مهرجان الكسكسي الجزائري... تراث الطهي يجمع بين الأصالة والإبداع
في خطوة بارزة، سعت نساء الجزائر إلى إبراز الكسكسي كجزء لا يتجزأ من الثقافة الوطنية، مجسدات حكاية تراث تعود لمئات السنين.

نجوى راهم
الجزائر ـ في أجواء مفعمة بالأصالة والإبداع، جمع مهرجان الكسكسي الجزائري الأول من نوعه، ما بين روح التراث والنكهات التقليدية ليبرز الكسكسي كرمز ثقافي واقتصادي للهوية الجزائرية.
انطلقت فعاليات الطبعة الأولى من مهرجان الكسكسي الجزائري أمس الجمعة 11نيسان/إبريل بفندق الأوراسي بالعاصمة، في أجواء مفعمة بالأصالة والنكهات الموروثة، ليجمع بين عبق التراث وروح الإبداع في فن الطهي، بمشاركة واسعة من طهاة، حرفيين، ومهتمين بالثقافة الغذائية من مختلف ولايات الجزائر.
ويُعد هذا الحدث، المنظم تحت رعاية وزارة السياحة والصناعة التقليدية، الأول من نوعه في الجزائر، وجاء ليكرّس الكسكسي كرمز للهوية الثقافية الوطنية، خاصة بعد اعتماده من قبل منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية.
طبق يتجاوز المطبخ... إلى عمق الهوية
أكدت الشيف شهرزاد لعوج أن المهرجان ليس مجرد فعالية طهي، بل مناسبة لتعزيز مكانة الكسكسي كتراث جامع، سافر إلى مختلف بقاع العالم ناقلاً معه عبق الأصالة الجزائرية، مضيفة أن هذه الطبعة الأولى ستكون نقطة انطلاق نحو طبعات مقبلة في دول أخرى، من أجل التعريف بالكسكسي الجزائري كمنتوج ثقافي واقتصادي يُمكن أن يدخل مستقبلاً سوق التصدير.
وشهدت المسابقة مشاركة من فئات مختلفة، وتبقى المرأة الجزائرية الحارسة الأمينة لوصفة الكسكسي التقليدية، إلى جانب مطاعم وفنادق وطهاة محترفين، وقد تم تقييم المشاركات وفق عشرة معايير، منها الذوق، نوعية السميد، وأصالة الوصفة، والمكونات المحلية المستعملة.
الفتيل... حكاية منسية تعود من جديد
من جهتها، تحدثت سرغي سعاد، صانعة العجائن التقليدية، عن حرصها على إحياء طريقة "الفتيل" اليدوية في تحضير الكسكسي، والتي عرفت تراجعاً في السنوات الأخيرة نتيجة غياب التكوين المبكر للفتيات، وأعلنت عن نيتها تقديم دورات تكوينية مستقبلاً لنقل هذه المهارات التراثية، مشيرة إلى أن توفر المواد الأولية اليوم يجعل من عملية الفتيل أكثر سهولة مما كانت عليه في السابق.
ألوان ونكهات من مختلف ربوع الوطن
كما حضرت حدو نعيمة من ولاية تيبازة والمقيمة بإيطاليا كضيفة شرف، بمجموعة أطباق تقليدية نادرة أبرزها كسكس البلوط الأسود وكسكس الزعتر والسدر، والتي أكدت على ضرورة الترويج لهذه الأنواع التي تعكس ثراء المطبخ الجزائري وتنوع مناطقه، لافتة إلى الإقبال الكبير الذي تحظى به هذه الأطباق في المطاعم الإيطالية.
أما من الجنوب الجزائري، فقد مثّلت جمعية الساقية الحمراء من الصحراء الغربية طبق "الكسكس المخامس" الذي يُحضر بخمس أنواع من الدقيق، منها الحمص والشعير، ويُطهى بلحم الإبل ويُزين بدهن الغنم، وهو طبق يعكس خصوصية المنطقة وروحها الصحراوية.
البربوشة المسيليّة... نكهة الأصالة من المسيلة
وشاركت سميرة بن تومي من ولاية المسيلة لتعريف بطبق البربوشة المسيليّة، التي تختلف عن باقي أنواع الكسكسي، وتُحضّر بمرق حلو مالح مع الحمص والبصل، وتُزين في النهاية بالسكر الرطب، واعتبرت مشاركتها فرصة للتعريف باللباس التقليدي النايلي أيضاً، داعية النساء إلى التمسك بالعادات والتقاليد ومواصلة العمل للحفاظ على هذا الإرث المتجذر في البيوت الجزائرية.
والجدير ذكره أن المهرجان، الذي ينظم على مدار يومين، لا يهدف فقط إلى التذوق والمتعة، بل يسلّط الضوء على الكسكسي كقصة أجيال ومصدر فخر وهوية جامعة، ويوجه رسالة قوية حول أهمية حماية هذا الموروث وترويجه في الداخل والخارج، كجزء من ذاكرة الشعوب وروحها.