اليمن... المرأة الجنوبية من مكاسب التاريخ إلى واقع التحديات
مع تشكل الوحدة اليمنية عام 1990، كانت الآمال كبيرة في تعزيز حقوق المرأة والرفع من مكانتها في المجتمع، لكن مع مرور الوقت تزايدت الأزمات السياسية والصراعات، وبدأت المكاسب تنحسر تدريجياً حتى أصبح واقع المرأة الجنوبية أكثر صعوبة.
هالة الحاشدي
اليمن ـ شهدت المرأة الجنوبية في اليمن تحولات جذرية في أوضاعها وحقوقها، فقد كانت تتمتع بامتيازات وحقوق قانونية وثقافية ففي حالة الطلاق تحصل على النفقة وامتلاك جزء من المنزل، كما كانت التشريعات تتيح فرصاً تعليمية متساوية بين الجنسين.
تعرضت المرأة الجنوبية لمخاطر عديدة وشهدت تراجعاً كبيراً في دورها وحضورها في مجالات العمل وصنع القرار، حيث أشارت طلعة الأحمدي عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني ورئيسة قطاع المرأة بالمحافظة، إلى أن وضع المرأة قبل الوحدة اليمنية كان مختلفاً تماماً، حيث كانت تتمتع بامتيازات خاصة "على سبيل المثال كان قانون الأحوال المدنية يمنح المرأة حقوقاً قانونية، خاصة في حالات النزاعات الأسرية مثل الطلاق، حيث كان لديها حق الحصول على جزء من المنزل وحق النفقة من الزوج، لكن اليوم، نجد أن المرأة تُطرد إلى الشارع في حال تعرضها لأي مشكلات زوجية أو أسرية، دون أي حماية قانونية".
وفيما يتعلق بحقوق المرأة الدستورية، أكدت أن "الدستور يكفل حق المساواة بين المرأة والرجل في مجالات التعليم والعمل، وقالت إن التعليم كان متاحاً ومجانياً في مراحل التعليم الأساسي والثانوي، كما كانت تُقدَّم منح دراسية للطلبة في التعليم الجامعي لدعمهم في مسيرتهم التعليمية"، مضيفةً أنه الطلبة القادمين من المناطق النائية يحصلون على مساعدات مالية، بما في ذلك تكاليف النقل والغذاء لتعزيز فرص التعليم.
وأوضحت أن المرأة والرجل كانا يتمتعان بحقوق متساوية في التوظيف، حيث يُفترض أن يكون لديهما فرص متكافئة في المناصب، بما في ذلك الإدارات العليا "لكن في الوقت الحاضر، نرى تراجعاً كبيراً في دور المرأة، حيث أصبحت مهمشة في مجال العمل وصنع القرار، على الرغم من أن النساء قادرات على اتخاذ قرارات هامة ظهر ذلك من خلال منظمات المجتمع المدني مثل اتحادات الفلاحين والشباب والنساء".
وأكدت أن إعادة النظر في وضع المرأة وحقوقها والعمل على تمكينها من استعادة دورها الفعال في المجتمع بات ضرورة، مشيرةً إلى أن مشاركتها في صنع القرار والعمل هي قضايا محورية لتحقيق المساواة والتنمية المستدامة.
الوضع الاقتصادي والاجتماعي قبل وبعد الوحدة
عن الوضع الاقتصادي قالت طلعة الأحمدي بالنسبة إلى الفترة السابقة لوحدة اليمن شهدت توفر للمواد الغذائية بأسعار مقبولة عكس ما هو عليه بعد الوحدة كون العملة المحلية تعاني تدهور كبير مقابل العملات الأخرى خاصة الأجنبية، الأمر الذي أدى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية واحتياج العديد من الأسر للدعم والمساعدة، حيث إنه يوجد أسر تعيش تحت خط الفقر، لافتةً إلى أن بعض الأطفال يجوبون أكوام القمامة بحثاً عن الطعام.
وفيما يتعلق بتحديات الفقر والبطالة بعد الوحدة، أكدت أن الوضع الاقتصادي في الجنوب يعاني ارتفاع معدلات الفقر والبطالة الحادة سببها انعدام فرص العمل المتاحة، مضيفةً أنه في مجال الصحة كانت الخدمات في المستشفيات تقدم سابقاً بشكل مجاني، لكن الآن يتطلب إجراء أبسط العمليات مبالغ مالية تفوق القدرة المادية للكثير.
وأكدت أن الصراعات المستمرة والنزاعات تؤثر على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وإن الفوضى تسود عند وجود العديد من الهيئات العسكرية والجماعات المسلحة في السلطة، بسبب التنافس على النفوذ والموارد بين الجماعات المختلفة خاصة تلك المتاحة في الجنوب.
