ناشطة إيزيدية تعمل على تأهيل الناجيات وإعادة إدماجهن في المجتمع

أكدت الدكتورة والناشطة الإيزيدية نغم نوزت أن قانون العفو العام، الذي قد يعفو عن الأشخاص الذين لم يثبت أنهم قتلوا المغتصبات، سيسبب "جرحاً آخر" للإيزيديات وذويهن ويعني فقدان العدالة التي تحتجنها لشفاء الجرح الإيزيدي.

أفراح شوقي

باريس ـ لا تزال معاناة المجتمع الإيزيدي في شنكال، مستمرة على الرغم من مضي نحو عشر سنوات على استهدافهم من قبل داعش في آب/أغسطس 2014، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 6000 من الإيزيديات قد تم اختطافهن وبيعهن، ومنهن من تعرضن للسجن والتعذيب والاغتصاب الممنهج، وحتى اليوم، لا يزال مصير أكثر من 1400 امرأة إيزيديّة مجهول.

نغم نوزت دكتورة وناشطة إيزيدية مختصة بقضايا النساء الإيزيديات وحائزة على "جائزة الشجاعة الدولية" من قبل وزارة الخارجية الأميركية والتي تمنح للنساء اللواتي تظهرن شجاعة واستعداداً للتضحية من أجل الآخرين، زارت فرنسا مؤخراً لتؤكد على العديد من القضايا المهمة التي تخص الإيزيديات وقامت بالعديد من الزيارات الرسمية.

وقد سبق أن تدربت نغم نوزت المولودة في مدينة بعشيقة بالموصل، وبدأت مهنتها في مجال الطب بحلم معالجة النساء غير القادرات على الإنجاب، ولكن بعد عام 2014، اتخذت مسيرتها المهنية مساراً مختلفاً، وأصبحت مهمتها التخفيف من الكوارث التي حلت بالنساء الإيزيديات.

وحول واقع الإيزيديات ووضع المخطوفين، تقول الدكتورة والناشطة الإيزيدية نغم نوزت إنه لايزال هناك أكثر من 1700 مختطف ومختطفة مجهولي المصير، وبالرغم من صدور قانون الناجيات الإيزيديات رقم 8 لعام 2021 إلا أنه لا يزال غير مطبق تماماً "ألتقينا مع سفيرة حقوق الإنسان في وزارة الخارجية الفرنسية لبحث موضوع المختطفات وضرورة التعاون الدولي والمحلي للبحث عنهن، إذ أكد الجانب الفرنسي عن دعمه لحقوق الأقليات في الشرق الأوسط، وكذلك التقينا بالسفير العراقي في فرنسا، وتم التباحث من أجل حث المجتمع الدولي بالتعاون مع العراق وحكومة إقليم كردستان لتشكيل لجان للبحث في هذا الموضوع، خاصة بعد التطورات الأخيرة في سوريا، إذ كانت لدينا معلومات حول أن بعض المختطفات هناك في مخيم الهول".

وتابعت "وخلال الزيارة حديث عن وضع الناجيات وأوضاعهن النفسية الصعبة، إذ لا تزال الصدمة موجودة بداخلهن، وسعينا أيضاً لإيجاد مشاريع طويلة الأمد لمساعدتهن، كما تم التطرق للمقابر الجماعية التي يجري الكشف عنها بين فترة وأخرى، ونشكو من الإجراءات البطيئة للكشف عنها جمعيها".

وبينت مخاوفهم من قانون العفو العام، إذ أنه يعفو عن الأشخاص الذين لم يثبت أنهم قتلوا المغتصبات، وهذا إذا حصل فإنه سيسبب جرحاً آخر للمغتصبة وذويها ويعني فقدان العدالة التي يحتاجونها لشفاء الجرح الإيزيدي "نحن نطالب بالعدالة منذ سنوات طويلة من أجل شفاء الجرح الايزيدي والتخفيف من الصدمة الكبيرة التي تعرضوا لها، فإطلاق سراح المغتصب يعني عودة المعاناة والأزمات للعوائل التي عانت من جرائم داعش".

