مناضلات التنظيمات اليسارية تشكلن النواة الأساسية للحركة النسائية المغربية
لعبت المرأة دوراً قيادياً في التنظيمات اليسارية بكل أنواعها وعند إبداء نقاشاتهن حول المساواة بين الجنسين، سرعان ما يواجهنّ بالقمع والاعتقال، بدليل أن قضية المرأة هي نتيجة حتمية لتطور المجتمع.

رجاء خيرات
المغرب ـ شكلت عضوات منتميات للحركات اليسارية، خلال سنوات السبعينيات من القرن الماضي، النواة الأساسية للحركة النسوية في المغرب، كما اعتبرت بعض النساء داخل الأحزاب اليسارية التقدمية رافداً أساسياً من روافد هذه الحركة.
لعب تواجد العضوات في الصفوف الأمامية وذلك منذ أواسط الثمانينات، دوراً مهماً في تغيير الكثير من القوانين الجامدة منذ بداية الاستقلال، وعلى رأسها قانون الأحوال الشخصية، والتي أفضى إلى إصدار مدونة الأسرة عام 2004، والتي اعتبرت في وقتها ثورة هادئة قادتها نساء كن قياديات في صفوف تنظيمات يسارية محظورة وأحزاب سياسية تقدمية، بفضل نضالات هؤلاء النساء وانخراطهنّ في الدفاع عن القضية النسائية.
وللتعرف أكثر على النواة الأساسية للحركة النسائية المغربية، والتطورات التي عرفتها القوانين المغربية وعلى رأسها دستور 2011 أجرت وكالتنا حوار مع الناشطة الحقوقية والمعتقلة السياسية السابقة مارية الزويني.
أغلب عضوات الحركة النسائية في المغرب هن نساء قادمات من تنظيمات يسارية سابقة، إلى أي حد تشكل وعي هؤلاء النساء داخل التنظيمات السياسية؟
الحديث هنا يخص جيل أواخر الستينات والسبعينات من القرن الماضي، فبالنسبة للنساء اللواتي انتمين إلى هذه التنظيمات فقد تأثرن بالحركة الوطنية سوءاً أن كن نساءاً أو رجالاً وبشكل مباشر أو غير مباشر، مما شكل لديهنّ وعياً بضرورة الانخراط في النضال من أجل مغرب متقدم ديمقراطي ينعم بالمساواة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
والحقيقة أن نضال النساء والرجال داخل الحركة الوطنية التي تشكلت من أجل استقلال البلاد، كان يذكي روح الوطنية في شباب الستينات، فلا حديث كان يدور آنذاك إلا عن المقاومة الشعبية التي عرفها المغرب، من أجل طرد المستعمر أولاً، ثم بناء الدولة الحديثة بعد تحقيق الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي.
كما عرف المغرب أيضاً خلال الفترة التي تلت الاستقلال عدة أحداث انبثقت عن صراعات حول السلطة ونقاش حول الديمقراطية، وقد تكبد جيل الستينات والسبعينات تبعات كل ذلك، حيث اعتقل آلاف الشباب على إثر تلك الأحداث، كل هذا كان بمثابة شعلة أنارت الوعي بضرورة النضال من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
إلى حدود السبعينات لم يكن النضال من أجل المساواة في الواجهة لا بالنسبة للهيئات السياسية الحزبية منها ولا التنظيمات المحضورة، حيث كانت الأولوية للصراع من أجل الديمقراطية أو من أجل الثورة الشعبية حسب استراتيجية هذه أو تلك، وقد لعبت النساء دوراً قيادياً في هذه التنظيمات بكل أنواعها وكانت المناضلات حين تطرحن النقاش حول المساواة بين الرجال والنساء سرعان ما تقمن بدعوى أن قضية المرأة هي نتيجة حتمية لتطور المجتمع.
مجموعة من النساء دفعن ثمن قناعاتهن الاعتقال بسبب انتماءاتهن اليسارية، وهن اليوم مناضلات في الحركة النسائية، كيف استفدن من هذه التجربة وكيف استثمرنها في النضال والترافع من أجل مطالب للحركة النسائية؟
وعت بعض المناضلات من داخل الأحزاب السياسية بضرورة النضال من أجل الدفاع عن حقوق النساء والنهوض بها خصوصاً بعدما كان يرفض لهن أي مطلب في هذا الشأن، مما دفعهن للتشبث بمطالبهن وكانت عموماً تهم مدونة الأحوال الشخصية، لدرجة أن بعضهن حين قوبلت مطالبهن بالرفض قدمن استقالتهن من العمل السياسي بعدما ناضلن لمدة ليست بالهينة ووصلن درجات عليا في الهرم الحزبي، لا لشيء إلا لإيمانهن بقضيتهن العادلة التي كن يرين أنها لا تقل أهمية عن القضايا الإنسانية الأخرى.
في نفس الوقت وعت المناضلات في التنظيمات المحظورة، آنذاك، بنفس الضرورة حيث تبين لهن من جهة أن قدرتهن على الصمود خلال فترات الاعتقال لم تكن تقل عن قدرة رفاقهن.
