المرأة السورية وصراع الأدوار السياسية... حق مستحق وسط مخاوف المستقبل

المرأة السورية تقف بثبات وصمود في خضم التحولات التي تشهدها سوريا بعد 8 كانون الأول، مطالبةً بحقها المشروع في المشاركة السياسية، ويتزايد القلق بين النساء حول ما إذا كان المستقبل السياسي للبلاد سيتيح لهن مكاناً يليق بتضحياتهن وقدراتهن أم لا.

غفران الهبص

حلب ـ بينما تعيد سوريا رسم ملامحها السياسية، تجد النساء أنفسهن على مفترق طرق بين طموحاتهن المشروعة في المشاركة السياسية ومخاوفهن من التهميش، فطوال سنوات الأزمة أثبتت المرأة السورية صموداً لا يُضاهى، وتحملت أعباء اجتماعية واقتصادية جعلتها شريكاً أساسياً في الحفاظ على النسيج المجتمعي، ورغم هذه التضحيات، يساور العديد من النساء شعور بالقلق حيال مستقبل دورهن السياسي.

تتساءل السوريات هل ستتيح هذه المرحلة من تاريخ سوريا لهن الفرصة لتكن شريكات في صنع القرار، أم أن القيود المجتمعية والهياكل السياسية القديمة ستقف حائلاً أمام تحقيق هذا الحلم. 

ولطالما كانت المرأة السورية رمزاً للصمود والعطاء، فقد تحملت أعباء الحرب، وواجهت تحديات الحياة بشجاعة واليوم، مع التحولات السياسية التي تشهدها سوريا، تتطلع النساء إلى أدوار أكثر تأثيراً في المشهد السياسي، لكن الطريق لا يزال مليئاً بالعقبات.

 

واقع وعوائق

لفهم تطلعات المرأة السورية اليوم، لا بد من العودة إلى جذور مشاركتها السياسية في الماضي، التي لطالما اتسمت بالتهميش، بهذا بدأت حديثها صبحية غريب، وهي من سكان مدينة إدلب وتبلغ من العمر نحو 45 عاماً.

وقالت "للأسف، كان دور المرأة السياسي في سوريا خلال العقود الماضية محدوداً للغاية بالرغم من وجود نساء في مواقع قيادية، إلا أن أدوارهن غالباً ما كانت شكلية دون تأثير حقيقي على القرارات المصيرية، أما خلال الحرب، فقد برزت النساء كقوى رئيسية في المجتمع، وتحملن أعباء العائلة، كما أسهمن في مجالات الإغاثة والتعليم وغيرها من المجالات، لكن رغم هذه التضحيات، ما زال التهميش السياسي قائماً، فالنساء لم تحصلن على التقدير الذي تستحقينه، ولم تُترجم مساهماتهن إلى أدوار قيادية في المشهد السياسي".

وأوضحت "عندما نتحدث عن مشاركة المرأة في السياسة، لا يمكننا تجاهل العقبات التي تعترض طريقها، تلك الصعوبات التي لم تُخلق من فراغ، بل تراكمت نتيجة سنوات طويلة من التهميش المجتمعي والثقافي، وفي ظل الحرب، تضاعفت هذه التحديات لتصبح المرأة السورية أمام معركة مزدوجة النضال من أجل حقوقها، والنضال من أجل وطنها".

وأضافت صبحية غريب "تواجه المرأة السورية عوائق عديدة، أبرزها العوائق الثقافية والمجتمعية، النظرة التقليدية التي تحصر دور المرأة في المنزل وما زالت متجذرة في مجتمعنا، مما يجعل من الصعب على النساء الانخراط في الحياة السياسية، إضافة إلى ذلك، هناك غياب واضح للدعم القانوني الذي يضمن تمثيلاً عادلاً للمرأة في المناصب القيادية".

ولفتت إلى أنه "في أغلب المناطق بعد سقوط النظام تتضاعف التحديات فالبيئة غير مشجعة للنساء على التعبير عن آرائهن أو المشاركة السياسية، بسبب الظروف الأمنية والاجتماعية، حتى تحركات المرأة ونشاطها المجتمعي يخضعان لقيود صارمة، ما يجعل من الصعب على النساء كسر هذه الحواجز والظهور كقائدات فاعلات بالإضافة إلى التحدي الأهم والأصعب وهو خوف النساء من إدارة هيئة تحرير الشام من فرض أمور لا تليق بقدراتهن وتقلل من شأنهن مثل الإجبار على ارتداء الحجاب وتقييد وجود المرأة بالمنزل فقط".

 

الأمل في دور سياسي عادل

ورغم التحديات التي تواجهها السوريات في هذا الوقت يبقى الأمل في بناء مستقبل أكثر عدالة، حيث تسعى النساء لإثبات قدرتهن على لعب دور سياسي فاعل يساهم في نهضة المجتمع.

وأكدت صبحية غريب "لدي أمل كبير بأن المرأة السورية ستتمكن من تحقيق دور سياسي عادل في المستقبل، لكن هذا يتطلب إرادة سياسية حقيقية وتفعيل قوانين تدعم تمكين المرأة، فالنساء يتمتعن بقدرة استثنائية على المساهمة في قضايا السلام والمصالحة، ولديهن حساسية خاصة تجاه معاناة المجتمع، مما يبعث على التفاؤل أن هناك نماذج مشرقة لنساء كافحن لتحقيق النجاح رغم الظروف القاسية، فالكثير من النساء السوريات درسن في خيام تفتقر لأبسط مقومات الحياة، ومع ذلك تخرجن بمؤهلات مميزة، كما أن هناك من درسن على ضوء شمعة وسط ظلام الحرب، وحققن نجاحات كبيرة في مجالات عدة".

 

ناجحات وممثلات قياديات

ولفتت إلى أن هناك أمثلة لنساء سوريات نجحن في التأثير رغم كل التحديات فمنهن خرجن إلى دول أخرى واستطعن أن تكن ممثلات المجتمع المدني في جنيف، ومنهن أصبحن قياديات في معظم المنظمات الدولية والإنسانية "هؤلاء النساء عملن على إيصال أصوات النساء ومعاناتهن إلى المحافل الدولية، ومنهن من يقدمن خدمات كبيرة رغم قلة الموارد والضغوط الاجتماعية سواء كان في الداخل السوري أو خارجه".

ووجهت رسالة قالت فيها "رسالتي لكل امرأة سورية، لا تدعي الظروف تقف في طريقكِ، الطريق صعب، لكنه ليس مستحيلاً، آمني بنفسكِ وبقدرتكِ على التأثير وتذكري أن كل خطوة صغيرة تخطينها اليوم هي لبنة في بناء مستقبل سوريا الجديدة لا تخشِ الصعاب، بل كوني شجاعة في مواجهتها، لأن بلدنا بحاجة إلى صوتكِ وإسهاماتكِ فالنساء شريكات في صنع القرار، ولسن مجرد متفرجات".