تاريخ العلاقات الكردية اللبنانية محور الجلسة الأولى لمؤتمر الحوار اللبناني الكردي

في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان، من الأهمية فتح باب الحوار بين الشعوب ولاسيما بين الشعبين اللبناني والكردي، وذلك ما انطلق منه مؤتمر الحوار اللبناني الكردي "نحو عيش مشترك ومواطنة متساوية" المنعقد في بيروت.

كارولين بزي

بيروت ـ أكد المشاركون في مؤتمر الحوار اللبناني ـ الكردي على أنه هناك تجاهل دولي للقضية الكردية، مشيرين إلى أن دور المرأة الكردية في شمال وشرق سوريا نموذج جدي للمساواة بين الجنسين.

 

تاريخ العلاقات الكردية العربية والوجود الكردي في لبنان تاريخاً وراهناً

في الجلسة الأولى التي تتطرق إلى تاريخ العلاقات الكردية العربية، ولاسيما الوجود الكردي في لبنان، تحدث أستاذ الدراسات العليا في الجغرافيا البشرية صلاح أبو شقرا عن تجربته الشخصية وعلاقته مع الكرد، ولفت إلى أنه أصدر كتاب "الأكراد شعب المعاناة".

وقال "القضية الكردية هي قضية إنسانية بامتياز، وهم يكادوا يكونون الشعب الوحيد في الشرق الأوسط الذين جردوا أنفسهم من الحس الطائفي والمذهبي، ويليق بهم قيام دولة مستقلة".

تناول الخلفية التاريخية لوجود الكرد في لبنان، وقال "الكرد لفترة طويلة لم يحصلوا على جنسية في لبنان لعدم الاخلال بالتوازن الطائفي والمذهبي، علماً أن لهم تضحيات كبيرة على مر التاريخ".

وفنّد الوجود الكردي على أكثر من ثلاث حقبات، "فالحقبة الأولى كانت من العهد الصليبي وانتقال عائلة الأيوبي إلى لبنان. وتأتي الحقبة الثانية بعد بضعة مئات من السنين عن الحقبة الأولى، إذ أتت عدة عائلات منها ما يؤكد على انتماءها الكردي ومنها هناك شبه إجماع أنها من الكرد".

وذكر عدد من الكتب والمراجع التي أتت على ذكر عدد من العائلات الكردية التي انتقلت إلى لبنان مثل "آل سيفا والمراعبة، والأسرة الجنبلاطية التي تعود لأصول كردية والتي تمثل ثلاثة أرباع دروز لبنان".

وتابع "لا يقتصر وجود الكرد على الحقبتين الأولى والثانية، الحقبة الثالثة بدأت في عشرينيات القرن الماضي وذلك على أثر ثورة سعيد البرزنجي حيث قام مصطفى كمال أتاتورك بتهجير الكرد إلى لبنان وعاشوا لفترة طويلة من دون جنسية وتأخر تجنيسهم حفاظاً على التوازن الطائفي، علماً أنه تم منح الجنسية للعديد من اللاجئين مثل الأرمن".

ولفت إلى تهميش التمثيل السياسي للكرد في لبنان، وعدم منحهم مقعد نيابي في المجلس النيابي علماً أن ثمة طوائف لبنانية عددها أقل بكثير من عدد الكرد ولديها مقعد نيابي في البرلمان". وقال في الختام "للكرد الحق في المواطنة الكاملة في لبنان، إذ لم يبخل الكرد في الدفاع عن لبنان".

