النسوية في المغرب بين جيل البيانات والهاشتاغ... تجدد أم انقسام؟
بين جيل صاغ مطالبه في بيانات مطولة وكتبها على الآلة الكاتبة، وجيل لا يتردد في إطلاق هاشتاغ بكلمة واحدة لتصل إلى آلاف المتابعين في دقائق، تقف الحركة النسائية عند سؤال "هل نحن أمام تصادم غير معلن بين رؤيتين وأسلوبين؟".

حنان حارت
المغرب ـ منذ بدايات الاستقلال، والحركة النسائية المغربية تشق طريقها وسط تعقيدات اجتماعية وسياسية وثقافية. ناضلت نساء من مواقع مختلفة في النقابات، داخل الأحزاب، بساحات المقاومة، وقاعات المحاكم، وراكمت هذا المسار مطالب متعددة، من أجل الحقوق المدنية، والعدالة في قوانين الأسرة، والمساواة في الفضاء العام والخاص.
في هذا السياق النضالي العام، شكل تأسيس الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب عام 1985 لحظة فارقة، كإطار جمعوي اختار أن يحمل قضايا النساء بمنظور حقوقي صريح، ويعمل على تقاطعات العدالة والمساواة.
وساهمت الجمعية إلى جانب باقي مكونات الحركة النسائية في الترافع حول تعديل مدونة الأسرة، ومناهضة العنف ضد النساء، وتعزيز المشاركة السياسية، والدفع نحو عدالة اجتماعية تراعي مقاربة النوع.
واليوم، بعد مرور أربعين عام على تأسيس الجمعية، تعود إلى الواجهة تساؤلات جوهرية هل يشكل دخول جيل جديد من المناضلات الرقميات، بخطاب مختصر وسريع الانتشار، امتداداً طبيعياً لمسار طويل من الكفاح؟ أم أن الحركة النسائية تواجه انقساماً خفياً بين جيل "البيانات القانونية" وجيل "الهاشتاغ والتيك توك"؟
ففي هذا التقرير، نستعرض مواقف ثلاث ناشطات داخل الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، تمثلن أجيالاً وتجارب مختلفة، تطرحن تأملاتهن حول العلاقة بين الماضي والحاضر، بين الإرث الرقمي والإرث النضالي، بين القيم التي لا تموت والأساليب التي يجب أن تتجدد.
"المنظومة البطريركية تتجدد ونحن أيضاً يجب أن نتجدد"
الناشطة رشيدة الطاهري، إحدى مؤسسات الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، تقول إن القضية لم تتغير، لكن السياقات اختلفت، مما يستوجب تجديداً مستمراً في الوسائل دون التفريط في القيم "الأجيال تتغير، لكن عمق القضية لا يزال قائماً".
وأضافت "الجمعية اليوم تجدد أدواتها، وتعيد التفكير في أساليبها، لأن الأهداف تتطور ومتطلبات العصر تفرض تجديداً مستمراً"، لافتة إلى أن "القضية لم تعد تطرح بنفس الشكل، وعلينا أن نبتكر أدوات جديدة تليق بالتحديات الجديدة، وأن نواكب التغيرات دون التفريط في المبادئ التي تأسست عليها الجمعية".
وتستعيد رشيدة الطاهري ذاكرة النضال في بداياته "عملنا على وجهات متعددة وهي القوانين، والسياسات العمومية، ومناهضة العنف، والمشاركة السياسية للنساء، وتغيير مدونة الأسرة"، مشيرة إلى أنه "عملنا في البداية على حق المرأة في إصدار جواز السفر، لأنهن لم تكن تستطعن الحصول عليه إلا بترخيص من الأب أو الزوج أو الأخ".
وأكدت أن التحدي ما زال قائماً "المنظومة البطريركية تجدد نفسها، تعيد إنتاج أدواتها، القضية مستمرة عبر الأجيال، ولكن تتجدد على مستوى الأدوات والوسائل، على مستوى التحاليل، على مستوى التفكير، وتعميق النقاش في قضايا لم تكن مطروحة في السابق".
