عمالة الأطفال... ظاهرة تتفاقم في إدلب
تكررت مشاهد رؤية أطفال خارج مقاعد الدراسة، اتخذوا من الأعمال المتنوعة مصدر رزق لهم ولعوائلهم في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي تواجه السواد الأعظم من النازحين في الشمال السوري
سهير الإدلبي
إدلب ـ ، ليكون هؤلاء الأطفال ضحايا حرب، أتت على طفولتهم ومستقبلهم الدراسي وجعلت منهم كباراً قبل أوانهم.
يخرج الطفل إيهاب السلوم البالغ من العمر تسع سنوات يومياً منذ ساعات الصباح الباكر وحتى المساء ليجوب شوارع مدينة الدانا وأزقتها وهو يبيع المعروك، ليعود ببعض المال وينفقه على أمه وإخوته ووالده المريض.
يقول الطفل إيهاب السلوم وقد بدا التعب واضحاً على ملامحه بعد أن قضى ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، أنه مضطر للعمل ليتمكن على الأقل من جلب الخبز لأهله والدواء لوالده المصاب بالعجز على خلفية إصابته بشظية مصدرها قصف الطيران الحربي لمدينتهم معرة النعمان في أواخر عام ٢٠١٨، أدت لإصابته بالشلل.
ويشير إلى أنهم يسكنون خيمة بالية وتفتقر لكل مقومات الحياة ضمن مخيمات أطمة الحدودية، بعد نزوحهم منذ أكثر من عامين إثر اشتداد القصف على مدينتهم، مؤكداً أن أوضاعهم في المخيم "مأساوية والفقر المدقع يجبرهم على السعي في مناكبها فمن لا يعمل لا يأكل" على حد وصفه.
أسباب عدة دفعت الكثير من العائلات مرغمين للاعتماد على أبنائهم، بدفعهم لسوق العمل من أجل تأمين قوت يومهم، فالواقع الاقتصادي المتردي الذي خلفته الحرب وانخفاض مستوى دخل العائلات إضافة لغياب المعيل بين قتيل ومعتقل ومفقود كانت من أهم الأسباب لذلك.
وبينما ينهمك الطفل خالد السويد البالغ من العمر أحد عشر عاماً، بمساعدة صاحب الورشة التي يعمل بها على تصليح إحدى السيارات، وقد اتسخت ملابسه واتشح وجهه بالسواد، أخبرنا أنه هنا لتعلم المهنة "أحتاج للعمل لأعيل والدتي وإخوتي بعد وفاة والدي، وإن لم يكن لدي مصلحة أو مهنة فلن أتمكن من إيجاد أي عمل لاحقاً".
ويرى خالد السويد أن مشوار الدراسة طويل بينما هو بحاجة لعمل سريع يعينه على تحمل أعباء الحياة المثقلة.
والدة خالد السويد وتدعى سهيلة السويد (٤٠عاماً) تقول إنها مضطرة للاعتماد على عمل ابنها البكر بعد فقدانها لزوجها ونزوحهم من بلدتهم حاس، واستقرارهم في مخيمات دير حسان الحدودية، تعيش العائلة "شتى أنواع الفقر وضيق العيش ورغم بساطة الأجر الذي يحصل عليه خالد إلا أنه يعيننا بعض الشيء والأهم من ذلك كله أنه يكتسب مهارات وخبرات تجعله يعتمد على نفسه مستقبلاً".
ويتعرض الأطفال المتجهين للعمالة لغبن في الأجور واستغلال لحاجتهم للمال من قبل أصحاب العمل الذين يخصصون لهم أجور قليلة قياساً بساعات عملهم الطويلة.
وتتنوع الأعمال التي يعمل بها الأطفال في إدلب ومعظمها شاقة ولا تتناسب مع بنية أجسادهم الضعيفة وصغر سنهم ومنها ميكانيك السيارات، الحدادة، النجارة، أعمال البناء، البيع على البسطات وأحياناً ينخرطون في العتالة.
الموجه التربوي علاء الرحمون (٣٨عاماً) يتأسف للحال الذي وصل إليه الأطفال وخاصة مع تسرب أعداد كبيرة من المدارس وحرمانهم من التعليم نتيجة الفقر والجوع الذي تعيشه أغلب الأسر النازحة في الشمال السوري، هو لا يلوم الأطفال ولا الأهل بل إنه يضع اللوم على السلطات المحلية التي لا تسعى للتخفيف من الظاهرة التي باتت بازدياد يوماً بعد يوم.
ويحذر علاء الرحمون من الآثار السلبية المترتبة على عمالة الأطفال سواءً على الطفل ذاته كالأمراض النفسية نتيجة العنف الذي يتعرض له الطفل أثناء العمل من أرباب العمل، وكذلك الآثار الجسدية وعدم نمو الطفل بشكله الطبيعي الصحيح والميل للعزلة والعدوانية والتدخين وغيرها من العادات السيئة، أو الآثار المجتمعية وأهمها انتشار الجهل، ووجود أجيال كاملة غير قادرة على القراءة أو الكتابة ومشبعة بأشكال مختلفة من الضغوط النفسية التي ترافقهم طيلة حياتهم ما ينعكس سلباً على المجتمع بأكمله.
من جانبه قال محمد حلاج وهو مدير فريق منسقو استجابة سوريا، أن ظاهرة عمالة الأطفال ازدادت بعد الحرب، وإن متوسط الدخل الشهري للأطفال الذين يعملون لا يتجاوز عشر دولارات أمريكية شهرياً.
ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، فإن 6.1 مليون طفل بحاجة إلى المساعدة وتمثل هذه النسبة ٩٠٪ من الأطفال السوريين، وإن أربعة بين خمسة أشخاص من السوريين تحت خط الفقر، وهو ما يدفع الأطفال لاتخاذ تدابير قصوى للبقاء على قيد الحياة مثل التوجه للعمالة وذلك لمساعدة أفراد عائلاتهم في سد الرمق.