'غالبية قوانين الدول العربية تنتهك حقوق النساء'
أكدت الناشطة الحقوقية والنسوية فتحية نصري أن وضع المرأة في الدول العربية "لا يسر" في ظل وجود قوانين "متخلفة" لا ترتق إلى المستوى التعليمي والفكري والاجتماعي الذي بلغته النساء اليوم.
إخلاص حمروني
تونس ـ نصت دساتير دول عربية منها المغرب والعراق ولبنان، على قوانين لا تلائم ما وصلت إليه النساء خلال العقود الماضية، كما تحجم دورها وتعرقل تقدمها وإرضاخها للعادات البالية والفتاوى والتفسيرات الدينية التي ترسخ الهيمنة الذكورية.
"بقيت المرأة في الدول العربية حبيسة مقاييس المجتمع الذكوري المحافظ والعادات والتقاليد والأعراف والنظرة النمطية كما تعيش في جلباب الدور الكلاسيكي الذي حدده المجتمع الذكوري ألا وهو ربة المنزل والأم"، هكذا ذكّرت الناشطة الحقوقية النسوية وعضوة الرابطة التونسية لحقوق الإنسان فتحية نصري واقع المرأة في الدول العربية.
وأشارت إلى أنه على الرغم من تحقيق المرأة العربية المزيد من الخطوات المتقدمة سواء على المستوى التعليمي أو الأكاديمي حيث هناك عدد كبير من المتعلمات والباحثات، وعلى المستوى الوظيفي ففي قطاعي الصحة والتعليم تتقاسم المرأة الأعباء الوظيفية مناصفة مع الرجل، إلا أنها تخضع للكثير من التحديات المتمثلة أساساً في نظرة المجتمع ورضوخها للعادات والتقاليد المرتبطة بالفتاوى والتفسيرات الدينية، كما أنها لاتزال حبيسة القوانين النمطية التي لم تتطور ولم تواكب وضع المرأة والمجتمع العربي الذي لم يعد ذات مجتمع خمسينات القرن الماضي.
وأضافت "رغم نجاح المرأة في الدول العربية في العديد من المجالات إلا أنه إلى يومنا هذا تبقى نسبة أجور النساء أقل من الرجال بحوالي 23%، كذلك وجودها في البرلمانات سواء العربية أو الدولية في أقصى الحالات يبلغ 24%، وفي هذه النقطة يمكن القول إن وضع المرأة العربية يكاد يكون ذاته في كافة دول العالم".
وأوضحت أن هذا الوضع لا يليق بالمرأة العربية ومجتمعها "لا يمكن للمجتمع العربي أن يتقدم ونصفه مشلول وأعرج ونصفه الآخر حبيس العادات والتقاليد والأعراف"، موضحة أن "ثقافة العنف والتمييز بحقوقها المشروعة لا تزال مسيطرة على الرغم مما تحقق للمرأة من نهضة تعليمية وثقافية ومهنية في مختلف المجالات والمناصب القيادية في العالم منه عالمنا العربي، حيث لا تزال المرأة ضحية القهر واغتصاب الحقوق وبذلك تصبح أكثر الفئات تعرضاً للإجحاف في الرواتب والترقية الوظيفية والاستغلال".
وحول ما إذا لعبت القوانين العربية دورها في الدفاع عن حقوق المرأة، أكدت فتحية نصري أنه ثمة تقدم في القوانين لكنها تبقى معظمها تمييزية تشكل عقبة رئيسية تعيق مشاركة المرأة في الحياة العامة، مشيرةً إلى وجود العديد من المحاولات في المجتمعات العربية لسن قوانين تليق بمكانة المرأة بحكم أن غالبية القوانين تعتبر "بالية وقديمة" تعود إلى ستينات القرن الماضي لا تدافع عن حقوق المرأة العربية ولا تتماشى مع طموحاتها.
وقالت "نجد الكثير من اللامبالاة تجاه عدد من التجارب الناجحة للمرأة العربية مثل تونس ولبنان والمغرب حيث تم سن بعض القوانين الهادفة إلى حماية النساء من العنف وتحريرها من قفص العادات والأعراف والتقاليد البالية التي تعمل على جعل المرأة حبيسة لدورها التقليدي"، مضيفةً "نجد أن الإرادة السياسية لدى جل الدول العربية تعمل على عرقلة تقدم المرأة من خلال سن قوانين مكبلة لحريتها مثل تعدد الزوجات وإعطاء الرجل الدور الأساسي وحق التصرف في شؤون الأسرة بوصفه رب العائلة".
وأشارت إلى أنه رغم وجود بعض القوانين السالبة لحقوق المرأة في دول مثل دول الخليج والعراق، إلا أنه يوجد بعض المحاولات الجريئة لسن قوانين مدافعة عن حقوقها مثل القوانين التونسية التي نصت عليها مجلة الأحوال الشخصية ومُنعت بموجبها تعدد الزوجات وواكبت تطور المرأة ودورها الذي لم يعد يقتصر على الاهتمام بشؤون المنزل وتربيه الأطفال.
وبخصوص طبيعة القوانين الرافضة لحقوق المرأة في بعض الدول العربية، قالت "اجزم أن أغلب هذه القوانين تم سنها في البرلمان تحت غطاء دستوري لأنه إذا أمعنا النظر في وضع الدول العربية سنتأكد أن جل القوانين لا تعطي للمرأة دورها الحقيقي أو منحها كافة حقوقها، كما أنها في مجتمعاتنا العربية تعد دائماً الحلقة الأضعف".
