تجاعيد وجهها تحكي العشرات من القصص المنسية
حميدة أحمد، تبلغ من العمر 70 عاماً، تتحدث عن ذكريات الزمن الغابر، وعن الأشياء التي تعتبر منسية في وقتنا الحاضر، تقول إن من لا يكون وفياً لتاريخه وثقافته لن يستطيع بناء مستقبل مشرق. وتنتظر بفارغ الصبر أن تسمع نبأ تحرير كردستان.
سوركول شيخو
الحسكة -
يعتبر المسنين والمعمرين ذاكرة تاريخية، وعليه فإن من لا يكون وفياً لماضيه وتاريخه سيكون مستقبله أيضاً مجهولاً وغامضاً. وتزخر ذاكرة المسنين بالعديد من القصص والحكايات، رغم كل ما عاشوه من مجازر وحروب ومعاناة. أمهاتنا في الماضي قضين حياتهن بالعمل في الحقول والمنزل وجر الماء، وطحن الحبوب وإعداد الخبز والطعام وغيرها من الأعمال الريفية. وربما أنهن لا تدركن حقيقة ذلك، ولكنهن ساهمن في الحفاظ على تاريخ وثقافة شعوب المنطقة. الأمهات والنساء وحدهن بإمكانهن إخبار الأجيال الجديدة عن التاريخ والماضي.
فقد زوج حميدة أحمد حياته عام 1970 أثناء أدائه الخدمة العسكرية في قوات النظام السوري. وقد سردت لنا العديد من الذكريات. تفوح من منزل حميدة رائحة الأصالة والألفة، كما تزرع حديقة منزلها بالعديد من أنواع الخضار، وتزين المنزل بالحرمل لحمايته من العين والحسد.
"الحكومة لم تكن تسمح لنا برعي المواشي إلا إذا دفعنا لها الأموال"
"عندما كنت طفلة، كنت أصنع بنفسي اللبن من أجل بناء بيتنا في القرية، وكذلك من أجل بناء أماكن لإيواء الحيوانات والمواشي. وكنا نذهب إلى المراعي من أجل رعي المواشي، كنا نعمل في تربية الماشية. نجمع القش والعلف اللازم للحيوانات من البراري وننقله على ظهورنا وعلى ظهور الدواب. أتذكر أننا كنا نجمع القش وننقله حتى نهاية فصل الخريف، كنا نستخدمه كعلف، وكذلك في صناعة المنازل. عندما كان يحين وقت رعي المواشي، كنا نذهب إلى جبال عبد العزيز/كزوان. ولكن الحكومة لم تكن تسمح لنا بالذهاب إلى هناك، لذلك كنا ندفع لهم المال لكي يسمحوا لنا برعي مواشينا. معظم أهالي المنطقة كانوا يختارون جبل كزوان لأجل رعي مواشيهم. لأنها كانت غنية بالمرعى والأعشاب المفيدة للمواشي، وكلما قل المرعى في مكان ما، كنا ننتقل إلى مكان جديد. كما كان هناك العديد من النساء البدويات أيضاً، أحياناً لم يكن لديهن خيم، لذلك كانوا يعيشون في خيمنا، إن حياة الرعي والبداوة تعتبر من عاداتنا القديمة".
