المرأة العراقية ودورها في مكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب
أكدت عضوة لجنة مكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب أفراح فالح، أن للمرأة دوراً بالغ الأهمية ومساهمة كبيرة في مجالات التعليم، والإرشاد، والتوعية، ونشر الثقافة، لا سيما فيما يتعلق بمخاطر التطرف العنيف.

رجاء حميد رشيد
العراق ـ من خلال تجربتها كعضوة في لجنة مكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب، أثبتت أفراح فالح الحاصلة على شهادة الماجستير في الهندسة الزراعية، جدارتها في تعزيز دور المرأة في بناء مجتمع متماسك يسوده السلام والتسامح.
بعد تخرجها من البرنامج السياسي، شاركت أفراح فالح في تدريب مكثف يهدف إلى إعداد قيادات شابة من النساء والرجال استمر ستة أشهر، وخلال هذا التدريب حصلت على شهادة تؤهلها لتكون ضمن ما يُعرف بالقادة المحليين أو القادة الميدانيين، وقد أسهمت هذه التجربة في تطوير مهاراتها في كتابة أوراق السياسات، وتنفيذ الجلسات الحوارية، وتعلّم فن إدارة الحوارات، بالإضافة إلى اكتساب مهارات القيادة.
انخراطها في اللجنة جاء ضمن إطار برنامج (السبع أقضية)، الذي يشمل: تلعفر، الحويجة، حلبجة، الفلوجة، الزبير، الموصل، وشنكال، وقد تم استثناء قضاء شنكال لاحقاً لأسباب أمنية، لكن اسم البرنامج بقي كما هو، استمر البرنامج قرابة سنتين، وتم إعداد خطط خاصة بكل قضاء على حدى مراعاةً للاختلافات البيئية واحتياجات كل مدينة.
وفي هذا الإطار، أكدت أفراح فالح لوكالتنا، أنها واجهت العديد من التحديات، أبرزها النظرة غير المكتملة والدونية تجاه المرأة، إذ تُعامَل أحياناً على أنها كائن ضعيف غير قادر على الحديث أو التعبير، ولا يمتلك لغة جسد فاعلة أو حضوراً مؤثراً، ومن بين هذه التحديات أيضاً، أن المناصب القيادية في اللجنة من رئيس اللجنة إلى نائبه، والسكرتير والمقرر، كانت جميعها من نصيب الرجال، مما أثار تساؤلات حول دور المرأة، رغم أنهن كنّ أربع نساء قد تم تعيينهن رسمياً. ورغم ذلك، كانت تلك اللحظة بمثابة نقطة انطلاقتها الحقيقية.
وأضافت "أعمل الآن في ديوان البصرة، استطعت أن أتجاوز تلك التحديات بالصبر، والتحمل، والقدرة الكبيرة على المثابرة، وهي من الصفات التي أعتقد أنها تميزني".
أول فريق للمرأة في العراق لمكافحة التطرف العنيف
وأوضحت أن "فريق المرأة" هو أول فريق نسوي يُشكّل على مستوى العراق، وبدعم من منظمة الهجرة الدولية (IOM) وبرعاية اللجنة الوطنية في مستشارية الأمن القومي، وقد كانت هذه التجربة الأولى من نوعها، حيث تزامن إطلاق الفريق مع مؤتمر وطني كبير عُقد في 19 أيار/مايو الماضي، أُعلنت خلاله خطة عمل شاملة.
يضم الفريق نحو 45 امرأة تمثلن مختلف الوزارات العراقية ودواوين المحافظات، إضافة إلى حقوقيات وناشطات مدنيات وأعضاء في لجان فرعية، وممثلات عن منظمات المجتمع المدني. جميعهن من النساء الفاعلات في مجال مكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب.
وتستهدف الفريق جميع شرائح المجتمع العراقي، من رجال دين وشيوخ عشائر، إلى النساء، والفرق التطوعية، ومنتديات الشباب والرياضة، ضمن ما يُعرف بمفهوم "القوى الناعمة".
وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح "القوى الناعمة" هنا لا يشير إلى النعومة الجسدية، بل إلى استخدام أدوات التأثير الثقافي مثل الفن، الموسيقى، المسرح، الإعلام، الرياضة، والأدب، كوسائل فعالة في مكافحة التطرف العنيف.
دور المرأة في التعليم والتوعية الأسريّة
وشددت أفراح فالح على أنه للمرأة دوراً بالغ الأهمية ومساهمة كبيرة في مجالات التعليم، والإرشاد، والتوعية، ونشر الثقافة، لا سيما فيما يتعلق بمخاطر التطرف العنيف، مؤكدة أن دور المرأة يبدأ من البيت، فهي قائدة في أسرتها، تساهم في غرس مفاهيم التسامح ونبذ العنف، وتعمل على تعزيز ثقافة الحوار ورفض الكراهية بكل أشكالها.