وأشارت إلى أن بعض القوانين العربية لازالت تدعو إلى تعدد الزوجات، ووفق قولها "هذا أمر مخزي بحق المرأة، لأنه من المعيب أننا نعيش في الألفية الثالثة ولا زالت هذه الأخيرة تكابد من أجل التمتع بحقوقها في التعليم والعمل".
وترى فتحية نصري أن ما صدر عن البرلمان العراقي من تعديلات على قانون الأحوال الشخصية انتهاك لحقوق النساء والفتيات اللواتي سُمح بزواجهن في سن التاسعة وذلك خير دليل على عدم احترام القوانين العربية لحقوق المرأة، موضحةً أن هذه التعديلات التي نادى بها رجال البرلمان تحت قبة المجلس من شأنها أن تقتل البراءة وترفع مستوى الأمية.
ولفتت إلى أن هذه القوانين الداعية إلى تزويج الفتيات القاصرات يعد أولاً وصمة عار على جبين البرلمان العراقي الذي خلق هذه "البدعة" التي ستحرم فتيات بعمر التاسعة والعاشرة من اللعب والدراسة ومن طفولتهن، وثانياً وصمة عار على جبين العراق الذي لطالما كان بلد الحضارات العريقة.
وبينت أن الصراعات المذهبية والدينية وإدخال الشأن الديني في السياسي جعل من الدول العربية مسرحاً لقوانين "مخزية" تصادر حقوق النساء والفتيات، "صحيح أن العراق مر بأزمات وحروب لكن هذا لا يبرر حرمان الفتيات من حقوقهن، اعتبر أن الطائفية المسؤول الأول والأخير عما يحدث من تخلف وتجاوز وانتهاك لحقوق المرأة".
كما أشارت فتحية نصري إلى أن ما حدث في العراق من دعوة إلى تزويج القاصرات يعتبر تتويج لمرحلة كبيرة من الطائفية تمت تحت غطاء قانوني، مضيفةً أنها لا تستغرب ما بدر من بعض نواب البرلمان العراقي وما وصلوا إليه من تجاهل لحقوق المرأة بعد أن تم افتتاح أسواق لبيع أكثر من 4000 امرأة وانتشار جرائم قتل النساء تحت ذرائع الشرف وانتهاك حقوقهن خلال فترة سيطرة داعش على عدد من المدن العراقية، محملةً البرلمان العراقي مسؤولية انعدام القيم الإنسانية وسوء معاملة المرأة الباحثة والأكاديمية والمناضلة.
وقالت "نحن نشيد بجهود العراقيات اللاتي اعترضن على إقرار هذا القانون وطالبن بعدم تفعيله، ونتمنى أن يتراجع البرلمان عن هذه التعديلات لكي تتمتع الطفلة بطفولتها وتنال حقها في التعليم"، مشيرةً إلى أنه "لا يمكن انتهاك حقوق الأطفال باسم الدين أو الطوائف والتطرف لأن رجال الدين في العراق وضعوا غطاء دستوري ديني لإضافة الشرعية على هذه التعديلات".
وبخصوص قانون الأحوال الشخصية في لبنان، أوضحت فتحية نصري أن لبنان دولة التعدد العرقي والحضاري كما أنها "دولة الانفتاح، ويمكن القول إنه يوجد هناك بعض القوانين التي ترتقي نسبياً لتطلعات المرأة وتدافع عن حقوقها لكن تبقى كغيرها من القوانين التي تحتاج للتعديل كقانون الأحوال الشخصية الذي يشهد عدداً من النقائص".
وترى أن القوانين اللبنانية المعمول بها حالياً، وبشكل خاص قوانين الأحوال الشخصية عاجزة عن معالجة ظاهرة العنف ضد النساء كما تتساهل مع المعنف، مشيدةً مساعي اللبنانيات على تغيير الوضع والقوانين.
أما بخصوص الوضع في المغرب، فقد انتقدت فتحية نصري بعض ما جاء في مدونة الأسرة التي "لا تليق" بالتطور الذي شهدته المغرب عموماً والمرأة خصوصاً، مؤكدةً أن بعض قوانين مدونة الأسرة المغربية تشهد الكثير من التحيزات وقد رفضتها الناشطات المطالبات بضمان حقوق المرأة وتماسك الأسرة، لكن هذه المطالب بقيت بين أخذ ورد ولم يحسم القرار فيها، موضحةً أن "الهدف الأساسي من المدونة الحفاظ على تماسك الأسرة وعدم تفككها، لكن وللأسف لم تنجح القوانين في تحقيق ذلك، حيث ارتفعت نسب الطلاق بشكل كبير في المغرب بعد اعتماد مدونة الأسرة لعام 2004".
وفي تقييمها للتجربة المغربية الخاصة بالمجال الحقوقي وعمل الناشطات النسوية، قالت إنه "عمل مشرف فهناك حراك نسوي للدفاع عن حقوقهن ورفضهن سن قوانين جائرة تظلم المرأة، ونتمنى أن تتغير بعض قوانين هذه المدونة التي مازالت بحاجة كبيرة إلى بعض التغييرات".
وترى فتحية نصري أن وضع المرأة في الدول المذكرة وغيرها لا يزال حبيس هذه القوانين التي سنها الرجل باسم الدين أو السياسة، ولتحسين أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية، قالت إن المطلوب من النساء وضع حد لكل هذه التحديات وحماية أنفسهن من العنف لأن تحقيق ذاتهن لن يتم إلا بتطوير القوانين، وذلك من خلال التشبيك بين الجمعيات النسوية، كما يجب على الطبقة السياسية سن قوانين تحترم حقوق النساء.