لماذا النساء الأكثر فقراً؟
النساء في مقدمة الفئات الأكثر فقراً وهو الأمر الذي انعكس على واقعهن وجعل الكثيرات يقعن في قبضة العنف بمختلف أشكاله في نطاقات متعددة سواء كن في قرى ونجوع أو وسط أجواء المدينة الصاخبة.
أسماء فتحي
القاهرة ـ لكون المجتمع الذكوري هو أحد أهم معرقلات حصول النساء على حقوقهن فبالتالي العمل على تغيير الثقافة السائدة بشأن الدور الذي تقوم به المرأة وتنميط مجالات عملها أمر ضروري لتحسين واقعها.
وفقاً لمؤشرات المنتدى الاقتصادي العالمي فإن مصر تحتل المرتبة 136 من واقع 146 دولة في إقصاء المرأة من التوظيف بشكل عام سواء في القطاع الخاص أو العام.
"لم أعتد أن يتم التصرف في راتبي منذ 20 عاماً مضت"، بتلك العبارة بدأت سمر عادل "اسم مستعار" قولها إن الفقر بات لصيق بالمرأة لكونها امرأة فحسب وأنها تعمل منذ نحو 20 عاماً ولا يمكنها التصرف بما تحصل عليه من أجر، فهي فقط تجلبه، وفي البداية كان التقرير بشأنه قاصر على الأب وبعد ذلك بات حكراً على الزوج.
وسمر عادل ليست الوحيدة فالكثير من النساء لا يحق لهن التصرف فيما يحققنه من دخل في عملهن، فالسلطة والتربية الذكورية تفرض هيمنتها على قرارات وسياقات وتحركات النساء للمستوى الذي بات يحتاج لوقفة من أجل التعامل معه، لأن هناك سؤال منطقي يحتاج لإجابة "كيف لمن أتى بالمال ألا يستطع التقرير بشأنه؟"، وهو أمر يعبر عن الحالة التي وصلت لها النساء وتعشنها اليوم.
وأوضحت سمر عادل أنها عندما كانت في بيت أسرتها، كانت تعمل نظراً لضيق المعيشة وأن راتبها كان يأخذه والدها منها دون أن تتمكن من الحصول على شيء منه، حتى ما تقوم بإنفاقه على نفسها كان هو من يدفعه لها، وبالتالي لم تكن تستطع شراء أي شيء دون معرفته وهو ما جعلها تعيش في الحرمان رغم عملها الشاق "لم يختلف وضعي كثيراً بعد الزواج، إلا أني كنت اعتبر الخروج للعمل مهرب من المنزل الذي كنت أعامل فيه بشكل مهين من قبل جميع أفراد أسرة زوجي".
وأضافت "النساء في أسرتي تعملن أيضاً ولا يحق لهن التصرف برواتبهن"، موضحةً أن المجتمع المحيط بها لا يرى المرأة قادرة على اتخاذ أية قرارات تتعلق بها، وأنه قبل الزواج يكون للأب كامل الصلاحية في تقرير مصيرها لأنها في منزله، ثم تنتقل الملكية لاحقاً للزوج وذلك ما انعكس أيضاً على التقرير بشأن الأموال وحتى تلك التي ترث من أسرتها، فعليها منحه للزوج للتصرف فيه، وأن الكثيرات تحرمن من الإرث لكونهن نساء وأن المجتمع يعتبر الذكور أحق به من الإناث.
وترى سمر عادل، أن الحلول تحتاج تغيير كامل في وعي المجتمع تجاه المرأة كي يسمح لها بالتقرير لذاتها والتحكم ولو بشكل جزئي في أموالها ووظيفتها "أسرة زوجي تخبرني أن المرأة التي تعمل لا يجب أن تهمل دورها الأساسي وهو الخدمة الكاملة في المنزل لجميع أفراده سواء أهل الزوج أو الأبناء، برغم من أنهم بحاجة لراتبي إلا أنهم يقهرونني بأحاديثهم وأنهم يتدخلون حتى في ملابسي ولا يمكنني الرفض أو عدم الانصياع لقراراتهم".
