تطور الحركة النسوية المغربية عبر التاريخ

بدأت النساء المغربيات رحلة النضال من أجل الدفاع عن حقوقهن منذ فترة مبكرة من تاريخ المغرب، حيث تعود الخطوات الأولى لحركة النضال النسائي إلى الأربعينيات من القرن الماضي.

حنان حارت

المغرب ـ قالت الناشطة الحقوقية زهرة الوردي أن الحركة النسوية في المغرب، تأثرت بتيارات فكرية قادها رواد النهضة في كل من مصر وتونس وهو ما ساهم في تشكل الحركة النسائية وتطورها واكتسابها خبرة وتجربة في العمل القاعدي مع النساء.

لأكثر من خمسين عاماً تناضل الناشطة الحقوقية زهرة الوردي من أجل الدفاع عن حقوق النساء والفتيات في المغرب، إذ انخرطت في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب منذ بداية السبعينات وبعدها في عام 1983 انخرطت في منظمة العمل الديمقراطي، كما أنها كانت عضو هيئة تحرير جريدة "8 مارس" التي كانت تصدر في الثمانينات، وواحدة من مؤسسات اتحاد العمل النسائي في عام 1987، الذي ترأسته بين 2012 و2016.

في حوار مع وكالتنا أوضحت كيفية تأسيس الحركة النسوية في المغرب، وكيف قررت مناضلات أحزاب اليسار واللواتي كن ماركسيات أن تتحكمن في مصيرهن، لتشرعن في تأسيس تنظيماتهن النسائية خارج الأحزاب السياسية.

 

كيف بدأت الحركة النسوية في المغرب؟ وماهي العوامل التي أثرت فيها؟

لا يمكن الحديث عن نشأة الحركة النسائية المغربية دون استحضار السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي واكب هذه النشأة، سواء في فترة الاستعمار أو في فترة الاستقلال. وما رافقها من أحداث وتطورات، ومن أهم العوامل التي ساهمت في هذا المسار هو ظهور الحركة الوطنية والمقاومة التي كانت أساساً لتأطير النساء وتنظيمهن في النضال ضد المستعمر ومقاومته وركزت أساساً على دعم الحركة الوطنية وجمع التبرعات لفائدة المقاومين ومحو الأمية والعمل الخيري أولاً داخل حزب الاستقلال ثم حزب الشورى والاستقلال ثم حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حيث ظهرت المبادرات الأولى لتنظيم النساء "أخوات الصفا" من حزب الشورى والاستقلال واللجنة النسائية لحزب الاستقلال وفيما بعد حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومع بداية الاستقلال بدأت تتأسس قطاعات نسائية داخل هذه الأحزاب وتم تأسيس الاتحاد الوطني النسائي كتنظيم نسائي رسمي ترأسه الأميرة فاطمة الزهراء.

كما وأن انفتاح الأسر المغربية على تعليم البنات إلى جانب الأبناء كان بفضل نضالات الحركة الوطنية وظهرت نتائجها بعد تخرج الدفعات الأولى من المتعلمات اللواتي كن رائدات للعمل النسائي المنظم الأول.

بالإضافة إلى العوامل الداخلية، هناك عوامل خارجية كان لها تأثير في هذا التوجه التحرري الذي يدعو إلى تعليم الفتيات وخروج المرأة للعمل والانخراط في العمل السياسي ساهمت فيها التيارات الفكرية لحركة النهضة التي قادها رواد النهضة في مصر وتونس وتأثر علماء متنورين وطنيين بهذه الموجة في المغرب، كما أن ثورة الطلبة في فرنسا في 1968 وما حملته من شعارات كان لها صدى لدى الشباب نساء ورجالاً في المغرب بالإضافة إلى تجارب أممية كالاشتراكية والشيوعية التي شكلت نموذجاً لقيم المساواة والتحرر والكرامة والعدل.

وكذلك دور هيئة الأمم المتحدة في النهوض بحقوق النساء وصدور اتفاقيات أممية صادقت عليها الدول والتزمت بتنفيذها وملاءمة قوانينها الوطنية معها ومنها المغرب الذي انخرط مبكراً في هذه المنظومة الحقوقية وخاصة ذات الصلة بحقوق المرأة وتعديل عدد من القوانين ليلائمها مع التزاماته الدولية، بالإضافة إلى عدد من المؤتمرات الدولية التي خُصصت لمناقشة حقوق المرأة في العمل والتعليم وحمايتها من العنف والاستغلال ووصولها لمواقع القرار على قدم المساواة مع الرجل، ثم جاء هذا التشكل استجابة لحاجيات موضوعية وإشكالات واقعية تعرفها وضعية المرأة المغربية التي عانت طويلاً من التهميش والاستغلال والحرمان من الحقوق.