وبينت أنه رغم أن المنطقة الجنوبية تمتلك ثروات كبيرة، إلا أن القائمين عليها لم يتمكنوا من ضمان حياة كريمة للشعب عموماً والمرأة خصوصاً "إن الواقع الذي يعاني منه المواطنون يُعتبر تحدياً كبيراً"، مؤكدةً أن الوضع يحتاج إلى جهد جماعي وقرارات حاسمة لتحسين الظروف المعيشية وضمان حياة أفضل لأجيال المستقبل.
الإنجازات التي تحققت قبل وبعد الوحدة
قالت طلعة الأحمدي إن الإنجازات التي تحققت قبل الوحدة كان أهمها قانون الأحوال المدنية، مؤكدةً أن هذا القانون تبناه اتحاد نساء اليمن في المحافظات الجنوبية من أجل حفظ كرامة المرأة ومنحها حقوقاً واضحة، سواء من أسرتها أو زوجها، مشيرةً إلى أن هذا القانون منح المرأة حقاً محفوظاً في الأحوال المدنية، مثل تحديد سن الزواج وفقاً للقانون والشريعة، إلى جانب فتح معاهد مهنية مثل ميكانيك السيارات والكهرباء.
وأضافت أن عدداً كبيراً من الطلبة التحقوا بهذه المعاهد، بالإضافة إلى تحقيق إنجازات أخرى مثل سفر المرأة خارج البلاد، وإن العديد من اليمنيات تمكنّ من مواصلة تعليمهن في دول عربية وأجنبية مثل موسكو وبلغاريا، وكذلك في السودان ومصر، لافتةً إلى أن النساء أصبحن تشغلن مناصب مرموقة مثل السفيرة والوزيرة ومديرات العموم والوكيلات.
وعن وضع المرأة بعد الوحدة أكدت أنه أصبح مأساوياً، حيث لم يُمنح لها الحق في ممارسة حياتها وفقاً لما نصت عليه القوانين والدساتير، إلا أن الرجال ما زالوا يُعتبرون قوامين على النساء، مضيفةً أن التغييرات في حقوق المرأة بعد الوحدة كانت سلبية، حيث أنه لم يكن هناك قانون يحمي المرأة، كما تم إلغاء قانون الأحوال المدنية.
ولفتت إلى أن القوانين الحالية أصبحت مجحفة بحق المرأة، خصوصاً فيما يتعلق بالزواج والطلاق وتربية الأبناء، موضحةً أن المرأة لم تعد قادرة على مواصلة تعليمها الجامعي، سواء داخلياً أو خارجياً، لأن الامتيازات المالية التي كانت تُمنح للطلبة لاستكمال الدراسة قد أُلغيت بعد الوحدة.
وقالت إن اليمن كان يقدم دعماً مالياً للجامعيات، بما في ذلك تكاليف النقل والسكن في الأقسام الداخلية، ولكن بعد الوحدة تم إلغاء هذه الامتيازات، كما أن الكثير من الأسر لم تعد قادرة على تحمل تكاليف تعليم الفتيات، خاصة بعد تسريح عدد كبير من العسكريين وتحويلهم إلى المعاش التقاعدي الذي لا يكفي لتلبية احتياجات الأسرة.
وأضافت طلعة الأحمدي أن هناك أعداداً كبيرة من الفتيات في محافظة أبين وفي مختلف المحافظات اليمنية قد تخرجن بدرجات امتياز، بعضهن حاصلات على شهادات الدكتوراه أو الماجستير، ولكن لم يتم توظيفهن، إلى جانب آلاف المؤهلات اللواتي ما زلن عاطلات عن العمل رغم كفاءتهن العالية، ما يعكس حجم التحديات التي تواجه المرأة في الوقت الحاضر.
ولفتت إلى أن المرأة اليمنية في الجنوب تعتبر رمزاً للصمود والتحدي، خاصة بعد حرب 1994 وما تلاها من أزمات على الرغم من الظروف القاسية التي واجهتها "لعبت دوراً محورياً في تسيير حياتها وحياة أسرتها، لكنها تحملت مسؤوليات كبيرة دون دعم كافٍ، مما اضطرها للعمل تحت ظروف صعبة لتوفير لقمة العيش".
وأضافت أنه مع التحديات المتزايدة بعد حرب 2015، تراجع دور المرأة في التعليم والعمل، مما أثر سلباً على مكانتها الاجتماعية، ورغم بعض جهود منظمات المجتمع المدني لدعمها، إلا أن هذه الجهود لم تكن كافية، لذا، تبرز الحاجة إلى تبني سياسات جديدة لتعزيز المساواة وتوفير الفرص للمرأة في التعليم والعمل، وضمان حقوقها الأساسية.
