاية، ولم يكن سهلاً الاختيار، ونص المسرحية يختصر بحثاً أكبر بكثير في المواد التي خضنا خلالها قراءات ونقاشات وأسئلة، وخلقت نوع من الرابطة النسوية العميقة بيننا".

وأضافت "هناك مواضيع لا تهمني ولا تعنيني في حياتي الشخصية، وقد شعرت بالرهبة والضيق وخصوصاً مشهد العنف والعداوة مع الرجل الميت في كلية الطب حيث تم تشريح الرجل بصورة دموية، ويتساوى الرجل والمرأة فقط في حالة الموت".

وأوضحت الممثلة ماريانا رزق "النص يأخذنا إلى التوازي في المواقف بينها وبين أخيها وأبيها، فهي صغيرة بعمر 6 سنوات، وتجدهما يتمتعان بالشمس والمياه وهي تشد لباس البحر على صدرها، وعندما حاولت أن تزيل لباسها، تفاجأ بخالتها تعنفها وبأن صدرها "عورة"، وكان هذا النص مؤثراً للغاية".

وقالت إحدى الممثلات ماريانا رزق "عملنا في هذه المسرحية على خمس قصص مختلفة لنوال السعداوي لنوصل فكرة عن كل شخصية والمختلفة عن الأخرى، وبالنسبة لي شخصياً عملت على موضوع الأنوثة، العدل بين الجنسين بمراحل متعددة، لكي أوصل القضية والصورة الحقيقية لنوال السعداوي والتي ناضلت من أجلها، وهي العدالة، ومنها نتعلم أمور عدة وأهمها الجرأة، وألا نخاف التعبير عن حقيقتنا، لنصل إلى الحق الذي نؤمن به".

من جهتها قالت الممثلة جنى أبي غصن "هذه الشخصية التي جسدتها كانت مهمة للغاية بالنسبة لي، وخصوصاً وأن نوال السعداوي كانت دوماً تتساءل لماذا، فلم يمر شيء بحياتها مرور الكرام، وهذا الأمر خلق حالة في تفاعلها مع المجتمع الذي تعيش فيه، فهي امرأة تسأل أسئلة ولا تتقبل الواقع كما هو، وليس ذلك فحسب، بل تحاول تغييره، وقد تعلمت من نوال جملتين نقولهما في المسرحية، "شفتي يا نوال، ما تخافي من شيء، كوني شجاعة"، فتعلمت منها أن أكون شجاعة وأن أؤمن بالطاقة الموجودة بداخلي، وألا أهاب من إبداء رأيي وبكل حرية، ومهما كانت ردة فعل المجتمع".

وأضافت "شعرت بالرهبة، فليست هذه الشخصية مستمدة من الكتب فحسب بل خصوصاً وأني أجسد امرأة حقيقية كانت موجودة، والأحداث حصلت حقيقة، ولتجسيد هذا الأمر وما مرت به في حياتها، فهو أمر مخيف، ولكن بعد التدريبات وإعادة كتابة النص، شعرت وكأنها تدخل في داخلي وتساعدني وتظهر لي نظرتها للمجتمع وللناس حولها".