تحرير فكر المرأة مهمة تقع على عاتق الإعلاميات
تقول إعلاميات في مناطق شمال وشرق سوريا، إن الضغط الذي مارسه داعش على المرأة، كان فكرياً أكثر من كونه جسدياً، مما ولد الخوف في قلوب النساء، فلم يعدنَّ قادرات على الحديث عبر الوسائل الإعلامية والتعبير عن آرائهن.
سيلفا الإبراهيم
منبج ـ
عملت الإعلاميات في مناطق شمال وشرق سوريا منذ بداية الأحداث في سوريا على تغطية الوقائع، ونقل الحقائق، وتغطية جميع القضايا، وحملات التحرير ودحر مرتزقة داعش، في ظل الصعوبات، لتقديم مواد تليق بصورة المرأة.
"التغطية الصحفية للأحداث الميدانية كان أمر غير مقبول"
الإعلامية في تلفزيون المرأة JIN TV بمدينة الطبقة ميديا مدور، تقول إنه قبل عام 2011، كان هنالك تأطير لعمل المرأة من قبل السلطات، إلا أنه وفي الفترة الأخيرة بدأت المرأة العمل بالعديد من المجالات "همشت المرأة بشكل كبير في مجال الصحافة والإعلام، ليس على مستوى سوريا فقط، بل في الشرق الأوسط عموماً".
وعن الأسباب التي لم تسمح للمرأة بمزاولة العمل الإعلامي على نطاق واسع، تقول "ساهمت العادات والتقاليد المتوارثة، في قمع المرأة ومنعتها من مزاولة العمل الإعلامي"، معتبرةً أن ظهور المرأة على شاشات التلفزة، وحملها للكاميرا وتقديمها لبرامج سياسية، أو تغطيتها للأحداث الميدانية، كان غير مقبول.
بعد الأحداث التي شهدتها سوريا برزت العديد من الجماعات الأصولية، التي خلفت الجهل والخراب، ومنها داعش الذي شكل خطراً وجودياً على النساء "أخطر إرهاب كان مرتزقة داعش، الذي جعل المرأة تعاني الأمرين، ليس فقط على الصعيد الخارجي، كارتداء نوع معين من الملابس أو تقييد حريتها في الخروج من المنزل أو العمل، بل إن المرأة خاضت صراعاً داخلياً، فهي ما إن بدأت بتحرير نفسها من داعش، وجب عليها التخلص من الذهنية والفكر الذي غرسه في المجتمع".
"عمل المرأة في الإعلام وسيلة للتحرر الفكري"
وحول فترة سيطرة داعش على الطبقة بداية عام 2014 تشير ميديا مدور إلى أن انخراط النساء في العمل الإعلامي غير كثيراً من تلك الأفكار الرجعية التي ترى أن على المرأة أن تعمل في مجالات يحددها المجتمع، "هنا كان لا بد للمرأة أن تجد السبيل لتحرير مجتمعها من الفكر الرجعي، فبدأت العمل في المجال الإعلامي، وما كان منها إلا أن تطورت تدريجياً، وشاركت في تقديم البرامج وإدارة الحوارات السّياسية".
شكل تحرير مدينة الطبقة في أيار/مايو 2017 بوابةً لدخول النساء والفتيات المجال الإعلامي "بعد الخلاص من داعش، توافدت العديد من النساء للمشاركة في مجال العمل الإعلامي، وعلى الرغم من معرفتهنَّ بصعوبات هذا المجال، إلا أنهنَّ أصرينَّ على ذلك، وتوجهنَّ إلى التّغطية الميدانية، متجاهلات أن حمل المرأة للكاميرا كان يندرج تحت مفهوم العيب والحرام".
"داعش رحل وبقي الخوف يمنع النساء من التعبير"
تقول ميديا مدور "رحل داعش، لكن الخوف الذي خلفه بقي مغروساً في قلوب النساء، وهذا ما صعب علينا العمل، واجهنا صعوبات لإقناع النساء للحديث أمام الكاميرا، وكان الأمر بالنسبة لهنَّ غريباً وغير مألوف".
وتضيف "لهذا وقع على عاتق الإعلاميات ضرورة إبراز أهمية عملهنَّ، وكسر خوف النساء من التحدث عما عايشنه خلال سيطرة المرتزقة وآمالهنَّ لمستقبل البلاد ومستقبلهنَّ كنساء".
تُبرز المرأة قدرتها من خلال تطورها، والحديث لميديا مدور فاليوم النساء يعبرنَّ عن آرائهنَّ في مختلف القضايا من دون خوف.
