مائدة مستديرة لمناقشة الحماية التشريعية من جريمة تزويج الأطفال في مصر

تزويج الأطفال دون السن القانونية واحدة من الأزمات ذات الجذور والأبعاد المعقدة في ثقافة المجتمع المصري والذي ظل لسنوات طويلة وحتى اليوم لا يعتبرها جريمة فعلية

أسماء فتحي
القاهرة ـ ، وظلت تلك الظاهرة تلقى قبولاً في الشارع وبين الآباء الذين يعتبر قطاع ليس بقليل منهم أن بناته عبء على كاهله ولا يجب أن يضيع فرصة تخلصه منهن خاصة إن كانت تلك الفرصة في تقديره آمنة متمثلة في منظومة الزواج سالكاً كل السبل الممكنة وإن كان بينها تحايل واضح على القوانين لتخطي عقبة السن القانوني. 
وظل التشريع المجرم لهذا الفعل والعقوبات التي وصفها البعض بالهزيلة محور البحث خلال الفترة الأخيرة وله الأولوية في التدقيق والسعي لإيجاد تعديلات تمكن من تحديد تلك الجريمة وحسمها تشريعياً، فقامت مؤسسة المرأة الجديدة أمس الأحد 20 شباط/فبراير، بعقد مائدة مستديرة حول الحماية التشريعية للفتيات من جريمة تزويج الأطفال، وناقشت خلالها مشروعات القوانين المقدمة لتجريمه بالإضافة إلى سبل الوصول لعقوبات رادعة لمرتكبيه.
 
الزواج العرفي الباب الخلفي للظاهرة
تتم أغلب حالات تزويج الأطفال من خلال الزواج العرفي الذي يجعل الأمر مقبول إلى حد كبير مجتمعياً لاحتوائه على أحد أركان الزواج الأساسية المتمثلة في الإشهار، ولهذا السبب اعتبره الكثيرون البوابة الخلفية التي يجب العمل على غلقها لمنع تلك الظاهرة وتحجيم انتشارها. 
وخلال الأعوام الماضية تقدم كلاً من "المجلس القومي للمرأة ومؤسسة الأزهر والنائبة إيناس عبد الحليم" بمشروعات قوانين احتوت على مواد تمنع زواج الأطفال قبل سن الـ 18 عام.
وجاء تجريم الزواج العرفي المحور الرئيسي الذي ارتكزت عليه مشروعات القوانين المقدمة من مؤسسة الأزهر والمجلس القومي للمرأة معتبريه بالفعل البوابة الخلفية لتزويج الأطفال دون السن القانوني، وتنص المادة رقم 143 بالأحوال المدنية لعام 1994، والمعدل بالقانون رقم 126 لعام 2008 على أنه "لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18عام" في حين لم ترد أي عقوبة على من يخالفها. 
في بيان صادر عن مؤسسة المرأة الجديدة استعرض تفاصيل مشروع القانون الذي قدمته النائبة إيناس عبد الحليم "يجرم الزواج المبكر بغض النظر عن كونه عرفي أو رسمي ويفرض عقوبات على كل من شارك فيه، ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل 500 ألف جنيه، سواء أكان المأذون أم الزوج أم الشهود أم الولي أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانوناً لضبط عقد الزواج أقوالاً يعلم أنها غير صحيحة أو حرر أو قدم لها أوراقاً، كذلك متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق، ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات أو بغرامة لا تقل على مئة ألف جنيه كل شخص خوله القانون سلطة ضبط عقد الزواج سواء المأذون أو الشهود أو الزوج أو الولي، وهو يعلم أن أحد طرفيه لم يبلغ السن المحددة في القانون".
وقد عاقب مشروع القانون المقدم من النائبة البرلمانية كل من "وثق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة كاملة بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، وبغرامة لا تقل على 500 ألف جنيه كل من وثق زواجاً بالمخالفة لأحكام هذه المادة".
واستهدفت المائدة المستديرة التي أقامتها مؤسسة المرأة الجديدة بحث الطريقة التي يمكن من خلالها الضغط للحد من تلك الظاهرة بقانون رادع ناتج عن نقاش الشكل الأمثل في تجريم مثل هذه الممارسات خاصة أن وضع الأهالي ضمن المجموعات التي ستتم معاقبتها يزيد من صعوبة الأمر، ويحتاج إلى تفكير في وسائل تفعيل وتنفيذ القوانين. 
 
