'لا يكفي أن نحلم بالتغيير بل علينا أن نصنعه بالنضال والإيمان'

رغم القمع الذي فرضته طالبان، استطاعت صدف أحمدي أن تحوّل الألم إلى قوة، فأنشأت صفوفاً تعليمية سرية وشجّعت عشرات الفتيات على مواصلة التعلم، مستخدمةً الشعر والكتابة لتوثيق معاناة النساء وإيصال أصواتهن إلى العالم.

بهاران لهيب

كابيسا ـ في السنوات الأخيرة، واجهت المرأة الأفغانية تضييقاً على حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة المجتمعية، بفعل قوانين ولوائح حدّت من حريتها وأضعفت حضورها في الحياة العامة، ما انعكس سلباً على أوضاعها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في مختلف أنحاء البلاد.

رغم التحديات القاسية، لا تزال كثير من النساء الأفغانيات يبذلن جهوداً حثيثة لمواصلة نشاطهن بطرق بديلة، من خلال التعليم غير الرسمي، وتشكيل شبكات دعم صغيرة، والانخراط في أنشطة ثقافية، وتنظيم برامج توعية داخل المجتمع.

في هذا السياق، قالت صدف أحمدي فتاة تعيش وسط جبال أفغانستان الشاهقة "أنا واحدة من الفتيات الأفغانيات اللواتي يعانين، وأسكن في إحدى الولايات الخاضعة لحكم طالبان"، هذه الكلمات تختصر واقعاً مؤلماً تعيشه آلاف النساء، لكنهن لا يزلن يتمسكن بالأمل ويواصلن النضال بصمت.

روت تجربتها بعد عودة حركة طالبان إلى السلطة "حينها كنت في الصف العاشر، لقد رأيت كيف حُرمت النساء من أبسط حقوقهن، شعرت حينها باضطراب نفسي شديد، لم أكن بخير لمدة عام تقريباً، إلى أن وقفت ذات يوم أمام المرآة وقلت لنفسي أنتِ فتاة، وطالبان لا تزعجك لأنك ضعيفة، إنهم مرعوبون من احتمال أن ننهض ونحكم يوماً ما، هذا جوهر خوفهم".

وعن الخطوات التي اتخذتها للنهوض بحياتها تقول "قررت أن أحوّل كابوس طالبان إلى واقع مختلف، تقدمت بطلب للالتحاق بمدرسة عبر الإنترنت، رغم أنني كنت لا أزال في الصف العاشر، خضعت لفترة امتحان استمرت شهراً واجتزتها بنجاح، ثم جمعت نحو 40 فتاة من قريتي وشجّعتهن على مواصلة التعليم".

أما كيف حفّزت الفتيات من حولها على مواجهة الخوف والانخراط في التعليم، فأوضحت "كنت أقول لهن إن كنتِ فتاة فعلى طالبان أن يخاف منكِ، لا العكس، فهم بشر مثلنا لكننا نساء وفتيات قويات وهم يرتعبون من قوتنا، فلنتكاتف ونترك الأفكار السلبية جانباً، ونركز على ما هو إيجابي"، بهذا الإيمان بدأت صدف أحمدي صفها التعليمي مقسّمة التدريس إلى مجموعتين، الأولى للفتيات اللواتي انقطعن عن الدراسة، والثانية للنساء الأميات.

وأضافت "لديّ الآن نحو 100 طالبة، بين من يتعلمن ومن عدن إلى الدراسة، وقد كنت نشطة في المدرسة الإلكترونية لمدة عام، وحققنا نتائج جيدة، طالباتي يدرسن بحماس واهتمام كبيرين".

لكن هذه المبادرة لم تمر دون تحديات، إذ تقول "استجوبت طالبان طالباتي مراراً بسبب الصفوف التعليمية التي أنشأناها في القرية، حتى لو كانت مدرسة دينية فهم يشككون فيها، حضروا صفّي عدة مرات وسألوا المشاركات هل تُدرّسن الإنجليزية؟ أم العلوم؟ في معظم أنحاء أفغانستان، خاصة في القرى يُمنع تعليم النساء، وحدهن نساءهم وأطفالهم يملكون حق التعلم، فلماذا يُحرم الآخرون؟ قلنا لهم هذه مجرد مدرسة دينية وبذلك نستطيع مواصلة تعليمنا سراً".

واتخذت صدف أحمدي خطوات جادة لتطوير مهاراتها في القراءة والكتابة، وتصف لحظة التحول "وقفت أمام المرآة مجدداً وقلت لنفسي لقد نجحتِ في تحفيز مئة فتاة، منحتِهن الأمل، وأحييتِ أحلاماً كانت على وشك الانطفاء، فسألت نفسي: ماذا أنجزتِ؟".

وتتابع "عدت إلى قلمي ودفتر ملاحظاتي رفيقي الوحيد في ليالي الشتاء القاسية وفي لحظات اليأس العميق، دفعتني روحي وعقلي إلى الكتابة، فلجأت إلى القصص والشعر لأعبّر عن معاناة النساء والفتيات والأمهات الأفغانيات، وأوثّق آلامهن وأوصل أصواتهن إلى العالم، أكتب الشعر منذ نحو ثمانية أشهر وأواصل عملي بإصرار واجتهاد".

ولخّصت رسالتها إلى النساء والفتيات الأفغانيات بكلمات تملؤها القوة والإصرار "لا تخفن من طالبان فأنتن أساس المجتمع وبُناة المستقبل، من دونكن لا وجود لمجتمع ولا معنى للحياة ولا مكان للأحلام، أنتن النبض الحقيقي لهذا الوطن، لا تكتفين بالأمنيات بل انهضن واسعين وواجهن التحديات بكل ما تملكن من عزيمة، في طريق النجاح ستواجهن الألم، والانكسارات، لكن في لحظات الضعف تلك حين تكونين مثقلة بالجراح ستتذكرين من تحبين وتفكرين في مستقبلك وتدركين أن النضال هو السبيل الوحيد للانتصار، لا يكفي أن نحلم بالتغيير، بل علينا أن نصنعه بأيدينا، بالنضال، بالصبر، وبالإيمان بأننا قادرات على كسر القيود وصناعة واقع يليق بنا".