وقالت المحامية أمل جودة أن عدم التمكين الاقتصادي للنساء هو أحد مسببات فقرهن، فلا يوجد توازن وظيفي بين الجنسين، وهو ما انعكس بدوره على واقع المرأة، مؤكدةً على أن الإقصاء ممتد حتى للمناصب العليا لذلك نجد الكثيرات تقبلن بوظائف ذات دخل متدني ووضع اجتماعي سيء، وذلك نتيجة تراجع مستوى المعيشة بشكل عام، وواقع الضغوط الاقتصادية هي التي تدفع النساء من بينهن المعيلات والمسؤولات عن أسر بكامل احتياجات أفرادها.
وعن تأثير الموروث الثقافي قالت إن للموروث الثقافي تأثير كبير على ما تعيشه النساء من حالة فقر بشكل عام، وذلك تأثراً بنظرة المجتمع لدور المرأة وطبيعة ما يجب أن تقوم به من عمل ومردود ذلك على حياتها وممارساتها، مؤكدةً على أن المرأة يقع على عاتقها رعاية الأسرة بشكل كامل وهي وظيفة غير مدفوعة الأجر، فهي محتجزة في تلك الخدمة الاجتماعية التي تجعلها مسؤولة عن كامل تفاصيل الأسرة واحتياجات أفرادها حتى في ظل وجود الرجل.
وهذا بدوره ينعكس على المرأة في عملها على حد قول أمل جودة التي أشارت إلى أن المرأة تضطر للقبول بأية وظيفة حتى لو لا تتناسب مع مؤهلاتها أو ما تمتلكه من مهارات، لأنها تواجه مجتمع كامل يضعها في إطار شديد التعقيد فعليها البقاء في وظيفة بدوام كامل "الدور الرعائي" في حين أنها تعمل لبضع ساعات كذلك خارج المنزل.
الحمل والرضاعة وانعكاسهما على النساء
وأكدت أمل جودة أن للحمل والرضاعة تأثير مباشر على النساء، فهن يحصلن على إجازة 3 شهور و3 إجازات فقط خلال مدة خدمتها قانونياً، وأن هناك عدد من الوظائف تحديداً في القطاع الخاص، التي تشترط على المرأة محددات للإنجاب سواءً تتعلق بالمدى الزمني السابق عليه أو اللاحق.
وأشارت أن لذلك تأثير على التقرير بشأن عمل المرأة فيتم منح الرجال أولوية في العمل، لكونهم لا يقمن بهذا الدور الإنجابي، لافتةً إلى أنه أحد أهم معوقات توظيف النساء على الإطلاق والذي يكون مسبب لإقصائهن من الوظائف خاصة القيادي منها، موضحةً أنه ينعكس حتى على فرص ترقيتهن في العمل، وعلى ما تتحصلن عليه من أجر وكذلك يترتب عليه جانب من العنف اللفظي وغيره، والذي يحدث التنمر والاستغلال بشأن هذا الدور، معتبرةً أن القانون نافذ في المؤسسات الحكومية وللمتعاقدات بشكل عام وما دون ذلك يعانين في صمت ويتحملن ما يتعرضن له من انتهاكات بسبب الحالة الاقتصادية.
واعتبرت أن إعادة التوازن في الوظائف هو أحد أهم الحلول التي من شأنها أن تحسن واقع النساء المادي، لأن ذلك سيعزز تمكينهن في الحصول على عمل لائق "الاستفادة من المؤهل الدراسي بشكل جيد يحسن من واقع النساء"، لافتةً إلى أن من لم ينالوا قسطاً من التعليم يجب أن تشملهن المعاشات وتحقق لهن الحياة بكرامة وتمكنهن من تحقيق الاستقرار الاقتصادي.