نساء السودان بين أتون النزاع والمعاناة والعنف

النساء في السودان لسن مجرد ضحايا للنزاع بل شريكات رئيسيات للتغيير والسلام، لذلك يجب اعتبارهن شريكات في عملية بناء السلام وذلك لن يكون ممكناً دون معالجة جذور المشاكل التي تعانين منها وضمان كافة حقوقهن.

مركز الأخبار ـ في ظل النزاع الدائر في السودان تستمر معاناة النساء اللواتي تتعرضن لأشكال مختلفة من الانتهاكات والتي تشمل العنف الجنسي والاستعباد، والتي تتطلب تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لضمان حمايتهن مع التركيز على تقديم الدعم والرعاية للضحايا وتعزيز دور المرأة في عمليات السلام والمصالحة.

تشهد السودان تغييرات سياسية واسعة في خطوة لإعادة ضبط بوصلة الحكم في البلاد لمرحلة ما بعد النزاع، خاصة بعد استعادة الجيش السوداني مؤخراً مناطق واسعة من العاصمة الخرطوم ومحيطها، كانت تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ اندلاع النزاع في البلاد.

يرى محللون سياسيون أن إعلان تشكيل حكومة انتقالية جديدة قريباً برئاسة مدنية تأتي في سياق مهم، حيث يواجه السودان ضغوطات داخلية وخارجية تتعلق بمخاوف من استغلال العسكريين للحرب الحالية للسيطرة على السلطة في البلاد، ويرى آخرون أن إعلان اختيار رئيس وزراء مدني من التكنوقراط يمثل مؤشراً "إيجابياً".

وامتدت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى 13 ولاية من أصل 18، منذ بدء النزاع بينهما في منتصف نيسان/أبريل 2023، مخلفة أكثر من 20 ألف قتيل من المدنيين ونحو 15 ألف نازح ولاجئ، بحسب تقارير الأمم المتحدة، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألف مدني.

ويواجه نصف سكان السودان أي 24.6 مليون شخص مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، من بينهم 8.5 مليون شخص يواجهون حالة طوارئ أو حالة شبيهة بالمجاعة، وفقاً لتحذيرات منظمة أطباء بلا حدود.

وفي الثامن عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، كشف تقرير أممي جديد عن بيانات مثيرة للقلق، أفادت بأن 75% من السكان في جنوب السودان سيعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال موسم الجفاف لعام 2025 مع مواجهة الأطفال مستويات عالية من الجوع وسوء التغذية.

ولم تسلم المرافق الصحية والمستشفيات حتى العاملون فيها من تداعيات النزاع، إذ تعرضت للقصف والنهب، مما تسبب بخروج قرابة 70 ـ 80% من المستشفيات عن الخدمة، ففي ولاية الخرطوم وحدها قتل قرابة 54 طبيباً منذ ما يقارب عامين، في وقت قال فيه أطباء إن الهجمات على المستشفيات تتم بشكل متعمد، مما وضع البلاد في مواجهة كارثة صحية وإنسانية غير مسبوقة، حيث سيترك المرضى والمصابون بدون أي رعاية صحية، فضلاً عن انتشار الأمراض والأوبئة بين السكان، وسط نقص في الإمدادات الأساسية، ما يجعل النظام الصحي على حافة الانهيار التام.

تبرز مأساة غير مرئية بالقدر الكافي، وهي معاناة النساء اللواتي تدفعن ثمناً باهظاً جراء النزاع المستمر حيث يتم إقصاؤهن في الوقت نفسه من المشاركة في الحوار حول كيفية إنهاء هذا النزاع، وتتعرضن لمختلف أشكال العنف والانتهاكات، في وقت تتسم حياتهن بالفقر المدقع ونقص المرافق الطبية خاصة تلك المتعقلة بالصحة الجنسية والوقائية.

فقد أشارت تقارير المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2024، إلى أن قوات الدعم السريع "مسؤولة" عن ارتكاب جرائم عنف جنسي على نطاق واسع خلال تقدمها في المناطق التي تسيطر عليها، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي والخطف واحتجاز الضحايا في ظروف ترقى إلى مستوى الاستعباد الجنسي الذي يثير قلقاً بالغاً بشأن سلامة النساء والفتيات في تلك المناطق.

وكانت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، قد قالت في وقت سابق أن أعداد حالات الاغتصاب في صفوف السودانيات المبلغ عنها، مثلت قرابة 2% فقط ممن ارتكب بحقهن فعلياً، والتي ستتركهن تواجهن أوضاعاً صعبة.