"الشباب ليسوا فقط المستقبل بل صناع القرار"
التحول الأبرز اليوم هو دخول الجيل الرقمي إلى ساحة النضال، أسماء أبو الفرج، منسقة برامج تقوية القدرات بالجمعية، تنظر إلى هذا التحول باعتباره ضرورة لا ترفاً "نحن لا نرمي تجارب الأمس، بل نبني عليها لنصنع حركة نسائية أقوى".
وشددت على أهمية الربط بين الأجيال "العلاقة بين الأجيال السابقة والحالية أصبحت من أهم ما يمكن أن نركز عليه، نحن اليوم مستعدات للتعاون، مستعدات لتجديد وتطوير استراتيجياتنا، لكن دون التخلي عما راكمناه من تجارب".
وترى في التحول الرقمي فرصة لتعزيز الحضور النسوي "نحن الآن نتحدث عن نضال تقليدي ورقمي، جيلنا لا يكتفي بذلك، بل يأخذ ويطوع الاستراتيجيات الرقمية بشكل واسع، خاصة خلال المحاضرات، لكي نصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس".
وأضافت "هذه الاستراتيجيات ليست جديدة كلياً، كانت تستعمل من قبل، لكن اليوم من الضروري تطويرها، ومن المهم أن تعتمدها المزيد من الجمعيات"، أما عن مشاركة الشباب، فتقول "الشباب ليسوا فقط من نأمل فيهم مستقبلاً، بل هم أشخاص لديهم طاقات، يريدون أن يعملوا، أن ينموا قدراتهم، وأن يتعلموا ويعلموا في نفس الوقت".
وفي ختام حديثها قالت أسماء أبو الفرج "أهم ما يمكن أن نفعله اليوم هو أن نرسخ حواراً حقيقياً بين الأجيال، قائماً على مقاربة تشاركية، تمنحهم حق اتخاذ القرار، وحق التوجيه والمبادرة".
"الرقمنة فرصة والربط بين الأجيال مسؤولية"
تمثل مريم المودجاوي الجيل النسائي الصاعد وتبين أن لكل جيل أدواته، والبصمة النضالية تظل مشتركة "هناك استمرارية طبيعية بين مختلف الأجيال داخل الحركة النسائية، كل جيل يترك بصمته بطريقته الخاصة، والاحتفال بالذكرى الأربعين لتأسيس الجمعية منحني فرصة ثمينة للقاء نساء ناضلن قبلي، واستلهمت منهن الكثير، وأتمنى بدوري أن أكون امتداداً لهذا النضال، وأن أترك أثري أنا أيضاً".
وترى أن الوسائل الرقمية تفتح أفقاً جديداً "جيل اليوم يمتلك أدوات رقمية قوية لم تكن متاحة في السابق، وهذا شيء إيجابي جداً، يمكننا توظيف هذه الوسائل لتطوير آليات عمل الحركة النسائية المغربية، عبر الترافع الرقمي والوصول إلى فئات شبابية مختلفة، سواء من حيث الأعمار أو من حيث الامتداد الجغرافي".
وبينت أنه "نحاول أن نستند إلى تاريخ نضالي طويل، ونضيف إليه من خصوصيات زمننا الحالي، مع استيعاب تكنولوجيا اليوم، ولكن بطريقة عقلانية وواعية تخدم قضيتنا النسائية والدفاع عن حقوق النساء بفعالية أكبر".
وبين نضال مدني بدأ بمطالب الحق في السفر، ونضال رقمي يصل إلى الملايين عبر الشاشات، تتشكل ملامح جديدة للحركة النسائية في المغرب، وهي ليست صدمة أجيال، بل فرصة لإعادة تركيب الخطاب وتجديد الأدوات دون المساس بجوهر القضية.