وعن أوضاع النازحين اليوم، أوضحت أن هناك أكثر من 200 ألف نازح موجودين حالياً في مخيمات إقليم كردستان يعانون من حياة صعبة وظروف صحية ومناخية سيئة، لا يستطيعون العودة، فوضع شنكال مستقر لكن ليس لديهم إحساس بالأمان، وهناك أيضاً قصف تركي بين فترة وأخرى، بالإضافة إلى سوء الخدمات في المنطقة. شنكال مدمرة بنسبة 85% وللأسف هذا الدمار لا يزال موجوداً".

من خلال عملها في مساعدة الناجيات من أسر داعش، قامت نغم نوزت بتوثيق قصص 1200 أسرة بينهم أطفال ونساء تعرضن للاغتصاب الجماعي والبيع في سوق النخاسة والألم النفسي.

وعن ذلك تقول "قابلت المئات من الضحايا وسمعت العديد من القصص المروعة والمؤلمة فقد تعرضن إلى أبشع وسائل البيع والمتاجرة وتعذيبهم بشتى الطرق وقد أقدم العديد منهم على الانتحار لعدم قدرتهم على تحمل الإهانة والتعذيب، والعيش طوال حياتهم في صدمات نفسية حادة وانهيار كامل بعد أن فقدوا كل شيء وفقدوا أقاربهم على أيدي داعش".

ولفتت إلى أن هناك فتيات لا يتجاوز أعمارهن 12 عاماً تم بيعهن عشرات المرات واستخدموهن لجهاد النكاح بعدما قتلوا أهلهن بهمجية "كل القصص التي سمعتها كانت مروعة لكن هناك العديد من القصص لا أستطيع نسيانها. هناك امرأة كانت تبلغ من العمر ٢٥ عاماً بعد ثلاثة أشهر من زواجها تم قتل زوجها أمام عينها وأخذوها كسبية وبيعها عشرات المرات وتعذيبها بشتى الطرق واغتصابها، وفي إحدى المرات حاولت الهروب مع زميلتها لكنهما فشلتا في ذلك، فقامت داعش بقطع رأس صديقتها أمام عينيها".

وتحدثت عن قصة امرأة أخرى لديها ٤ أطفال قامت داعش بتسميمهم لأنهم كانوا يبكون ليلاً، مضيفةً "لا أستطيع نسيان منظر الأطفال الذين ماتوا من الجوع على جبل شنكال، لا أستطيع نسيان الطفلات اللواتي اختطفت أمهاتهن وتم بيعهن عشرات المرات. تبقى قصص هؤلاء الضحايا مثل غصة مزروعة في داخلي، وهذا ما يمنحني حافزاً أكبر من أجل تكثيف النضال لتحقيق العدالة لهم وتحرير المرأة".

في الثالث من آب/أغسطس ٢٠١٤ سيطرت داعش على شنكال والقرى التابعة لها التي فيها الغالبية العظمى من الإيزيديين، وارتكبت بحقهم أبشع الجرائم حيث قامت بعزل الرجال عن النساء والأطفال وإعدام أكثر من 6000 رجل لأنهم رفضوا تغيير الدين.

وقد تعرض أكثر من 6500 من النساء والفتيات للسبي والاغتصاب والاعتداء والأسر والبيع في أسواق النخاسة من قبل داعش الذي سخر الدين لخدمة نواياه. وكانت ضحية جرائمه فتيات صغار لا تتجاوزن العاشرة من عمرهن، ومنذ ذلك الوقت تحاول نغم نوزت مع عدد من الناشطين خدمة النساء والفتيات والأطفال الناجيات من سبي داعش لتخفيف معاناتهن من خلال عدة برامج منها تقديم الدعم الطبي بتأسيس مركز دعم الناجيات وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وعملت أيضاً في برنامج حكومة ولاية بادن فورتمبيرك الألمانية الخاص بنقل الضحايا للعلاج والتأهيل النفسي، حيث نُقل أكثر من ١٠٠٠ من الضحايا وعوائلهم إلى المانيا للعلاج النفسي.

