المغرب… مطالبات بتشريعات ضامنة للمساواة لحماية النساء من العنف

دعت مشاركات في مائدة مستديرة، إلى ملاءمة القوانين الوطنية المغربية مع التشريعات الدولية والدستور المغربي، لتعزيز المساواة وتمكين النساء من حقوقهن والحد من العنف بكل أشكاله.

رجاء خيرات

المغرب ـ أكدت الناشطات والحقوقيات المغربيات على أن هناك العديد من التحديات الهيكلية والثقافية التي تحول دون تحقيق المساواة، من بينها البنية الذكورية للمجتمع، التي تضع النساء في مراتب أدنى، وتسعى للتطبيع مع العنف والتسليم به، وهو ما ينعكس على التشريعات والقوانين التمييزية ضدهن.

بمناسبة الأيام الأممية لمناهضة العنف ضد النساء واليوم العالمي لحقوق الإنسان، نظم مركز التعليم الدامج والمسؤولية الاجتماعية بشراكة مع فدرالية رابطة حقوق النساء بجهة مراكش، أمس الثلاثاء التاسع من كانون الأول/ديسمبر، مائدة مستديرة تحت عنوان "تشريعات ضامنة للمساواة أساس لحماية النساء من العنف".

تناولت المائدة المستديرة واقع العنف ضد النساء في المغرب، وعدم ملاءمة القوانين والتشريعات مع المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها والدستور المغربي، فضلاً عن اختلالات تطبيق العديد من مقتضيات مدونة الأسرة.


ضمان كرامة النساء وحمايتهن

وأشارت المتدخلات إلى أنه على الرغم من أن المغرب صادق على اتفاقيات دولية تنص على المساواة ومناهضة العنف والحد من التمييز بكل أشكاله من بينها اتفاقية "سيداو"، إلا أن هناك بعض القوانين التي لا تتلاءم مع الاتفاقات الدولية ومع دستور 2011 وهو ما يطرح العديد من الإشكالات في هذا الباب.

وتطرقت المشاركات إلى ظاهرة العنف بشتى أنواعه، مطالبات بحماية النساء وتوفير مراكز إيواء للناجيات، والإسراع بإخراج مدونة أسرة تضمن كرامة النساء وتعزز حقوقهن الإنسانية مع أطفالهن دون تمييز، منتقدات التطبيقات التي طالت قوانين الأسرة، والتي نتج عنها انتشار واسع لحالات العنف ضد النساء والفتيات، وهو ما يعيد مظاهر العنف كزواج القاصرات الذي يجعلهن مشاريع مطلقات بأطفال، مشددات على أهمية التمكين الاقتصادي للنساء باعتباره آلية لحمايتهن من الاستغلال وتعزيز حرية الاختيار لديهن بعيداً عن المساومات والتنازلات.


أرقام مهولة تعكس واقعاً قاتماً

وحول واقع العنف في المغرب، ذكرت منسقة محور النوع الاجتماعي بمركز التعليم الدامج والمسؤولية الاجتماعية فاطمة الزهراء إفلاحن، أن المرتكز الأساسي لظاهرة العنف هو عدم المساواة بين الجنسين، والتي ترتبط في جوهرها بثقافة حقوق الإنسان، ومدى التشبع بها وكذلك الاعتراف بحقوق الآخر باختلافه الجندري.

وأكدت أن "عدم الاعتراف بحقوق النساء يجعلنا في مجتمع معطوب يخطو برجل واحدة، الاعتراف بالمساواة بين الجنسين هو ما يحقق مجتمعاً سوياً".

واستناداً إلى الأرقام والإحصائيات الرسمية أشارت إلى أن 82.6% من النساء والفتيات بالمغرب اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 15و84 سنة تعرضن لشكل على الأقل من أشكال العنف، مضيفةً أنه خلال عام 2024 كانت هناك 63.3% من النساء يعتقدن عدم وجود مساواة بين الجنسين، وهو تصور أقوى في أوساط الذكور أي ثلث المغاربة من الشباب يؤمنون بذلك، موضحةً أن هذه الأرقام تعكس واقعاً قاتماً، حيث أن هؤلاء الشباب إما سيقودهم اعتقادهم إلى اليأس بعدم تحقيق المساواة، وإما أن العنف سيزداد بشكل لافت.

كما تعرضت حوالي 49.8% من النساء للعنف للنفسي، فيما تعرضت 17% من النساء لعنف قانوني، حيث أن الاغتصاب الزوجي ما يزال غير مجرم بالقانون، لافتةً إلى وجود جرائم قتل مهولة بحق النساء حيث أن 52% منهم ترتكب من طرف أشخاص حميمين "هو رقم مهول وفي تصاعد للأسف، وهو ما يعرف بـ "الفيمينسايد" أي أنه جريمة قتل تتعرض له امرأة فقط لكونها امرأة".