وأضافت أن خطابات الكراهية، سواء كانت تحريضية أو تشويهية أو مغرضة، تُعد من الأسباب الرئيسية التي تضعف بنية الأسرة، وبالتالي تؤثر سلباً على المجتمع ككل.
وأوضحت أن التطرف العنيف لا يظهر فجأة، بل يبدأ بسلوك عدائي بسيط، ثم يتصاعد إلى عنف، يتحول مع الوقت إلى تطرف، وينتهي إلى إرهاب يصعب احتواؤه "من هنا تأتي أهمية تربية الأطفال منذ الصغر على مبادئ الصدق، الأمانة، الإخلاص، وزرع قيم المحبة والسلام في نفوسهم".
وتحدثت أفراح فالح عن بعض الصعاب المرتبطة بالنساء تحديداً، مشيرة إلى أن بعضهن قد تكن أكثر عرضة للاستدراج من قبل الجماعات المتطرفة، وذلك بسبب ظروف اقتصادية صعبة، أو شعور بالفراغ العاطفي، أو ضعف في التحصيل العلمي، هذه العوامل مجتمعة قد تجعل المرأة، في بعض الحالات، مدخلاً سهلاً للاستقطاب من قبل التنظيمات الإرهابية.
وأكدت أن تنظيمات مثل داعش اعتمدت بشكل كبير على النساء، ليس فقط في المهام التقليدية كالإنجاب أو الطهي، بل وصل الأمر إلى تجنيدهن في معسكرات خاصة، حيث شكّلن ما يُعرف بـ "كتيبة الخنساء" التي تأسست عام 2014 ضمن ما يُسمى بـ "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وهو الاسم الذي استخدمته داعش.
النظرة الدونية والتمييز ضد المرأة
وأكدت أن دور المرأة يجب أن يكون أكبر، لا سيما على طاولة التفاوض، مشيرةً إلى أن النساء القياديات اللواتي يتمتعن بالحنكة والذكاء والفطنة، تقدمن نموذجاً يُظهر أن المرأة ليست سطحية، بل تغوص في عمق المشكلات وتبحث عن حلول جذريّة، وهنا تكون المرأة قادرة على أن تشغل مواقع صنع القرار، سواء في المجال السياسي أو الأمني، أو في القرارات التي تخص بناء البلد بصورة عامة.
وشددت على ضرورة تغيير الصورة النمطية حيث يُنظر إليها غالباً على أن لها التزامات أسرية وواجبات عائلية تمنع مشاركتها الفاعلة في العملية السياسية، كما يُعتقد بأنها لا تفهم طبيعة العمل السياسي أو المهام المتعلقة به، غير أن الواقع يُظهر أن العملية سياسية تشاركية بين الرجل والمرأة، ولا يمكن الاستغناء عن دور أي طرف فيها.
وتطرقت إلى النظرة النمطية السائدة التي تصف المرأة بأنها تهتم فقط بعمليات التجميل والموضة وأمور سطحية، وهي نظرة خاطئة لا تعكس الواقع، مضيفةً أنها، وبحكم عملها ومشاركتها مع النساء منذ عام 2009 في التطوع، وحضور الورش والتدريبات، تؤكد وجود عدد كبير من النساء الفاعلات في القطاع الأمني تحديداً واللواتي تقدمن مساهمات مهمة في هذا المجال.
تمكين المرأة وبناء قدراتها
وأشارت إلى أن قلة الأمن تنبع من النزاعات والصراعات في مجتمعات تعاني من الإقصاء والتهميش، أو تشعر بأنها مهمشة ضمن خطة العمل وتم التركيز على عدة مجتمعات منها مجتمعات التكيف، والمجتمعات المضيفة، والمجتمعات العائدة، ومجتمعات الصمود التي ترفض مغادرة مكانها مهما تعرضت لأي ضغوط، ورغم وجود نساء فاعلات في هذه المواقع، إلا أنه من الصعب الحصول على الاعتراف الرسمي بمكانتهن.
وفي ختام حديثها، قالت أفراح فالح إن الانطلاقة ستكون كبيرة من خلال توفير كافة المستلزمات والعوامل التي تعزز مشاركة المرأة في المجتمع، وتسعى إلى تحقيق دمج فعّال بين مفاهيم الأمن، المرأة، السلام، والشباب، من خلال تحديد مثلث الصراع وتقييم التحديات والفرص، بالإضافة إلى نقاط القوة والضعف، وبعد تلقي المرأة للتدريبات والتوعية والتثقيف والتوجيه والإرشاد، تصبح عنصراً فاعلاً ومفيداً داخل المجتمع، قادراً على تلبية احتياجاته.
لذلك، من الضروري تمكين المرأة لتعزيز مشاركتها، مما يضمن الوقاية إلى جانب التمكين، لكي تسهم بفعالية في بناء مجتمع قوي ومتماسك يؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ويحمل الفكر المعتدل وينبذ كل أشكال خطابات الكراهية، ويسعى جاهداً لمنع نشر ثقافة الانتقام.