ومن بين الأرقام المرعبة الصادرة عن منظمة المرأة في منطقة القرن الإفريقي SIHA، أن أكثر من 90% من النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب في السودان، هن ضحايا الاغتصاب الجماعي، كما أن العديد منهن كن ضحايا الاختطاف، وقد أفادت التقارير أن معظم الحوادث الموثقة لدى المنظمة ارتكبتها قوات الدعم السريع وبعض المجموعات الأخرى، حيث عذبوا وتاجروا واغتصبوا السودانيات في مواقع مختلفة داخل البلاد.

وعادة ما يترك النزاع في كل مكان وزمان آثاراً عميقة على المجتمعات، لكن النساء والفتيات غالباً ما تكن من أكثر الفئات تضرراً، وتتحملن العبء الأكبر من تبعياتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث أدى النزاع إلى نزوح مئات الآلاف من الأسر الأمر الذي أثر بشكل كبير على النساء والفتيات اللواتي وجدن أنفسهن في مواجهة تحديات جسيمة تتعلق بالاستقرار النفسي، ورعاية الأسرة، والتكيف مع الواقع الجديد.

ولا شك أن للنزاع تداعيات نفسية واجتماعية خطيرة على كافة فئات المجتمع، إلا أن تأثيرها على المرأة يكون أشد وطأة مقارنة بغيرها، حيث يتسبب بالعديد من المشكلات النفسية منها الصدمات النفسية واضطرابات ما بعد الصدمة نتيجة للعنف أو فقدان أحد أفراد العائلة بالخوف والاكتئاب والقلق المزمن، حيث تعاني النساء من الإجهاد والتوتر خصوصاً عندما تجدن أنفسهن مجبرات على تحمل المسؤوليات والتعرض للعنف الأسري والذي مازال قضية مقلقة، على الرغم من وجود القوانين والسياسات والبرامج التي تحميهن، فالعديد من النساء تعشن في سياق عدم المساواة والتخلف والفقر الذي ازداد حدته مع النزاع، ومن أهم الأسباب وراء انتشار العنف الأسري الخوف من الوصم المجتمعي والسكوت عن مظاهر العنف وعدم التبليغ، والأعراف والتقاليد والثقافة المجتمعية التي تحول دون البوح وطلب المساعدة خارج إطار الأسرة.

وعلى الرغم من كل ما تعانيه المرأة، إلا أنها تبقى عنصراً فعالاً في الحفاظ على استقرار أسرتها، حيث تعمل على توفير الدعم العاطفي لأفرادها والاستماع إليهم للتخفيف من آثار الصدمات، وتعزيز التماسك الأسري وتشجيع الأفراد على التكاتف والتعاون في مواجهة الظروف الصعبة.

وحول التطورات السياسية الأخيرة التي تشهدها البلاد يفرض الواقع الحالي دوراً جديداً على المرأة السودانية، فمن غير المعقول ألا تحصل على حقوقها المشروعة ضمن مباحثات السلام التي تجري بين المكونات العسكرية والمدنية، وهنا يتبادر إلى أذهان الكثيرين السؤال عن أسباب عدم وضع بند يمنع حدوث اعتداءات جنسية على النساء؟ باعتبارها جريمة ممنهجة يعاقب عليها القانون الدولي، وعلى الرغم من المبادرات والوساطات التي ترعاها الدول من بينها الولايات المتحدة، إلا أن تلك الرعاية تفتقر لأجندات الحقوق الأساسية.

كما أن الصمت الدولي وعدم تسليط الإعلام الضوء على معاناة المرأة في السودان والعنف الذي تتعرض له، يساهم بشكل مباشر باستمرارية الأزمة دون إيجاد أي حلول، كما يجب على المنظمات الحقوقية أن تلعب دوراً في حمايتهن من الانتهاكات التي تتعرضن لها وضمان حقوقهن، فمن الضروري ضمان تمثيلهن بنسب تتناسب مع واقعهن ومساهماتهن في المجتمع خلال المرحلة الانتقالية فهن لسن مجرد ضحايا وأداة للحرب بل قائدات وشريكات رئيسيات للتغيير والسلام فذلك لن يتحقق دون معالجة جذور المشاكل التي تعاني منها النساء وضمان حقوقهن بشكل كامل.

وهنا يمكننا القول إن النزاع ترك آثاراً مدمرة على المرأة، لكنها بصلابتها قادرة على تحويل المعاناة إلى دافع للصمود وإعادة بناء مستقبل البلاد، فمن خلال الدعم النفسي والتماسك الأسري وتطوير المهارات، ستستطيع تجاوز آثار النزاع، لذلك من الضروري أن يكثف المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية جهودهم لدعم السودانيات اللواتي تواجهن أوضاعاً إنسانية صعبة، لتتمكن من تجاوز الآثار النفسية والاجتماعية التي تركها النزاع.