وهي كلها عوامل ساهمت في تشكل الحركة النسائية المغربية وتطورها واكتسابها خبرة وتجربة في العمل القاعدي مع النساء والفتيات، ومكنها من أن تصبح قوة اقتراحية وازنة وشريك في وضع السياسات وتتبع تنفيذها وتقييمها التي أقرها الدستور وأصبحت قوة ضغط بمقترحاتها وأدوات عملها عبر المسيرات والوقفات الاحتجاجية وتنظيم المحاكمات، وإعداد التقارير الدورية وإعداد المذكرات المطلبية، وتقديم مشاريع قوانين كمشروع قانون الاتجار بالبشر، والترافع والمناصرة وإصدار البيانات وتنظيم الندوات الصحفية ورفع التوصيات للجهات المسؤولة وتنظيم حوارات مع أصحاب القرار، والمساهمة في إعداد التقارير الموازية وحضور المؤتمرات الأممية.

هذا ولعبت القطاعات النسائية الحزبية دوراً في طرح قضايا المرأة داخل الأحزاب التي مكنت من وصولها لأجهزة الحزب القيادية وترشحها للانتخابات ومن أهمها القطاع النسائي للاتحاد الاشتراكي ولمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي وللتقدم والاشتراكية ولحزب الاستقلال وللاتحاد الدستوري وتشكلت أندية نسائية لمناضلات من اليسار اللواتي عملن داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لتعملن داخل دور الشباب وتؤطرن التلاميذ والطلبة والأساتذة حول قضايا المرأة وحقوقها ومعاناتها وتستلهمن من تجارب رائدة آنذاك.

ورفعت الجمعيات النسائية الرائدة شعار الاستقلالية عن الأحزاب لإتاحة الفرصة للانفتاح على أكبر عدد من النساء وليس بالضرورة المنتميات إلى الأحزاب ورفع اتحاد العمل النسائي منذ بداياته الأولى عبر جريدة 8 مارس شعار "من أجل حركة نسائية جماهيرية ديمقراطية مستقلة".

 

هل نجحت الحركة النسوية المغربية في انتزاع مطالبها؟

استمرار الحركة النسائية المغربية وتطورها وتطور أسلوب عملها واتساع رقعتها واكتسابها خبرة وتأهيل وتجاوزها لكل الإكراهات والصعوبات الموضوعية والذاتية التي تواجهها طيلة أكثر من أربعة عقود هو في حد ذاته نجاح لها، يكشف عن وضوح الرؤيا لديها ودقة مطالبها وانخراطها الفعلي في قضايا المجتمع ومع النساء، وساعدها في ذلك وعيها السياسي وربطها للنضال النسائي بالنضال الحقوقي والديمقراطي، وتوفر مجتمع مدني مغربي قوي نسائي وحقوقي وشبابي حليف يلامس نبض المجتمع ويتفاعل مع قضاياه، ويمكن أن نضيف أيضاً  تجاوب إرادة سياسية عليا مع مطالبها.

واستطاعت أن تكون أكثر معرفة وإلماماً بواقع النساء وما تنتظرنه من خلال إنجاز بحوث ودراسات وتحقيقات وإحصائيات، استندت في نضالها وتدقيق مطالبها إلى مرجعيات حقوقية كونية مع أواخر السبعينات وبداية الثمانينات وركزت على التوعية من خلال الندوات الفكرية والحملات المطلبية.

وانطلقت الحركة النسائية في نضالها من أجل انتزاع مكاسب فعلية من أهمية تعديل القوانين التي تكرس التمييز ضد النساء وتعوق تقدمهن (حملة المليون توقيع) في عام 1992 التي رغم النقاش الحاد الذي طرحته جاءت بتعديلات طفيفة في عام 1993.

وقد واكبت هذه المرحلة مواصلة المغرب لالتزاماته الحقوقية بتعديل الدستور وتشكيل حكومة التناوب، وهيئة الإنصاف والمصالحة وتأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وفيما بعد تأسيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وصادق المغرب على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة في 1993 تعديلات مهمة في التشريعات الوطنية القانونية الجنائية والمسطرة الجنائية قانون العمل 2003، وقانون الجنسية 2007 وتدابير التمييز الإيجابي لتمكين النساء من الوصول للمجالس المنتخبة (الكوتا) وتعديل مدونة الأسرة 2004، وإحداث كتاب الدولة المكلف بالمرأة وفيما بعد وزارة التضامن والمرأة واستراتيجية وطنية لمحاربة العنف ثم صدور القانون 13-103 لمحاربة العنف ضد النساء، ثم قانون لمحاربة الاتجار بالنساء والأطفال 2016 وقانون العمال والعاملات المنزليات.

وقد كانت الحركة النسائية حاضرة في كل تلك المحطات السياسية والحقوقية التي شهدها المغرب تقدمت بمذكرتها أمام اللجنة الاستشارية لتعديل دستور 2011 الذي تضمن مبادئ تقر بالمساواة في كل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، ووضع هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز ضد النساء لتفعيل ذلك في السياسات العمومية.