الفئات المستهدفة وتفاصيل مشروع "المرأة الجديدة" لبحث آليات تجريم زواج القاصرات
مديرة البرامج بمؤسسة المرأة الجديدة لمياء لطفي، أكدت أنهم رصدوا في إحدى قرى محافظة الشرقية عدم وجود عقد زواج واحد بأوراق المأذون، وأن الدفتر الوحيد المستخدم لديه هو الخاص بالتصادق على الزواج الخاص بتحويل العقد العرفي لآخر رسمي بنفس تاريخ حدوثه، وهو ما يؤكد أن أغلب الزيجات تتم عرفياً بين الأهالي ثم يقوموا فيما بعد من خلال المأذون بالتصادق من أجل إثباتها. 
واعتبرت لمياء لطفي مديرة برامج مؤسسة المرأة الجديدة، أن الفئة الأولى التي تم استهدافها خلال عمل المشرع تمثلت في الأطفال أنفسهم أو الفئة العمرية التي يقع عليها أعباء وتبعات الزواج المبكر، وهي شديدة الاحتياج والتهميش على حد تعبيرها، مؤكدةً على أنهم تفاعلوا مع الأمر بطاقة كبيرة باعتبار أنهم رأوا مساحة كادت تكون في أحلامهم فقط وأبدوا تعجبهم من حدوثها، وهي خاصة بإتاحة الفرصة لهم في الاختيار للأدوات الأنسب لتدريبهم والسماح لهم بمناقشة موضوعات أقرب للمحرمات منها أسباب تعنيفهم وقمع حريتهم في التفكير بل والحلم ذاته، دون التقيد بما يراه الآخرون أو يحاولون فرضه عليهم.
وفئة العمل الأخرى بحسب لمياء لطفي تمثلت في القيادات المحلية التي هي جزء من المجتمع المشارك في تلك الجرائم فإن لم تكن مساهمة وراعية لها فهي إلى حد كبير متواطئة ومن بينهم رؤساء الأحياء ومشايخ المساجد وعمد القرى.
وأضافت أن مشروعهم حمل الكثير من الأدوات الفعالة ومنها تدريبات خاصة ببناء القدرات للجمعيات المتوفرة في مناطق العمل، وتوفير ندوات للأمهات والآباء في تلك المناطق المستهدفة، والموائد المستديرة التي تمت مع صناع القرار والقيادات المحلية.
وأوضحت أن أحد جوانب العمل في هذا المشروع والتي أتت بثمارها فعلياً تمثلت في العمل على بناء قدرات الأطفال أنفسهم، مشيرةً إلى أن أحد أهم الألوان التي استخدمت لتطويرهم وتمكينهم من التعبير تمثلت في "الفن" باعتباره الوسيلة الأكثر أمان في مواجهة المجتمع ليعبروا عن معاناتهم بوجه غاضب.  
وأضافت لمياء لطفي، أن المشروع استهدف نطاق للعمل في أربع محافظات تعد الأعلى كثافة في تزويج الأطفال تمثلوا في "القاهرة الكبرى والشرقية والدقهلية وقنا"، لافتةً إلى أن نسبة زواج الأطفال وفق أقرب التقديرات يمثل نحو 45% من الزيجات رغم صعوبة رصدها بشكل دقيق. 
وأكدت لمياء لطفي أن هناك طريقتين فقط تم طرحهما إعلامياً للتعامل مع تزويج الأطفال، أولهما كان تجريم الزواج العرفي نفسه لغلق هذا الباب، والآخر استهدف كل الأطراف المشاركة.
واحدة من الصعوبات التي واجهت فريق العمل على المشروع وتكاد تكون أقواها كان غياب التشريعات الخاصة بتجريم زواج الأطفال دون السن القانوني، كما أوضحته لمياء لطفي. 
وبينت أن هناك الكثير من الصعوبات في المجتمعات المحافظة منها الثقافة المترسخة في الجذور، فضلاً عن العادات والتقاليد، إلا أن غياب التشريعات العامل الأقوى في تقديرها والأهم، فالقانون يجرم تسجيل الزواج وهو ما فتح الباب الخلفي له منذ صدوره عام 2008، متمثلاً في الزواج العرفي.
 