السياسة الاستعمارية والتدخلات الإقليمية

وتطرقت الناشطة والصحافية نعمت بدر خلال الجلسة الأولى إلى السياسات الاستعمارية والتدخلات الإقليمية، وأوضحت في كلمتها معنى السياسة الاستعمارية مشيرةً إلى أنها ظاهراً الهدف منها السيطرة على الدول الضعيفة من قبل الدول الكبرى من خلال استغلال نفوذها لنهب خيرات هذه الدول وتحطم كرامات الشعوب وتدمر التراث الحضاري والثقافة السائدة، حتى يصل الأمر إلى فرض ثقافة المستعمر على أنها الثقافة الوحيدة التي تملك القدرة على نقل الدول المستعمرة إلى الحضارة". لافتةً إلى أن "الاستعمار أحياناً لا يكون عبر الجيوش بل عبر القواعد العسكرية التي يتم إرساؤها على أراضي بعض الدول مثل العراق وسوريا وليبيا".

وأشارت إلى أن "كل الناس تدرك بأن الأنظمة العربية لم ترحم شعوبها واستغلت الدول الغربية هموم الشعوب بحجة نشر الديمقراطية وهي أبعد ما يكون عن الديمقراطية، وسجن أبو غريب أكبر مثال، وكذلك سجن القائد عبد الله أوجلان المحروم من حقوق الانسان ومنع عائلته ومحاميه من زيارته والتعذيب، منع الناشطين والناشطات الكرديات من ممارسة عاداتهم وتقاليدهم وحتى حرية التظاهر والتعبير ممنوعة وتصل عقوبتها إلى حد الإعدام".

ولفتت إلى التجاهل الدولي للقضية الكردية، واقتصر الأمر على بيانات هزيلة من الأمم المتحدة وبيانات أخرى بائسة من دول تستطيع أن تضغط لإرساء أبسط قواعد المساواة.

وشددت على الحاجة لنظام ديمقراطي وإلى نظام عالمي جديد، "نحن في مرحلة تحمل فرص إذا عرفنا استغلالها وأن نكسر حلقة الهيمنة الغربية ونسعى لتحقيق استقلال حقيقي وبناء الدولة الوطنية المستقلة، لا الدولة الأمة بل الدولة المتنوعة بحيث نسيطر على مواردنا ونتحكم بمصير شعوبنا"، وناشدت بعدم التعامل مع الغرب والرهان عليه.

وأضافت "تركيا تستفيد من الانشغال بالأزمة الأوكرانية الروسية في تصفية الصراع مع الكرد. منذ أربعة عقود تتجدد الحرب على الكرد، يتحضرون لهجوم جديد عليهم في شمال وشرق سوريا إذ يريدون بناء منطقة عازلة بحجة حماية أمنها القومي ولكننا نعلم بأن الجدار الذي تبنيه تركيا عازل هو ثالث أكبر جدار في العالم".

كما تطرقت إلى التغيير الديمغرافي الذي تنتهجه تركيا، ولفتت إلى دور المرأة الكردية في شمال وشرق سوريا والتي وصفت وجودها بالنموذج الذي يجب أن يتم تعميمه، وهو نموذج جدي للمساواة بين المرأة والرجل.

تأثير ذهنية وأدوات الدولة القومية على العلاقات العربية ـ الكردية

من ناحيته، تحدث الباحث والأكاديمي ومدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات حسن قطب، عن تأثير ذهنية وأدوات الدولة القومية على العلاقات العربية ـ الكردية، وقال "العلاقات بين الشعوب المختلفة عرقياً ولغوياً ودينياً، سواء كانت تعيش في كيانٍ ووطنٍ واحد، أو في كيانات متعددة ومتجاورة... عليها أن تتعاون لضمان استقرارها، والحفاظ على هويتها، واحترام ثقافة بعضها البعض، ويجب أن يحكمها التفاهم، ويجمعها ويقودها التعاون، ويسودها الانسجام، والرغبة في بناء مستقبل مشترك للنهوض بشعوبها... الحضارة والثقافة، التي تميز كل شعب وأمة، ما هي إلا نتاج وتراكم وجهد شعوب رسمت مسار حياتها لمئات السنين، وربما لآلاف من السنوات... لذا ليس من السهل أو من الممكن، أو حتى من المقبول العمل على طمسها ومحوها وإلغائها... لمجرد الاختلاف القومي أو العرقي واللغوي".

