السودان... أوضاع إنسانية صعبة ومخاوف من حرب أهلية جديدة

رغم النداءات والمناشدات الدولية لوقف إطلاق النار بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للسماح بدخول مواد الإغاثة الإنسانية للمدنيين المحاصرين، لا يزال الرصاص وقذائف المدفعية تدوي بأرجاء العاصمة السودانية الخرطوم.

ميساء القاضي

الخرطوم ـ لا تزال المواجهات مستمرة لليوم الثامن على التوالي منذ بدء القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى، رغم الهدنة التي اتفق عليها الطرفان أمس الجمعة 21 نيسان/أبريل بمناسبة عيد الفطر، واتهم الجيش قوات الدعم السريع بخرقها.

يشهد السودان تصعيداً للضغط الدبلوماسي في سبيل إنهاء القتال الذي اندلع بين مواجهات في العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى بين قوات الجيش التي يقودها عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التي يقودها حليفه السابق محمد حمدان دقلو الشهير بـ "حميدتي"، في الخامس عشر من نيسان/أبريل الجاري، إذ دعت العديد من الدول والهيئات الدولية إلى وقف فوري لإطلاق النار.

وترجع الأزمة السودانية إلى الصراع على السلطة بين القائدين العسكريين حول خارطة الطريق لتسليم البلاد إلى حكم مدني، وكان من المفترض أن تحقق الحكومة العسكرية الحالية للبلاد الدمج لمكونيها العسكريين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة محمد حمدان دقلو، لكن الأخيرة قاومت هذا التغيير، وبدأت في تعبئة قواتها قبل أن يتطور الأمر إلى قتال شامل بين الجانبين قبل أيام معدودة.

وشكلت القوتان العسكريتان جزءاً من الإدارة الانتقالية التي كانت من المفترض أن تمهد الطريق لحكومة ديمقراطية، لكن في عام 2021، قام الفريق أول عبد الفتاح البرهان بانقلاب عسكري، ما أدى إلى تأجيل الخطة.

ويتوقع خبراء سياسيون أن تؤدي تلك المواجهات إلى اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد أو تقسيمها إلى إقطاعيات متناحرة، في الوقت الذي شلت فيه الحركة داخل البلاد، إذ أقفلت جميع المطارات، ولا يمكن إيصال الإمدادات.

 

أوضاع إنسانية صعبة

وعلى إثر تلك المواجهات فقد ما لا يقل عن 400 شخص حياتهم بحسب منظمة الصحة العالمية، ونزح أكثر من 20 ألف من إقليم دارفور إلى تشاد، فيما أصيب أكثر من ثلاثة آلاف شخص بينهم نساء وأطفال، وفقاً لإحصاءات رسمية ويقول المسؤولون أن هذه هي الحالات التي تمكنت من الوصول إلى المستشفى وهناك الكثير ممن لم يستطيعوا الوصول.

ومع دخول المواجهات يومها الثامن تزداد معاناة الأهالي الذين يعيشون مأساة إنسانية مع انقطاع الكهرباء والمياه وشح الوقود والمواد الغذائية بسبب إغلاق المحال التجارية أبوابها وعدم مقدرة الغالبية العظمى من السكان من الخروج من منازلهم لشراء حاجيات بسبب الاشتباكات العنيفة في الشوارع والقصف المتواصل، وتعاني النساء بشكل خاص لعدم توفير الغذاء لأطفالهن وانعدام الأدوية.

وأبدى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قلقاً بالغاً من قرب نفاد الغذاء والوقود وتضرر نظام الرعاية الصحية الذي بات معرضاً للانهيار بشكل كامل، وأفاد بأن المدنيين بحاجة ماسة إلى وقف إنساني حتى يتمكن الجرحى والمرضى المدنيين من الوصول إلى المستشفيات.

 

وضع صحي حرج 

وأدت الاشتباكات إلى إصابة الآلاف، بينما المراكز الطبية مكتظة وغير مجهزة لمعالجة تدفق المرضى، ونتيجة لذلك خرجت ما يعادل 70% من المستشفيات في مناطق النزاع عن الخدمة، وفقا لنقابة أطباء السودان التي أوضحت أن تسعة مستشفيات تعرضت للقصف بالمدفعية وتم إجلاء المرضى قسراً من 19 مستشفى.

وتوقفت 52 مستشفى عن العمل بنسبة 70%، وتتمثل كارثة المستشفيات في انقطاع الكهرباء والمياه ونقص الكادر، ويواجه الأطباء العاملين حالياً خطراً كبيراً إثر تواجدهم داخل المستشفيات التي لا يوجد بها أي نوع من الحماية ولا مسارات آمنة للدخول أو الخروج منها، كما انقطعت الكهرباء ونفد وقود المولدات في بعضها مما زاد الأمر سوءاً، هذا بالإضافة إلى نقص المعينات والأدوية.

وتزداد معاناة النساء الحوامل في هذه الفترة الحرجة إذ أطلقت بعض المستشفيات نداءات لأطباء النساء والتوليد، كما تبادل الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أرقام القابلات في الأحياء السكنية للمساعدة في عمليات التوليد في وقت أصبحت فيه الحركة والخروج من المنزل أمراً بالغ الخطورة، فقد تسببت قذيفة في موت امرأة ووالدها بينما كانا يحاولان الوصول إلى المستشفى وهي في حالة ولادة.

وتشعر الأمهات بقلق بالغ على أطفالهن الصغار بسبب صعوبة الوصول إلى المستشفيات وعدم توفر الأدوية وحليب الأطفال.

وقال رئيس الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر فريد إيوار إنهم لن يستطيعوا تقديم أي خدمات إنسانية رغم حاجة الناس لها بسبب خطورة الأوضاع واستمرار القتال، وأكد أنهم لن يقدموا اي خدمات إذا لم يتلقوا ضمانات بحفظ أمن وسلامة موظفيهم الذين سيقومون بتقديمها.

وما زال هنالك الكثير من العالقين في وسط الخرطوم في أماكن عملهم ومتاجرهم إذ اندلع القتال بعد خروج الكثيرين إلى أعمالهم ولم يتمكنوا من العودة، ويعيشون ظروفاً صعبة بالغة التعقيد، في الوقت الذي تنشط فيه مبادرات كثيرة من أجل إجلاء العالقين وقد نجحت بعضها والآخر ما زال ينتظر، كما أجبرت شدة القتال البعض على الخروج من العاصمة والنزوح جنوبها نحو مدينة ودمدني رغم المخاطر التي يمكن أن تقابلهم في الطريق.