"الإعلاميات نقلنَّ الأحداث خلال حملات التحرير"
مراسلة وكالة أنباء هاوار في مدينة منبج سلوى عبد الرحمن، تقول إن الإعلاميات شاركنَّ في تغطية حملات التحرير، بدءاً من مقاومة كوباني ومروراً بحملة منبج، والطبقة، والرقة، ووصولاً إلى دير الزور "الإعلاميات نقلنَّ الأحداث، من ساحات المعارك، وأظهرنَّ البطولات التي قدمتها المقاتلات خلال حملات التطهير من داعش".
وتضيف "استشهدت العديد من الإعلاميات، من أجل إظهار الحقيقة، أمثال مراسلة وكالتنا دليشان إيبش، خلال تغطيتها لحملة دير الزور في الـ 12 من تشرين الأول/ أكتوبر 2017، برفقة اثنين من زملائنا وهما رزكار دنيز وهوكر محمد، وبهذه التضحية عُرفت المرأة في شمال وشرق سوريا بقوتها وجدارتها في كافة الساحات".
واعتبرت سلوى عبد الرحمن أن الإعلاميات لعبنَّ دورهنَّ بالشكل الأمثل، "أظهرنَّ حقيقية المرأة للعالم أجمع، وسميت ثورة شمال وشرق سوريا بـ "ثورة المرأة"، نظراً لاتحاد النساء من كافة الشرائح والمكونات والأديان، مما جعلها ثورة متكاملة ونموذجية دفعت الكثير من الوفود لزيارة مناطقنا".
وحول الصعوبات التي واجهتها خلال تغطيتها للأحداث تقول "رأينا خلال عملنا في القرى خوف النساء من العادات، ومن داعش، لذا لا تزال العديد من قصص النساء مخفية، إضافة لوجود بعض القضايا التي تعتبر حساسة كـ الطلاق، تعدد الزوجات، زواج القاصرات، إضافة للنساء اللواتي رُجمنَّ من داعش واعتُقل ابنائهن".
التغيير يحتاج إلى وقت كما تقول سلوى عبد الرحمن فرغم اندحار داعش إلا أن العديد من النساء ما يزلنَّ يخشينَّ من عودته "هناك نساء ما يزلنَّ يتشحنَّ بالسواد، لذا نعمل عبر تقاريرنا وأخبارنا على تشجيعهنَّ، وذلك من خلال إبراز مقاومة النساء من أجل اعطائهنَّ الحافز للنضال، عبر الاقتداء بغيرهنَّ".
وحول نظرة المجتمع للمرأة العاملة في مجال الإعلام والتي اختلفت بشكل نسبي، نظراً لمواكبتها أحداث المجتمع والتطورات التي تطرأ في مختلف المجالات، تقول "أظهرت المرأة صورة وصوت المجتمع، واكتسبت العديد من الخبرات والتجارب وحققت الإنجازات، وشاركت في المؤتمرات الدولية، ولامست مشكلات وقضايا وآلام النساء".
وعن الأخلاق التي يجب أن تتحلى بها الصحفيات، تؤكد سلوى عبد الرحمن "على الإعلامية أن تكون قادرة على الاندماج بالمجتمع والابتعاد عن الغرور والسعي خلف الشهرة، لأن الإعلام قبل كل شيء مهنة أخلاقية، ومسؤولية كبيرة".
"رغم مشقة العمل، كان علينا إظهار الانتهاكات بحق المرأة"
مراسلة وكالة أنباء هاوار في مدينة الرقة ربا العلي، تقول إنه وفي بداية عمل النساء في شمال وشرق سوريا في الإعلام عانينَّ من منظومة فكرية متوارثة "حاولنا إزالة تأثير التطرف والأفكار الخاطئة حول المرأة، لهذا واجهنا العديد من الصعوبات التي تغلبنا عليها بالإرادة والإصرار".
وتضيف "بجهود ونضال الصحفيات ظهرت معاناة النساء الحقيقية ومقاومتهنَّ في وجه داعش، بالإضافة إلى توعيتهنَّ عبر المواد التي قدمنها، وافتتحت وكالات وتلفزيونات خاصة بالمرأة، ولعل العمل في المناطق ذات الغالبية العربية كـ دير الزور والرقة كان شاقاً على الإعلاميات بشكل كبير، نتيجة التغيرات التي عايشتها هذه المناطق".
وتتابع "تضحيات شهيداتنا، أزالت الغمامة التي غطت سماء الرقة، ولنكون أهلاً لها، من واجبنا أن نصعد وتيرة النضال، ونُظهر للعالم أجمع الجرائم والانتهاكات التي طالت المرأة سواء على أيدي داعش أو غيرها من الجهات. أعتقد بأنني كإعلامية قادرة على تطوير مجتمعي، لينافس المجتمعات المتقدمة، وذلك عبر إصلاح وضع المرأة فيه".