وتشكيل تنسيقية نسائية لمواصلة التعديل الجذري والشامل لمدونة الأسرة بعد عشرين سنة من تطبيقها وما طرحته من إشكالات في التطبيق وتقديم مذكرة مشتركة لمكونات التنسيقية، بما يضمن المساواة والملاءمة مع الدستور والاتفاقيات التي صادق عليها المغرب.

 

برأيك هل تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دور في الحراك النسوي حالياً في المغرب؟

تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دوراً حيوياً في كل الحركات الاجتماعية والسياسية والنسائية وفي تعبئة الرأي العام وطنياً ودولياً ويمكن أن نعتبرها سيف ذو حدين يمكن أن يساهم في دعم القضايا العادلة وحشد الدعم لها ومناصرتها أو نسفها وتشويهها، إذ أن هناك عوامل مؤثرة في هذه العملية تتعلق بمصداقية المؤثر ومدى التزامه بقواعد التأطير والتوجيه ومعايير الصدق والنزاهة ثم بالمتلقي من الفئة المستهدفة ومدى تملكه لمستوى علمي وفكري ومبدئي يحميه من عدم السقوط في فخ الابتزاز والمناورة والمغالطة ثم يأتي الجانب المهني والكفاءة في استخدام هذه الوسائط الإعلامية التواصلية ويأتي دور رأس المال ومدى توظيفه في الاتجاه الصائب.

تعمد المنظمات النسائية إلى توظيف وسائط الاتصال للتعريف بمطالبها وتقديم مقترحاتها مستندة إلى تشخيص للواقع يكشف معاناة النساء من العنف والاستغلال والحيف والتمييز وتعمد إلى تقديم أرقام وإحصائيات من خلال شهادات حية لضحايا هذا الواقع حسب إمكانياتها البسيطة وخبرتها المحدودة، لكن الاتجاه المخالف لهذا الرأي لا يعمد إلى نقاش هذا الواقع، بل إلى الهجوم والسب وكيل الاتهامات لأصحاب هذا الرأي وتحريف الواقع وتوظيف مغلوط للدين لشحن الرأي العام، في الوقت الذي تظل وسائل الإعلام الأخرى حبيسة نظرتها النمطية للمرأة متجاهلة الدور التنموي الذي تضطلع به النساء والتطور والكفاءة التي تثبتها يومياً في كل المواقع رغم السقف الزجاجي الذي يفرضه المجتمع عليها.

 

ما التحديات التي تواجهها الحركة النسوية المغربية؟

إن مهمة الوعي المجتمعي والرفع من قدراته وتنفيذ سياسات عمومية تنهض بالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية على قدم المساواة بين المرأة والرجل وتمكين النساء في كل المجالات ومحاربة التمييز والعنف ضدهن والتنشئة على قيم المساواة والحق والعدل هي مسؤولية الحكومة وكل الوزارات حسب اختصاصاتها والميزانيات المرصودة لها وعلى أساس البرنامج الحكومي الذي تقدمه للناخبين وتلتزم بالوفاء به.

ويبقى دور المجتمع المدني كقوة اقتراحية شريكة في وضع هذه سياسات تضمن لها الحكومة ممارسة عملها في شروط ملائمة وتقدم لها الدعم المادي وإشراكها بقوة القانون، وتقوم بدور التوعية والتحسيس لدى الفئة المستهدفة في عملها وبرامجها. لكن الواقع غير ذلك فالحركة النسائية تواجه تحديات جمة ذاتية وموضوعية فهي على المستوى الذاتي مطالبة بتطوير أدوات عملها ومواكبة التطورات التي يعرفها المجتمع ووضع استراتيجية عمل ملائمة لتطلعاتها وتأهيل مواردها البشرية والمالية، وتمتين روابطها مع مكونات المجتمع المدني، ووضع خطط عمل مشتركة للتنسيق والتحالف ورصد وتتبع السياسات العمومية ومدى وفاء الحكومة بالتزاماتها والاطلاع على كل المستجدات الحقوقية وطنياً وإقليمياً ودولياً وتنظيم حملات وبرامج توعوية للتعبئة والتحسيس داخل المجتمع، وإعداد مذكراتها ومقترحاتها.

لكنها على المستوى الموضوعي تواجه تحديات كبيرة تشكل عرقلة أمام مطالبها بسبب العقليات المتحجرة وبسبب الأمية المتفشية داخل المجتمع وخاصة في المناطق القروية.

وبسبب الفقر وسوء تدبير الموارد على المستوى المجالي، وضعف المنظومة التعليمية والإعلام الذي يعيد إنتاج الصورة النمطية التي تكرس النظرة الدونية المرأة، ونقص التدريب والتأهيل لمنفذي القوانين، بما يحقق الانسجام مع ما نص عليه الدستور ومع التزامات المغرب التي صادق عليها وتعهد بالوفاء بها، الأمر الذي يخرج عن إرادة المجتمع المدني والحركة النسائية ويساءل القائمين على وضع السياسات وتنفيذها عن مدى تمكنهم من تذليل هذه الصعوبات وتقييم أثر هذه السياسات وانعكاسها على أوضاع النساء.