بالنسبة لتجربتي الشخصية، مثلاً كان يحز في نفسي أن يناديني الحراس في درب مولاي الشريف (معتقل سري سابق سيء السمعة بمدينة الدار البيضاء) باسم ذكوري من أجل إضعافي وإرضاخي، غير أن ذلك لم يزدني إلا صموداً وقوة من أجل الاستمرار في معركة النضال من أجل بلد ديمقراطي، كنت واعية بأن عقليتهم المتحجرة هي سبب عدم تقبلهم لنا كمناضلات يكابرن في الصمود والاعتزاز بالنفس، كانوا ينتظرون منا أن نُهزم من أول يوم لنا بدرب مولاي الشريف وننصاع لهم، لكننا صمدنا أمامهم وتحدينا ما أذاقوه لنا من تعذيب واستصغار بل واحتقاراً، وظللنا متمسكات بقناعتنا ومبادئنا التي اعتقلنا بسببها، واستطعن أن نحافظ على معنوياتنا عالية.
اقتنعت حينها أن النضال من أجل اعتراف المجتمع بحقوق النساء الإنسانية والمساواة مع الرجال حتمي وضروري لتقدم المجتمع وأنه علينا النضال من أجل أن نفرض أنفسنا ليعترف المجتمع بالمرأة كإنسان بدل اعتبارها مجرد نصفه.
هل يمكن اعتبار أولئك القادمات من هذه التنظيمات أكثر وعياً من غيرهنّ بحقوق النساء والمطالبة بالمساواة؟
نعم، فالتجارب هي التي تطور الإنسان وهؤلاء المناضلات مررن من تجربة الاعتقال والسجن وما واكب ذلك من تعذيب، مما جعلهنّ يكتسبنّ وعياً بحقوقهن كمواطنات، كما أدركن عدم تمتع النساء بهذه الحقوق فقررن منذ الثمانينات خلق فضاءات للنضال من أجل النهوض بها والدفاع عنها، هذه الظروف التاريخية والتجارب كونت لديهن القناعة بالانخراط في النضال النسوي، وهكذا تأسست جمعيات أغلبها مستقلة عن الأحزاب تضم مناضلات نساء دون الرجال، وعياً منهن بالمثل الذي يقول "ما حك جلدك مثل ظفرك".
ما هو الدور الذي لعبته الحركة النسائية في المغرب في تغيير القوانين وتحقيق مكاسب لصالح النساء؟
بالرجوع إلى تاريخ الحركة النسائية، ينبغي الإشارة إلى أن بوادرها ظهرت، منذ الأربعينيات من القرن الماضي، مع أخوات الصفا، وفي السبعينات برزت في الساحة السياسية مناضلات سواء داخل الأحزاب أو خارجها يحملن الفكر النسوي الواعي بضرورة النضال من أجل الحقوق الإنسانية للنساء.
وفي الثمانينات تأسست جمعيات نسائية تعمل أساساً في مجال حقوق النساء والجمعية الديمقراطية لنساء المغرب هي أول جمعية مستقلة ليس لها أي انتماء سياسي تشكلت في المغرب، كما ظهرت في هذه الفترة، منابر إعلامية تعنى بقضية النساء كجريدة "8 مارس" و"نساء من المغرب"، ولا يمكن أن ننسى كذلك بروز أصوات نسائية تعمل في مجال البحث السوسيولوجيا والكتابة مثل الباحثة السوسيولوجيا فاطمة المرنيسي وغيرها من الأصوات التي واكبت هذه الحركة وتطورها داخل المجتمع.
وقد عملت المناضلات داخل الجمعيات النسائية وداخل التحالفات التي تأسست آنذاك من أجل تحقيق مطالب تصب كلها في الدفاع عن حقوق النساء والنهوض بها، وقد همت الإصلاحات التي طالت مدونة الأحوال الشخصية لعام 1958 وهي أول قانون أسري عرفه المغرب إصلاح 1993 الذي رفع القدسية عن مدونة الأحوال الشخصية، وكذلك إصلاح 2004 الذي انبثقت عنه مدونة الأسرة والتي جاءت بمجموعة من التدابير، من أهمها إشراك النساء في المسؤولية الأسرية، وإعطاء الولاية كحق للمرأة الراشدة لتزويج نفسها بنفسها حسب اختيارها، كما رفعت سن الزواج إلى 18 عام مع إعطاء السلطة التقديرية للقاضي، وبالنسبة للطلاق فقد تم إحداث الطلاق الاتفاقي والطلاق للشقاق، كما سمحت للمحضون أن يختار حاضنه في سن 15 عام، وعملت على تقييد تعدد الزوجات بشروط مع ترخيص من القاضي.
نسبة لاقتسام الممتلكات المكتسبة خلال الزواج، فقد أصبح ممكناً بعد الطلاق شريطة أن يكون ذلك موثقاً في عقد خاص خلال عقد الزواج، كما خولت لأولاد البنت الحق في إرث أجدادهم إسوة بأولاد الابن.
وبعد التطورات التي عرفتها القوانين المغربية وعلى رأسها دستور 2011 وبعد الدراسات السوسيولوجيا التي أنجزت خلال هذه المدة تبين للحركة النسائية التي تنظمت على شكل تنسيقية أن مدونة الأسرة لم تعد تواكب تحولات المجتمع وأنه آن الأوان للمطالبة بمدونة عادلة تضمن حقوق النساء وكل أفراد الأسرة، حيث قدمت التنسيقية مقترحاتها للجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة التي استدعتها للمشاركة في إبداء الرأي حول الموضوع.