 
استخدام الفن التعبيري في قضية الزواج المبكر
أشارت المعالجة بالفن التعبيري سحر السعدني، إلى أن تجريم الزواج المبكر أمر شائك للغاية نظراً لتأصله في جذور المجتمع المصري، وتلك الظاهرة تضر الطرفين سواء كان الطفل أو الطفلة ويتحمل كل منهما عبء أكبر من طاقته.
واعتبرت أن هناك شروطاً مهمة للزواج يغفل عنها الأطفال الذين يقومون بتلك الأدوار، وبالتالي تنشئة أسرة هشة مفككة لا يمكنها تجاوز الأزمات مهما كانت صغيرة وسرعان ما تتساقط أوراقها. 
وأشارت إلى تجربة مؤسسة المرأة الجديدة باستخدام ألوان الفن المختلفة في التعاطي مع قضية زواج الأطفال وفتح المساحة للأطفال ليشاركوا بأنفسهم في التفكير البناء، وصياغة آلامهم التي حرموا من مجرد التفكير فيها على أرض الواقع.
وبحسب ما ترى سحر السعدني، أن الفن هو التعبير المثالي الذي يدمج الواقع بالحلم ويحقق المأمول نفسياً لمستخدميه، وهو أمر قد يغفله الكثيرون ولكنه الأهم في التفاعل والاندماج مع المجتمع وأزماته، خاصةً تلك التي تمس العادات والتقاليد التي تحتاج لوقت طويل في مواجهتها.
 
 
كلمة السر تكمن في غياب التشريعات 
فيما قالت رئيس مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون انتصار السعيد، أن الأزمة الحقيقية تكمن في عدم تجريم القانون الواضح لزواج الأطفال، معتبرةً أن التجريم قاصر على التوثيق وعقوبته غير رادعة بل يمكن وصفها بالهزيلة.
وأوضحت انتصار السعيد أن علاج تلك الظاهرة التي وصفتها بـ "الكارثية" في تأثيرها يكمن في العمل على إيجاد قانون واضح يجرمها مع سد أبواب الثغرات في القانون الحالي التي يستغلها الأهالي في تزويج الأطفال، مضيفةً أن لتفعيل المادة 99 من قانون العقوبات يساهم في الحل لأنه يعطي للطفلة الحق في الإبلاغ عن تلك الجريمة بعد بلوغها للسن القانوني وتجاوز الـ 18 عام.
 
 
ثلاثة قوانين تحتاج لتعديلات لإيجاد حماية تشريعية 
أكد المحامي ياسر سعد، أن هناك ثلاثة قوانين تحتاج لتعديلات متمثلة في قانون العقوبات والطفل والأحوال المدنية، فالمطروح من تعديلات لا يشمل القوانين الثلاثة معاً.
واعتبر ياسر سعد أن الأزمة لا تكمن في تشديد العقوبة منفردة ولكنها في رصد الظاهرة نفسها لأن الدوائر التي تتم في نطاقها تلك الظاهر ضيقة للغاية قد يصعب الوصول إليها، مطالباً بتوسيع صلاحيات المجلس القومي للطفولة والأمومة ليصبح من حقه تقديم البلاغات في حال علمه بوقوع زواج للأطفال.
وأزمة التوثيق والأطفال الناتجين عن تلك الزيجات واحدة من القضايا التي أثارها المحامي ياسر سعد، موضحاً أن الأب القاصر لا يتمكن من تسجيل طفله لعدم وجود بطاقة رقم قومي بحوزته لعدم وصوله لسن الـ 16 عاماً وهي كارثة أخرى تنتج عن تلك الظاهرة، والتوجه في هذه الحالة للجهات الرسمية يعرضهم للمساءلة القانونية، مما يضطرهم لتأجيل تسجيل الطفل لحين بلوغ السن القانوني.