توقيع واحد كان كافياً لخروج البلاد من اتفاقية اسطنبول

لا تزال النساء تعترضنَّ على قرار انسحاب تركيا من اتفاقية اسطنبول، وخرجنَّ في تظاهرات بعدة مناطق من البلاد كأنطاليا وإزمير وإسطنبول، مؤكدات على أن الحكومة غير مخولة للخروج من اتفاقية تفرض مسؤوليات على السلطة لحماية النساء من العنف

مركز الأخبار ـ .
بالرغم من الاعتراض الكبير الذي ابدته جمعيات نسائية وحقوقية ونشطاء في مجال حقوق المرأة، منذ تلميح الدولة للانسحاب من الاتفاقية قبل أشهر إلا أن البلاد انسحبت، ونشرت الخبر في الجريدة الرسمية.
ومنذ اليوم الأول لانسحاب تركيا من اتفاقية اسطنبول خرجت مظاهرات احتجاجية في العديد من المدن التركية، ولاقى القرار استنكار العديد من الدول الأوروبية.
الاتحاد النسائي لنقابات العمال (KESK) عقد مؤتمراً صحفياً وانتقدت الأمين العام إزجي جيليك الخروج من الاتفاقية، من خلال توقيع شخص واحد وتقصد به أردوغان دون الرجوع إلى رأي الشعب التركي.
وفي أنطاليا، احتجت الأحزاب السياسية والجمعيات والمنظمات غير الحكومية على انسحاب الحكومة من اتفاقية اسطنبول ببيان أدلوا به في ساحة أتالوس. ورفعت لافتات كتب عليها "نحن لا نتخلى عن حياتنا وحقوقنا" و"نحن لا نتنازل عن اتفاقية اسطنبول".
وفي إزمير اجتمعت منصة بورنوفا النسائية في ساحة بورنوفا، وأدلوا ببيان أيضاً، ورفعوا شعارات كـ "نحن لا نتنازل عن حقوقنا"، و"حياتنا من اتفاقية اسطنبول". وفي منطقة سيغلي نزلت النساء إلى الشوارع واجتمعنَّ أمام البلدية بدعوة من منبر سيغلي النسائي، ورفعنَّ شعار "عقد اسطنبول يجعلنا نعيش، نحن لا نستسلم"، "أوقفوا ... القتلة وليس النساء". 
 
لماذا الانسحاب الآن؟
تركيا التي انسحبت من الاتفاقية يوم السبت 20 آذار/مارس، والتي أبرمت في عام 2011 لمكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي، لتكون أول معاهدة دولية تضع معايير ملزمة قانوناً لمنع العنف القائم على أساس الجنس، قالت إن الاتفاقية تتضمن بنوداً لا تناسب المجتمع التركي.
لم تتغير بنود اتفاقية اسطنبول التي وقعت عليها 45 دولة أوروبية، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي كمنظمة منذ أن وقعت عليها تركيا في عام 2011، لكن الأخيرة انسحبت منها بحجة أنها تخالف تقاليد المجتمع التركي، وتهدد كيان الأسرة. 
يرى مراقبون للوضع في تركيا أن التيار المحافظ يسيطر على قرارات السلطة، ولذلك يسعى أردوغان لكسب أصوات هؤلاء المحافظين، بغض النظر عن كون هذا الانسحاب يعرض حياة النساء للخطر. 
الصدمة التي أحدثها الانسحاب دفعت العديد من الدول للحديث حول الخطأ الذي ارتكبته تركيا، وقال المتحدث باسم الأمين العام لمجلس أوروبا دانيال هولتغين إن هدف الاتفاقية الحد من العنف المرتكب بحق النساء، وليس لها أجندة أخرى. مشيراً إلى أن التوجهات السياسية في تركيا هي من أدى إلى الانسحاب وليس بنود الاتفاقية التي لم تتغير.
 
التيار المحافظ يسيطر على قرار الحكومات 
ليست تركيا فقط من يسيطر عليها التيار المحافظ، ويؤدي إلى اتخاذ قرارات مجحفة بحق النساء مثل الانسحاب من الاتفاقية التي تحمي المرأة، أو عدم التوقيع على اتفاقيات لها ذات الهدف. 
إن الدول التي يسيطر عليها التيار المحافظ في دائرة الدول التي من الممكن أن تنسحب من الاتفاقية، ومنها بولندا التي صادقت على الاتفاقية في عام 2015، ولكنها وضعت قيوداً على الإجهاض أيضاً منذ فترة، ولم تتراجع عن قرارها رغم التنديد الواسع. وقد نشرت وثيقة مسربة حول سعي الحكومة البولندية للانسحاب من الاتفاقية، واستبدالها باتفاقية تمنع زواج المثليين والإجهاض.
كذلك لم تصادق كل من بلغاريا والمجر على الاتفاقية حتى الآن رغم توقيعهما عليها، ويعتقد أنهما لن تفعلا ذلك، فالبرلمان المجري أعلن رفضه للتصديق على اتفاقية اسطنبول في العام الماضي. وفي عام 2018 أصدرت المحكمة الدستورية في بلغاريا حكماً بعدم دستورية الاتفاقية، كما أن سلوفاكيا ما تزال تجمد العمل بالاتفاقية.
 
الأهم هو الحد من العنف
تقول الحكومة التركية أنها متمسكة بالدفاع عن النساء ومنع العنف الممارس ضدهنَّ بوجود اتفاقية أم دونها، فيما يؤكد معارضي النظام والمنظمات الحقوقية والنسائية، أنه لا يوجد ضمان كامل لحماية النساء.
لم تستطع الاتفاقية حماية النساء خلال عشر سنوات من التوقيع فنسب العنف كانت مرتفعة وسترتفع مع الخروج من الاتفاقية بحسب مخاوف النسويات في تركيا. فالبلاد تعاني من نسب مرتفعة من حوادث العنف ضد النساء وجرائم القتل التي تطال النساء من قبل الشركاء، ففي عام 2020 قتلت 300 امرأة ومنذ بداية العام الحالي وحتى تاريخ كتابة هذا التقرير قتلت 77 امرأة على يد شريكها.
ومع ذلك استطاعت الاتفاقية حماية العديد من النساء حيث سمحت لمعظمهنَّ اللجوء إلى المحاكم من خلال تغيير هويتهنَّ والانتقال إلى مسكن آمن، ووضع سوار إلكتروني أمني لتعقب الرجال الذين يمثلون تهديداً لهنَّ.
يذكر أن اتفاقية "منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف الأسري" والمسماة اختصاراً باتفاقية اسطنبول أبرمت من قبل المجلس الأوروبي، وتتضمن تشريعات ضد العنف، والاغتصاب الزوجي، وختان الاناث، وتؤكد بنودها على تقديم خدمات لدعم الضحايا، وتأخذ أهميتها من كونها ملزمة لجميع الدول التي صادقت عليها.