وأضافت "لكوني طبيبة إيزيدية أشرفت على علاج مئات الناجيات، عملت طوال الوقت مع العديد من الناشطين لتحريك القضية الإيزيدية وذلك بنقل معاناة الناجيات إلى المجتمع المحلي والدولي وكانت النتيجة اعتراف العديد من الدول بالإبادة الجماعية ".

وتصف نغم نوزت الحائزة على جوائز دولية عدة منها جائزة "الوردة الفضية" والجائزة الفرنسية ـ الألمانية لحقوق الإنسان لمساعدة المعنفات وجائزة "نانسن" من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجائزة من قبل منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان؛ عملها كطبيبة لعدة سنوات مع الناجيات بأنها من أصعب التجارب لكون التعامل مع ضحايا العنف الجنسي أصعب بكثير من المريض الجسدي.

وحول كيفية تطوير واقع المرأة في المجتمع، أوضحت أن تطور المرأة ركن أساسي في تطور المجتمع وهذا يتم عن طريق تحقيق المساواة بين الجنسين ودعم مشاركة المرأة في كافة مجالات الحياة، لتتمكن من الاعتماد على نفسها والدفاع عن حقوقها، إضافة إلى العمل على تقليل العادات والتقاليد التي تعارض حقوق المرأة، منها الختان، الزواج القسري، تزويج القاصرات، كثرة الإنجاب والقضاء على الأمية التي تشكل نسبة كبيرة في المجتمعات الآسيوية والأفريقية.

وأشارت إلى أنه "على الرغم من المعاناة التي واجهت الإيزيديات الناجيات فإنهن تمتلكن قوة خارقة، إذ إنهن هربن من دون خوف من ذلك الجحيم، وكنت أستمد قوتي منهن لمواصلة دوري في فضح جرائم داعش ضد الإيزيديات، ومن أجل الاستمرار في رسالتي الإنسانية تجاه المعنفات دون تمييز بين الإيزيديات وغيرهن من النساء ممن تتعرضن لمثل هذه الانتهاكات".

وكان قد أقر مجلس النواب العراقي في آذار/مارس 2021، قانون الناجيات الإيزيديات لتقديم الدعم المالي وأشكال التعويض الأخرى للناجيات، ليس فقط للإيزيديات، ولكن للناجيات من الطوائف الدينية والإثنيات الأخرى.

وعن دور هذا القانون وهل فعلاً دعم الناجيات، قالت نغم نوزت "لا يزال حجم ما بذل من جهود وفق هذا القانون متواضعاً، ولاتزال السلطات العراقية تتجاهل التوصيات التي سبق أن قدمتها منظمات المجتمع المدني، إذ نص القانون على تقديم الدعم للضحايا وعلى رأسهم الإيزيديات اللواتي اختطفن قبل تحريرهن، وكذلك أفراد من أقليات عرقية أو دينية أخرى عانوا جرائم داعش، كالتركمان والمسيحيين، وأتاح للضحايا الحصول على دعم مادي شهري، وتوفير السكن والمساعدة النفسية والاجتماعية، على أن تكون لهم الأولوية في 2% من الوظائف في القطاع العام".

وفي ختام حديثها شددت الدكتورة نغم نوزت على ضرورة أن تتخذ الحكومة العراقية خطوات ملموسة لضمان اعتماد نهج يركز على الناجيات عند تنفيذ القانون، وتدريب جميع الموظفين على الممارسات الواعية بالصدمات لتجنب وصم الناجيات وإعادة تعرضهن للصدمات أثناء العملية الكاملة لتقديم الطلبات، كما يجب التأكد من أن الحكومة العراقية تدفع راتباً شهرياً لمن يحق لهم الحصول عليه، إذ تعتمد معظم الناجيات على هذا الراتب لإعالة أنفسهن وعائلاتهن وأخيراً، ينبغي تنفيذ أحكام القانون المتعلقة بالحقوق الاجتماعية والصحية والتعليمية، وينبغي لجميع دوائر الحكومة ذات الصلة أن تعمل بطريقة منسقة للتأكد من تنفيذ هذه الأحكام لأن تلك الحقوق ضرورية لإعادة تأهيل الناجيات وإعادة إدماجهن في المجتمع.