وأضاف "بدأ مرض الانقسام العرقي، يتطور في منطقتنا خلال القرن التاسع عشر مع تضعضع الدولة العثمانية، وتراجع دورها، وضعف إدارتها... كما زاد من أزمتها الداخلية الرغبة في تتريك شعوبها... بفرض اللغة التركية على مختلف أراضي الامبراطورية العثمانية... مما أدى إلى اندلاع ثورات رافضة لهذه السياسة وهذا التوجه الخطير مما أدى إلى تفسخها، ومن ثم انهيارها واندثارها مع هزيمتها على يد الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى". 

وتطرق إلى تقسيم إرث الإمبراطورية العثماني وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو التي رسمت مستقبل المنطقة وفق خرائط تقسيمية، أسست لصراعات مستدامة، في هذه الدول حيث تم التلاعب بالتوزيع الديموغرافي والتنوع العرقي والديني واللغوي لا تحظى بالاستقرار وتبقى بحاجة لتدخل خارجي ورعاية دولية".

وتابع "بالنسبة للعرب لم يتم الوفاء بالوعود التي أعطيت لهم بإقامة الدولة العربية الكبرى، والكرد تم حرمانهم من إنشاء كيان ووطن مستقل فتم تقسيم الكرد جغرافياً وضم مجتمعاتهم إلى دول عديدة، إيران وتركيا والعراق وسوريا إضافة إلى وجود مجتمعات وتجمعات كردية عديدة في دول مختلفة".

وأضاف "الأنظمة الحاكمة في عالمنا العربي، خاصةً تلك التي تتضمن أكثر من أقلية عرقية أو لغوية وثقافية... كان لها مصلحة واضحة في الإبقاء على حالة الانقسام هذه بين مكوناتها... وفي توجيه أنظار ومشاعر واهتمام شعوبها نحو القضية الفلسطينية باعتبارها قضية الأمة العربية المركزية، وبالتالي كان الشعار الذي أطلق في عهد الراحل جمال عبد الناصر رائد القومية العربية (لا صوت يعلو على صوت المعركة)... وهذا معناه أن كل مطلب اجتماعي أو ثقافي أو سياسي أو اقتصادي يجب تأجيله لما بعد مرحلة الانتصار واستعادة الحق السليب في فلسطين".

وأوضح أنه "تم تعزيز مخاوف الاقليات، وخاصةً الكردية منها، مع تجاهل كامل للأقلية الكردية وغيرها من الأقليات من حيث وجودها ودورها وحضارتها ولغتها وعاداتها وتقاليدها".

ولفت إلى أن "المشهد العراقي كما السوري، متقارب جداً من حيث طبيعة النظام الذي يبجل الانتماء القومي العربي، وكذلك من ناحية وجود أقلية كردية تم فصلها عن بعضها البعض بحدود رسمها الاستعمار بعناية لحرمان الكرد من الحصول على دولة مستقلة على غرار غيرهم من شعوب المنطقة.

وأكد على أن "غياب الممارسة الديموقراطية، واحترام التعددية الحزبية والثقافية والعرقية واللغوية، أدى إلى حرمان الكرد وغيرهم من الشعور بالمواطنة الحقيقية، ومن الاحساس بأن الوطن يجمع كافة أبنائه تحت سقف العدالة والاهتمام الاجتماعي والرعاية الحكومية، والمساواة في الفرص، كغيرهم من أبناء الوطن وخاصةً العرب منهم... جعل منهم قضية تستحق النضال من أجلها، لاستعادة الحضور والدور والاحترام، لأن الشعور بالدونية أمر مرفوض وغير مقبول".

وتخللت الجلسة الأولى نقاشات بين الحاضرين والمحاضرين فيما يتعلق بالعلاقات اللبنانية الكردية.