وأوضحت أن أقل من 40% من الناجيات يلجأن لطلب المساعدة، في حين أن النسبة أقل بكثير في المغرب، لكون العنف ما يزال من المواضيع المسكوت عنها، وغالباً لا يصرح بالضحايا إلا للمقربين جداً، بعيداً عن دوائر المؤسسات المعنية، حيث أن أقل من 10% من النساء يلجأن للشرطة، وهو ما يؤكد بأن الأرقام أكبر بكثير مما هو مصرح به، ولا تعكس واقع الحال. 

وتطرقت إلى العنف الرقمي كظاهرة أصبحت مستفحلة، حيث تحول العالم الرقمي إلى آلية للضغط والابتزاز والاستغلال، وذلك بسبب عوامل منها اجتماعية وثقافية، مشيرة إلى أن هذه العوامل ينتج عنها الزواج والحمل المبكر والفقر والعنف القائم على النوع الاجتماعي في المدارس، وهي عوائق تقف أمام استمرار الفتيات في الدراسة، مما يعكس عدم المساواة بين الجنسين ويزيد من استفحال ظاهرة العنف ضد الفتيات والنساء، لافتةً إلى أن مراكش للأسف تسجل أعلى نسبة في زواج الفتيات القاصرات.


ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية

وأرجعت نائبة رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء زهرة صديق أسباب انتشار ظاهرة العنف ضد النساء إلى الثقافة الذكورية التي تطبع مع العنف، وبالتالي فمسألة التصدي لهذه الظاهرة والعمل من أجل مناهضة كل أشكال العنف، لن تتأتى إلا عبر مجموعة من الممارسات التي ترتبط بالجانب الثقافي والتحسيسي والتشريعي، فضلاً عن جانب آخر مهم يرتبط بالسياسات العمومية، مؤكدةً أن هذه ثلاث مداخل أساسية لمناهضة العنف ضد النساء.

وأوضحت أن التحولات الاقتصادية والسياسية المعروفة ليست دائماً في مصلحة حقوق الإنسان، كما أنها تؤثر على حقوق النساء بشكل خاص "نحن في سياق دولي يؤثر فينا ونؤثر فيه، لأننا لا نعيش في جزيرة معزولة عن العالم".

وفي السياق الوطني أشارت إلى أن هناك العديد من القضايا التي مازالت مفتوحة، وعلى رأسها مدونة الأسرة التي استكملت فيها اللجنة المكلفة بمراجعتها كل الخطوات، وما زالت تعرف تعثراً في إحالتها على المؤسسة التشريعية.

ولفتت زهرة صديق إلى تعثر آخر يتعلق بالمسطرة الجنائية التي دخلت حيز التنفيذ في الثامن من كانون الأول/ديسمبر "إنها حاملة لمجموعة من التراجعات والتي تخص دور المجتمع المدني في التبليغ ودعم الضحايا، وهو تعثر آخر يضاف إلى التعثرات السابقة، وكذلك تعطيل مخرجات اللجنة الخاصة بالإجهاض التي جمدت". 

وتطرقت لعدم دستورية القوانين، باعتبار أن العديد من التشريعات والقوانين لا تتلاءم ومنها دستور 2011، حيث يعتبر الدستور هو المرجعية الأساسية لكل القوانين، وينص الفصل 19 من الدستور المغربي على المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية بين الجنسين، وبالتالي فهذه تعثرات في مجال إقرار الحقوق الإنسانية للنساء.

وأشارت إلى أن فدرالية رابطة حقوق النساء إلى جانب عدد من الحركة النسائية المغربية، تعتمد في نضالاتها وترافعها على المرجعية الدولية ومواثيق حقوق الإنسان كمرجعية كونية، من بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق العامة، ذاكرةً العديد من الاتفاقيات التي تنص على حقوق النساء، من أهمها اتفاقية "سيداو" التي تنص على مناهضة كل أشكال التمييز ضد النساء، والتي صادق عليها المغرب عام 1993، مع إزالة بعض التحفظات السابقة لدى المغرب عام 2011، مع وجود بروتوكول ملحق بهذه الاتفاقية.

وأكدت أن المغرب ملزم بتطبيق الاتفاقية مادام قد صادق عليها، كما ينبغي أن تنسجم تشريعاته الوطنية مع الاتفاقية، وفي ختام حديثها طالبت بملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب ومع مقتضيات الدستور المغربي الذي ينص على إقرار مبدأ المساواة بين الجنسين، وباعتماد مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات العمومية.