'النساء والأطفال بين القصف والمعاناة النفسية في غزة'

في مناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، تواجه المرأة الفلسطينية وأطفال فلسطين تحديات نفسية كبيرة تحت القصف المستمر والعيش في ظروف القاسية تتطلب تدخلاً نفسياً عاجلاً، لأن الصحة النفسية هي أساس صمودهن في هذا الواقع المرير.

نغم كراجة 

غزة ـ بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، شددت المرشدة النفسية ريهام أبو يوسف على الحاجة الملحة لتسليط الضوء على المعاناة النفسية التي تعيشها نساء وأطفال غزة في ظل القصف المستمر منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. 

تسببت الأوضاع القاسية التي فرضتها الحرب المستمرة في أزمات نفسية عميقة للأطفال والنساء، حيث يعيش الأطفال والنساء تحت وطأة مشاعر الخوف، والفقدان، والصدمة، وفي ظل هذه الظروف تتعقد وتتفاقم التحديات النفسية، مما يجعل تقديم الدعم النفسي المناسب ضرورة قصوى لضمان قدرتهم على التحمل والاستمرار.

وأكدت المرشدة النفسية ريهام أبو يوسف على أن هذه الظروف الاستثنائية تضع الأطفال في مواجهة مع تحديات نفسية معقدة، مضيفةً "أحد الأطفال الذين فقدوا ذراعهم جراء القصف الإسرائيلي عبّر عن مخاوفه قائلاً "كيف سأكتب؟ وكيف سأدرس بعد انتهاء الحرب؟" مشيرةً إلى أن تساؤل الطفل البريء يعكس حالة القلق التي تنتاب الأطفال الذين يواجهون صدمات جسدية ونفسية.

وأوضحت أنه لتقديم الدعم النفسي، تمت طمأنة الطفل بأن الحياة أمامه طويلة، وأنه سيتم تركيب طرف صناعي متحرك، مما خفف عنه بعضاً من الألم النفسي الذي كان يعيشه، ومن أبرز وسائل الدعم التي قدمت له كانت تعليمه العزف بيده الثانية، مما أضفى على حياته فرحة جديدة وخلق له نوعاً من النسيان المؤقت للإعاقة التي أصيب بها.

ولفتت إلى أن هناك طفل آخر تعرض لبتر في ساقه جراء الحرب، وكان لاعب كرة قدم قبل الحرب، وعلى الرغم من فقدانه لوالده ودمار منزله بالكامل إلا أنه وجد في كرة القدم باستخدام العكاز متنفساً يساعده في الحفاظ على الأمل والاستمرار في ممارسة هوايته المفضلة، مبينةً أن الدعم النفسي المقدم لهذا الطفل يتجسد في إبقائه مندمجاً في نشاطاته الرياضية، رغم التحديات الجسدية، وهو ما يمنحه شعوراً بالاستمرارية والتحدي للحياة بالرغم من قساوة الظروف.

ولفتت إلى أن الفلسطينيات وخاصة اللواتي نزحن إلى مراكز الإيواء بدون أزواجهن الذين بقوا في شمال قطاع غزة، يعشن حالة من القلق المستمر على مصير أحبائهن، والأسئلة المتكررة مثل "هل زوجي بخير؟ هل القصف قريب من أقاربنا؟"، والتي تلخص مشاعر الخوف والضياع التي تجتاحهن، وأن طواقم الإرشاد النفسي يبذلون جهوداً مضنية لتهدئة مخاوفهن عبر جلسات دعم يومية يتم فيها طمأنتهن بأن القصف بعيد قدر الإمكان، وأن الأمل بالخروج من هذه الكارثة لا يزال قائماً، منوهةً إلى أنه مع ذلك تظل هذه الأسئلة تشكل عبئاً نفسياً كبيراً على النساء اللواتي يواجهن الضغوط النفسية جراء فقدان التواصل مع أزواجهن وأفراد أسرهن.

وأوضحت أن الفلسطينيات يواجهن معاناة نفسية مضاعفة وتتفاقم في ظل القصف المستمر والظروف القاسية التي تشهدها مدينة غزة، وتعيش العديد منهن تحت وطأة القلق الدائم على حياة ذويهن خاصة في ظل فقدان التواصل معهم أو رؤية منازلهم مدمرة، قائلةً "تزداد هذه المعاناة عندما تجد المرأة نفسها مجبرة على تحمل مسؤولية الأسرة كاملة في غياب الزوج أو مع تزايد أعداد القتلى والمصابين في عائلتها".

وأشارت إلى أن مشاعر الخوف، والحزن، والضياع تتفاقم خاصة في مراكز الإيواء التي تفتقر للخصوصية والراحة، وأن هذه الأوضاع المأساوية تولد حالة من الاضطراب النفسي العميق، وتفرض على المرأة الفلسطينية تحديات إضافية تتطلب دعماً نفسياً مستداماً لمساعدتها على تجاوز هذه المرحلة المظلمة.

وعلى صعيد آخر، تحدثت ريهام أبو يوسف عن الجلسات اليومية التي تجمع الأطفال والنساء الذين تعرضوا لبتر أو فقدان، حيث يتم دمجهم في برامج الدعم النفسي القائمة على التنشيط والتثقيف " هذه البرامج تساعد الأطفال على التعبير عن مشاعرهم، وتشجع النساء على مواجهة التحديات النفسية المتعددة، بدءاً من القلق على الأحباء وانتهاءً بفقدان المنازل".

ودعت بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، إلى تسليط الضوء على أهمية تقديم الدعم النفسي الفوري والمستمر للأطفال والنساء في فلسطين وقطاع غزة على وجه الخصوص، كون القصف المستمر والتشريد وتدمير المنازل ترك آثاراً عميقة لا تقتصر على الجسد، بل تتغلغل إلى الأعماق النفسية لهؤلاء الضحايا، مشددةً على أن "الحاجة ملحة لتوفير برامج دعم نفسي متخصصة تتناول التعامل مع الصدمات النفسية والمعاناة المستمرة، برامج كهذه تساهم في تخفيف الضغط النفسي المتراكم وتعمل على تعزيز صمود الأفراد في مواجهة التحديات".

واختتمت ريهام أبو يوسف حديثها بالقول "نحاول بكل جهدنا أن نطمئن الجميع، ونؤكد لهم أن القصف سيبتعد، وأن الحرب ستنتهي، وسنخرج جميعاً بسلام، ومع كل هذه التحديات يبقى الأمل دائماً هو العامل الحاسم في التغلب على الظرف الراهنة، وتبقى الصحة النفسية ركيزة أساسية في صمود المرأة الفلسطينية والطفل الفلسطيني أمام هذا الواقع المرير".