التحديات الاقتصادية والاجتماعية والصحية
وأوضحت طلعة الأحمدي أن حرب 1994 كان لها آثار كبيرة على المرأة، خصوصاً في المحافظات الجنوبية، حيث فقدت العديد من النساء أفراد من عوائلهن، كما أصبحت بعض الأسر بلا دخل بعد فقدان معاشات الضحايا أو الأشخاص المحتجزين خلال الحرب، ولم تُصرف المعاشات لفترات طويلة، وما زال البعض بلا دعم حتى اليوم.
وأضافت أن هذا الوضع أثر سلباً على التعليم، فأبناء هذه الأسر يواجهون صعوبات كبيرة، حيث يُضطر الأبناء للعمل في الشوارع لإعالة أسرهم مما يجعل توفير لقمة العيش أولوية تفوق التعليم، بينما النساء اللواتي لا تملكن عملاً تصبحن عاجزات عن دعم عوائلهن، مما يدفعهن للعمل كعاملات نظافة أو بائعات في الشوارع لتلبية احتياجات أطفالهن.
وأكدت أنه بعد حرب 1994 اضطر عدد كبير من الفتيات لترك مقاعد الدراسة كون التوظيف أصبح محدوداً للغاية، مما دفع النساء للبقاء في المنازل لتكن تحت ضغط كبير لتوفير لقمة العيش لأبنائهن، في ظل صعوبات الحياة التي ازدادت بسبب انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بين الشباب، مما شكل مصدر قلق كبير للأمهات اللواتي تشهدن تدهور أحوال أبنائهن.
وفي مجال الصحة أكدت طلعة الأحمدي أنه يصعب على النساء تأمين العلاج لأبنائهن أو أفراد أسرهن نظراً لإغلاق العديد من العيادات وتحويل المرضى إلى المستشفيات العامة، سواء داخل المحافظة أو خارجها، كما أن ارتفاع التكاليف العلاجية يزيد من صعوبة هذا الوضع، وهو ما يفوق إمكانيات المرأة، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تفاقمت بعد عام 2015، حيث أن دعم النساء أصبح محدوداً يقتصر على النساء القريبات من السلطة أو المنتسبات للأحزاب السياسية المسيطرة.
ونوهت إلى أن التحديات الأمنية تضيف طبقة إضافية من القلق، خاصة مع استمرار وجود الجماعات المسلحة، مما يجعل الأمهات تعيش في حالة خوف دائم على أبنائهن، بينما يعاني الشباب الملتحقون بالمؤسسات العسكرية قلق مستمر نتيجة المداهمات والاعتداءات المحتملة.
آمال المرأة اليمنية وتطلعات المجتمع
أشارت طلعة الأحمدي إلى أن البلاد الآن تحت البند السابع، مما يثير الأمل في تحسين الأوضاع، متطلعةً إلى دور أكبر للمرأة في المجتمع، وتسعى لتحقيق المساواة بينها وبين الرجل في كافة الحقوق والتشريعات، موضحة أهمية تولي المرأة مناصب قيادية، وضرورة مشاركتها الفعالة في صنع القرار، مما يتطلب تشريع قوانين تحمي حقوقها، وخاصة قانون الأحوال المدنية.
كما أكدت أنه يجب أن يُتاح للمرأة حق التعليم، مع ضمان مجانيته في جميع مراحله "هناك العديد من الفتيات اللواتي حُرمن من التعليم الجامعي، لذا يجب إعطاء الأولوية لحل الوضع الاقتصادي الصعب، مثل خفض الأسعار وتثبيت العملة، حيث يمثل ذلك خطوة أساسية نحو تعزيز التعليم وتطوير المجتمع".
واختتمت حديثها بالتشديد على ضرورة إدخال قوانين عادلة تخدم حقوق المرأة وتحمي حقوق جميع المواطنين، لافتةً إلى أن المساواة تعني العدالة، وليس المحاباة بين الأفراد، فإذا تم تحقيق المساواة ستتلاشى الصراعات المحتملة بين المناطق والقبائل، مما سينعكس إيجابياً على استقرار المجتمع، كما أنه في حال تنفيذ هذه التغييرات سيعيش الجنوب اليمني في حالة من الاستقرار بعيدة عن الأزمات والصراعات المستمرة، وسيصبح مجتمعاً يتجنب التعصب ويوفر بيئة آمنة ومزدهرة لجميع أفراده.