"من المراعي إلى خض اللبن ونسج الخيم وجمع الحطب"
تقول حميدة أحمد إن لكل وقت من أوقات الليل والنهار عمل معين "بعد أن نعود من المراعي، نذهب إلى البساتين والحقول، نجمع أنواع من الأعشاب التي نستخدمها كطعام، وهي جميعها أعشاب مفيدة لصحة الإنسان. في السابق لم يكن هناك وقود، لذلك كنا نجمع روث الحيوانات وكذلك الحطب من أجل استخدامه كوقود. أحياناً كنا نبدأ بخض اللبن منذ الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، ومع بزوغ الفجر كان يجب أن تكون القرب كلها في الخارج وأن نكون قد انتهينا من خض اللبن. كنا نقوم بجز صوف الأغنام في فصل الربيع، ونستخدم الصوف والشعر في نسج الخيم، وكذلك في إصلاح وترقيع الخيم المتضررة. كما نجمع القصب الذي ينبت في الأودية وحول الأنهار، ونستخدمه في صناعة المنازل ووضعه حول الخيم. كانت لدينا أدوات نستخدمها من أجل نسج الصوف، ولكن تلك الأدوات لم تعد موجود بسبب ظهور آلات حديثة، ولا أحد يحتفظ بمثل تلك الأدوات. أنا احتفظ بالنول الذي كنا نستخدمه في النسج، ويبلغ عمره أكثر من 50 عاماً. كنت أصنع جرار الماء، وقفار النحل. كما كنت أعمل في جمع روث الحيوانات لأجل استخدامه في التدفئة خلال فصل الشتاء".
"ترتدي كوفية كسروانية عمرها 60 عاماً"
تقول حميدة أحمد إنها لا زالت تحتفظ بالكوفية الكسروانية التي يبلغ عمرها أكثر من 60 عاماً، "من كان يملك كوفية كسروانية كان يعتبر من الأثرياء، ولا زالت عندي كوفية يبلغ عمرها 60 عاماً، وأنا أضعها على رأسي. لم يعد أحد يرتدي مثل هذه الكوفيات عدا بعض النساء المسنات. عندما كنا صغاراً كانت أمي تصنع الملابس الكردية بيديها، وكانت تعلمنا كيف نرتديها. كنت دائماً أسقط غطاء الرأس والقفطان إلى أن تعلمت كيف ارتديها. كنا نرتدي اللباس الفلكلوري الكردي لكي نكون مميزات في لباسنا. كانت أزيائنا تحدد هويتنا. الأيام القديمة كانت جميلة جداً. نار كاوا الحداد لن تنطفئ أبداً ويجب على الجميع الحفاظ على عاداته وتقاليده وأزيائه الشعبية، وإعلاء شعلة نوروز كل عام".
"أحرق الحرمل وأوراق البصل والثوم وأبخر المنزل"
وعن الحرمل تقول حميدة أحمد "ينبت الحرمل في البراري، ونحن نجمعه منذ القدم ونحضره إلى المنزل. بعد انتهاء حصاد القمح والشعير، تيبس نبتة الحرمل. كنا نجمع الحبوب ونضعها في الخيط ونعلقها على جدار المنزل. هذا الحرمل الذي صنعته لا يقل عمره عن 20 عاماً. يستخدمه الناس كرمز للسلام، وأيضاً من أجل حماية المنزل من الحسد والشر، ويستخدم أحياناً للزينة أيضاً، سابقاً كان يوجد في كل منزل 3 أو 4 منها معلقة على الجدار. بعد أن تيبس نبته الحرمل كنا نحفظها لدينا في المنزل، وكنا نستخدمها أحياناً حين يمرض الأطفال. كما أن حرق الحرمل بين الماشية، يساهم في تخصيبها وتكاثرها. نقوم بخلط الحرمل الجاف مع أوراق البصل والثوم، ونحرقه ونستخدم الدخان لتبخير المنزل، من أجل طرد الشرور. رائحة الحرمل تشبه رائحة البخور. لقد زرعت الحرمل الآن أيضاً في منزلي، وإذا نبتت سوف أقوم بتجفيفها وحفظها".
"بعد كل المجازر، لا بد أن تتحرر كردستان"
وقالت حميدة أحمد في ختام حديثها "أنا أعيش حسرة رؤية كردستان حرة، لا زال الشعب الكردي يتعرض للحروب والمجازر. نحن الكرد لا نحب الحروب ابداً، ولكن بعد كل تلك المجازر والمعاناة لا بد لنا أن نعيش في وطن حر. إذا لم تتح لنا الفرصة لرؤية ذلك، فلا بد أن يراه أبنائنا. أنا أعيش على أمل تحرير كردستان".