في سياق إقليمي متغير... أي دور للنقابات المغربية في إصلاح مدونة الأسرة؟
تؤدي النقابات في المغرب دوراً أساسياً في الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والسياسية للطبقة العاملة وعن حقوق النساء، وتمتد تأثيراتها إلى قضايا الأسرة.

حنان حارت
المغرب ـ شددت الناشطة النقابية في المغرب على أهمية التعاون بين النقابات والمنظمات الحقوقية والجمعيات المدنية والنسائية، مؤكدة أن التنسيق بين هذه المكونات يمكن أن يشكل رافعة قوية لتوسيع دائرة النقاش حول مدونة الأسرة وضمان الحفاظ على حقوق المواطنين.
يثير مشروع تعديل مدونة الأسرة المغربية نقاشاً واسعاً حول حقوق النساء ودور النقابات في صياغة القوانين الأسرية، في وقت تشهد فيه المنطقة جدلاً مماثلاً حول الإصلاحات القانونية المتعلقة بالأسرة وحقوق المرأة، فمن تونس إلى مصر والأردن، تتداخل الاعتبارات الدينية والاجتماعية والسياسية في تحديد مسار الإصلاحات، مما يجعل من التجربة المغربية نموذجاً جديراً بالدراسة ضمن السياق الإقليمي.
النقابات المغربية والإصلاح الأسري
أكدت الناشطة النقابية ومدافعة عن حقوق النساء إلهام بلفحيلي أن النقابات لا تقتصر على الدفاع عن حقوق العمال والعاملات، بل تسهم أيضاً في صياغة السياسات الأسرية "هنا يبرز دور النقابيات والناشطات الحقوقيات اللواتي تسعين إلى الدفع نحو إصلاحات تضمن حقوق النساء داخل الأسرة، وتحميهن من أي انتقاص قانوني قد يحد من مكتسباتهنّ".
وأوضحت أن وجود النقابات في نقاشات تعديل مدونة الأسرة يساهم في تقديم رؤية متوازنة تحمي حقوق النساء والفتيات، مع ضمان كرامة الرجل للحفاظ على استقرار الأسرة المغربية.
الإصلاحات القانونية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط... تجارب متقاطعة
الدور المتزايد للنقابات في المغرب يعكس تحولاً في فهم حقوق النساء داخل الأسرة، وهو ما يواكب التحولات في العديد من الدول العربية التي تشهد مسارات مشابهة، إذ تظهر التجربة المغربية كجزء من ديناميكية إقليمية تتراوح بين الإصلاحات التدريجية والتغيرات الجذرية، حيث تواجه بلدان عدة تحديات مماثلة، مثلاً تونس، شهدت إصلاحات قانونية متقدمة، مثل إلغاء التمييز في الميراث في بعض الحالات، ولكن هذه التعديلات لم تحظ بتوافق مجتمعي واسع، وواجهت مقاومة قوية من التيارات المحافظة.
أما في مصر، فتستمر النقاشات حول تعديل قوانين الأحوال الشخصية، خاصة فيما يتعلق بحضانة الأطفال والطلاق، حيث تتبنى النقابات ومنظمات المجتمع المدني مواقف متباينة بين تحديث القوانين والحفاظ على الأطر التقليدية.
كما شهدت الأردن في السنوات الأخيرة تعديلات على قوانين الأحوال الشخصية، وسط نقاش حول دور المرأة في الأسرة وحقوقها بعد الطلاق، مع استمرار الجدل حول تقاسم الممتلكات وحق المرأة في منح جنسيتها لأبنائها.
النقاش العام في المغرب
وبحسب إلهام بلفحيلي، انقسم الخطاب المغربي حول تعديل مدونة الأسرة بين رؤيتين متناقضتين، الخطاب الرسمي المتزن، كما عبر عنه الملك محمد السادس، حيث حدد التوجهات العامة للإصلاح بهدف تحقيق العدل والمساواة، مع الحفاظ على تماسك الأسرة، وفي مقابل ذلك يظهر خطاب شعبوي مثير للجدل، يعتمد على انتقاء مقاطع معينة من التعديلات وإبرازها بأسلوب مبالغ فيه على وسائل التواصل الافتراضي، مما أدى إلى نقاشات سطحية زادت من حدة الاستقطاب المجتمعي.
وترى إلهام بلفحيلي أن هذا النوع من الخطاب المشحون ليس ظاهرة مغربية فقط، بل يتكرر في دول أخرى، حيث تلعب مواقع التواصل الافتراضي دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام حول قضايا الأسرة، مما قد يؤثر على اتجاهات التشريع ويغذي الانقسامات داخل المجتمع.
