"الموزاييك" مهنة رائجة ومصدر دخل رئيسي لمئات النساء في إدلب
بينت العاملات في مهنة الموزاييك أنهن تجدن راحة نفسية وجسدية بين أقلام الحجارة التي تقصنها لتصنعن من خلالها المعالم الأثرية التي تتميز بها سورية، بالإضافة لتجسيدهن معاناة النساء وما تتعرضن له من ضغوط وانتهاكات.
أسينات المحمد
إدلب ـ تشكل حرفة الموزاييك والفسيفساء مصدر دخل رئيسي لدى العديد من العاملات في مدينة إدلب بالشمال السوري، وذلك بعد أن لاقت المهنة إقبالاً كبيراً من النساء اللواتي رحن يتعلمنها لتأمين فرص عمل جيدة تساعدهن على مواجهة أعباء الحياة والمعيشة.
تعمل مريم الطاهر (43عاماً) وهي نازحة مقيمة في مدينة إدلب، في مهنة الموزاييك منذ أكثر من عشر سنوات، عملت خلالها على صناعة مئات اللوحات الفنية والتراثية والحضارية، بالإضافة لتدريبها عشرات النساء اللواتي أتقن الحرفة التي باتت تساعدهن على الإنفاق على أسرهن وعوائلهن.
"أشعر بالراحة النفسية والمتعة بعملي الذي استحضر من خلاله التراث العربي الأصيل"، بهذه الكلمات عبرت مريم الطاهر عن حبها لعملها وهي تتنقل بين جدران منزلها الذي يحمل الكثير من اللوحات الفنية والتراثية التي أنجزتها.
وأضافت أنها هي المعيل الوحيد للعائلة ما دفعها لتعلم مهنة الموزاييك بمساعدة إحدى صديقاتها، لتكون مصدر دخلها الوحيد الذي استطاعت من خلاله تربية أطفالها الثلاثة والإنفاق عليهم دون الحاجة إلى أحد، وهو ما شجعها على فتح دورات تعليمية مجانية للنساء والأرامل، لتعليمهن فنون صناعة الموزاييك التي أمنت لهن فرص عمل جيدة تمكنهن من الاعتماد على الذات دون طلب العون والمساعدة من أحد.
وعن آلية عملها، تضيف أن العمل في مهنة الفسيفساء يتطلب دقة عالية وتركيز، حيث أنها تقوم برسم اللوحة التي تريد العمل عليها، ومن ثم تبدأ عملية قص الأحجار بالألوان المناسبة، قبل أن تضيف مادة "الشعلة" وهي مادة لاصقة تستخدم لتثبيت الأحجار على اللوحة، لتأتي بعدها مرحلة رسم اللوحة بشكلها النهائي.
وأشارت إلى أن عملية قص الأحجار تكون مرهقة وتسبب تشنجات عضلية لأصابع اليد، فضلاً عن أن فترات الجلوس الطويلة تسبب آلاماً عضلية وعصبية في الظهر والرقبة، في حين أن رائحة مادة "الشعلة" القوية، تسبب التهابات في الجهاز التنفسي، وهو ما يجبرهن على ارتداء كمامات لتلافي ضررها.
ولا تخفي مريم الطاهر الصعوبات والتحديات التي تواجه عملها والتي تتمثل في منع الدولة التركية عملية تصدير هذه اللوحات عبر أراضيها، خاصة وأن عملهم يعتمد بشكل رئيسي على تصدير المنتجات إلى دول الجوار مثل مصر والأردن وموريتانيا والسعودية وغيرها من الدول التي تبدي اهتماماً بمثل هذه اللوحات.
أما رائدة العدل (32عاماً) فقد اختارت العمل بمهنة الموزاييك بسبب حبها وشغفها للعمل بهذه المهنة التي تتيح لها التعبير عن مشاعرها من خلال اختيار اللوحات التي تهدف لإيصال رسائل المعاناة والمناصرة لما يحدث في المنطقة من حروب ومشاكل اجتماعية وانتهاكات بحق السكان والنازحين.
وتقول إنها تجد راحتها النفسية والجسدية بين أقلام الحجارة التي تقصها وتفردُها لتصنع لتستحضر من خلالها المعالم الأثرية والتاريخية والثقافية التي تتميز بها سورية على مدى آلاف العقود من الزمن، بالإضافة لتجسيدها معاناة النساء وما تتعرضن له من ضغوط وانتهاكات.
وأضافت أنها تضطر في معظم الأحيان لإخفاء بعض اللوحات التي صنعتها بسبب التضييق الكبير على حرفيي هذه المهنة من قبل "هيئة تحرير الشام" التي تمنعهم من رسم وتجسيد الشخصيات والدلالات الدينية المختلفة، إذ أنها تضطر لصناعة هذه اللوحات بشكل سري وغير معلن قبل تصديرها أو بيعها.
وأشارت إلى أنها نجحت في تدريب العديد من النساء على إتقان مهنة الفسيفساء، حيث تخطط لتوسيع عملها من خلال إنشاء ورشة عمل نسائية، تضمن زيادة الإنتاج وتصديره إلى مختلف الدول العربية والأوربية.
من جهتها، تعمل سلاف حاج علي (28عاماً) وهي نازحة مقيمة في مخيمات دير حسان شمال إدلب، في مهنة الموزاييك التي تعلمتها من خلال حضورها إحدى الدورات المهنية، لتعتمد عليها كعمل يؤمن لها دخل ثابت يساعدها على الإنفاق على طفليها، بعد أن فقدت زوجها بقصف سابق على مدينة معرة النعمان.
وتقول إن ضغوط أهلها وذويها عليها لترك طفليها والزواج مرة أخرى دفعها لتعلم هذه الحرفة للاعتماد على ذاتها، خاصة وأن العمل بها يمكن أن تنجزه دون الخروج من المنزل، مضيفةً أنها تنجز اللوحة على مدى أسبوعين من العمل ومن ثم تبيعها لتتمكن من الإنفاق على نفسها وطفليها وتأمين المستلزمات الأساسية التي تحتاجها.