التواصل الحكومي... تحديات مشتركة بين الدول
إلى جانب الجدل المجتمعي، انتقدت إلهام بلفحيلي الطريقة التي قدمت بها الحكومة المغربية مشروع التعديلات، معتبرة أن بعض المسؤولين اعتمدوا على قناعاتهم الشخصية بدلاً من عرض المشروع بموضوعية هذا النهج، وفقاً لها، أدى إلى التباس في الفهم وإثارة جدل واسع.
وأعطت مثالاً ببعض القضايا التي أثارت تساؤلات واسعة، مثل مصير بيت الزوجية بعد وفاة الزوج، حيث تساءل المواطنون عن مصير الأم في حال احتفاظ الزوجة والبنات فقط بالمنزل، مؤكدة أن هذه الأسئلة تعكس ثغرات قانونية تحتاج إلى معالجة دقيقة.
كما شددت على أن النقاشات الموسعة التي أثارتها هذه التعديلات تؤكد أن المغربيات والمغاربة مهتمون بالشأن العام، ويمتلكون حساً نقدياً يمكنهم من المساهمة في صياغة القوانين التي تؤثر على حياتهم اليومية.
غياب الأحزاب السياسية... أزمة مشتركة بين دول المنطقة
هناك إشكالية تتكرر في دول المنطقة تتعلق بتراجع دور الأحزاب السياسية في التأثير على النقاشات المجتمعية حول القوانين الأسرية، ومن الأسئلة المطروحة في هذا السياق، أين الأحزاب السياسية من هذا النقاش؟
وأكدت إلهام بلفحيلي أن التوعية بالتعديلات المقترحة ليست مجرد نقاش نظري، بل تتطلب خطاباً بسيطاً ومباشراً يصل إلى جميع فئات المجتمع، مضيفة أن الأحزاب لم تلعب هذا الدور بفعالية، مما جعل النقابات والجمعيات تتصدر المشهد في توجيه النقاش العام.
وأضافت "النقابات والجمعيات تتفوق على الأحزاب في قدرتها على الوصول إلى مختلف شرائح المجتمع، حيث تمتلكان أدوات تواصل فعالة ومباشرة مع الطبقات العاملة والوسطى"، لافتة إلى أن هذا ما يجعلهما أكثر قدرة على لعب دور مؤثر في نشر الوعي حول المدونة، في حين أن الأحزاب السياسية يبدو أنها تراجعت عن أداء هذا الدور.
وشددت على أهمية التعاون بين النقابات والمنظمات الحقوقية والجمعيات المدنية والنسائية، مؤكدة أن التنسيق بين هذه المكونات يمكن أن يشكل رافعة قوية لتوسيع دائرة النقاش حول مدونة الأسرة، وضمان فهم المواطنين لمضامينها بعيداً عن التوظيفات الأيديولوجية الضيقة.
تحالفات متباينة ورؤى متضاربة
وبينت إلهام بلفحيلي أن النقابات ذات التوجه التقدمي تتحالف مع منظمات حقوقية تدفع نحو تحديث القوانين لتحقيق مساواة فعلية بين الرجل والمرأة في مجالات مثل "حضانة الأطفال، تقاسم الممتلكات، حقوق المرأة بعد الطلاق أو وفاة الزوج"، موضحة أن بعض النقابات ذات التوجه المحافظ تميل إلى الحفاظ على التوازن التقليدي داخل الأسرة، حيث تؤكد على العدل بدلاً من المساواة المطلقة، وهو ما يجعل النقاش حول المدونة محاطاً بمقاربات مختلفة، مشابهة لما يحدث في بلدان أخرى مثل مصر والأردن.
في ختام حديثها شددت إلهام بلفحيلي على أن نجاح الإصلاحات لا يقتصر فقط على تحسين القوانين، بل ينعكس على الاستقرار الاجتماعي ككل، لذا، فإن تحقيق إصلاح متوازن يتطلب نهجاً تشاركياً يجمع مختلف الفاعلين، لضمان توافق مجتمعي واسع حول مدونة الأسرة، بعيداً عن التوظيفات الأيديولوجية الضيقة.
تحديات الإصلاحات القانونية والتوافق المجتمعي
تبدو التحديات الإقليمية في تعديل القوانين الأسرية متشابهة، لكن تجربة المغرب تبرز كنموذج مهم يمكن أن يسلط الضوء على كيفية تفاعل النقابات مع هذه التحولات، ومع استمرار الجدل والتوتر حول الإصلاحات القانونية، يبقى السؤال الأبرز هل ستتمكن النقابات المغربية من تحقيق توافق اجتماعي يضمن حقوق النساء ويحافظ في الوقت نفسه على استقرار الأسرة المغربية؟ الأيام المقبلة وحدها ستكشف عن مسار هذا التعديل القانوني وتأثيراته على المجتمع المغربي والإقليمي.