"قضايا المرأة" تختتم مشروع مناهضة العنف ضد المرأة

يعد العنف واحد من أهم المخاطر التي تواجه المجتمع خلال الفترة الأخيرة، لذا يعمل المجتمع المدني بكامل طاقته للحد من تلك الممارسات وفي مقدمته مؤسسة قضايا المرأة المصرية التي عملت لنحو عام على مشروعها المعني بمناهضة العنف.

أسماء فتحي

القاهرة ـ أكدت المشاركات في المؤتمر الختامي لمشروع مناهضة العنف، على أن وضع حد للعنف ضد النساء والفتيات لا يقتصر فقط على القانون رغم أهميته بل بالتوعية.

عقدت مؤسسة قضايا المرأة المصرية، أمس الثلاثاء 13 كانون الأول/ديسمبر، مؤتمرها الختامي لمشروع مناهضة العنف ضد المرأة، والتي استعرضت خلاله تفاصيل العمل على مدار عام كامل وما تم إنجازه في هذا الملف والفئات المستفيدة بشكل مباشر، في حضور كوكبة من المسؤولين والبرلمانيين والشخصيات العامة والمؤثرة مجتمعياً، فضلاً عن بعض شركاء العمل في المشروع.

أكدت عضو مجلس الأمناء بمؤسسة قضايا المرأة المصرية سهام علي، خلال المؤتمر على أهمية المطالبة بإصدار قانون موحد لمناهضة العنف، للحد من جرائم العنف المتلاحقة مؤخراً خاصة ضد الفتيات والنساء.

واستعرضت مديرة برنامج مناهضة العنف في المؤسسة نورا محمد برنامج عمل المؤسسة على ملف العنف وتلاها عرض الإشكاليات القانونية المرتبطة بقضايا العنف والقصور التشريعي، فيما استعرضت الطبيبة نعمات علي في الجلسة الثانية الجانب النفسي.

وتخللت الجلسة مجموعة من النقاشات الأساسية حول وضع العنف بشكل عام وما ينقص العاملين عليه من إجراءات وأدوات حمائية تعزز من نتائجهم، وساهم بعض أعضاء البرلمان في طرح وجهة النظر التشريعية والاجرائية في ذلك الملف، وخرج المؤتمر بجانب استعراضه لنتائج العمل ومحاوره الارتكازية بمجموعة من النقاط الرئيسية والتوصيات العملية والمستهدف مواصلة العمل عليها خارج ذلك المشروع، واختتم بفقرة إذاعية لمجموعة من إعلاميين محافظات الصعيد حول العنف ضد الفتيات والنساء والإشكاليات المتعلقة بختان الإناث وتزويج القاصرات.

 

تاريخ حافل من خبرات "قضايا المرأة" في ملف العنف

قالت مديرة برنامج مناهضة العنف في مؤسسة قضايا المرأة المصرية نورا محمد، أن المؤسسة منذ بداية عملها في التسعينيات اهتمت بمختلف صور العنف خاصة تزوج القاصرات أو ما كان يعرف حينها بالزواج المبكر، مشيرةً إلى أنهم عملوا في المناطق الريفية على تغيير الطابع القبلي التي يوجد فيها تلك الممارسات من خلال العمل الميداني على التوعية بآثار ذلك الأمر على الفتيات، لافتةً إلى أنهم استخدموا النماذج الإيجابية الرافضين تعريض بناتهن للخطر وتأثروا بحملات الوعي.

وأوضحت أن عمل المؤسسة الميداني كشف عن نتائج تزويج القاصرات الكارثية ومنها صعوبة التوثيق للتعليم والحصول على الرعاية الصحية، بل أن اللقاء المباشر مع النساء أسفر عن طلبهن من المؤسسة التدخل بالحديث مع الأب أو الجدة وهو ما نتج عنه إحداث تغيير ملموس في التكوين الثقافي للأسر المستهدفة.

ولفتت نورا محمد إلى أن المؤسسة أنشأت 9 مكاتب مساندة قانونية على مستوى محافظات مصر، موضحةً أنهم خصصوا مكاتب وتم الاهتمام ببناء قدرات العاملين بها وتم الحرص على وجود اخصائي اجتماعي وآخر نفسي ومحامي لتقديم الدعم والمساندة المباشرة لمن يحتاجونها بدلاً من تكبيدهم عناء الانتقال للقاهرة.

وأشارت إلى أن المؤسسة عقدت عدد من بروتوكولات التعاون لذلك كان لها السبق في دخول المدارس والتوعية بالتحرش الجنسي ضد الأطفال وتفعيل دور الاخصائي الاجتماعي داخل المدارس، كما قامت بالعمل مع الرائدات الريفيات على التوعية بكل ما يتعلق بالصحة الانجابية وتأثر ذلك بالتزويج في الصغر، وتم عمل مجموعة من التدريبات واستثمار الشراكات المختلفة للحد من الممارسات التي تنتهك حقوق النساء مع مختلف المعنيين سواء قضاة أو إعلام أو محامين وغيرهم.

 

بالأرقام... تفاصيل ونتائج مشروع مناهضة العنف ضد النساء والفتيات

استهدف المشروع النساء والفتيات اللواتي تعرضن للعنف، والمعنيين من صانعي القرار والمسؤولين ونواب البرلمان وكل من له دور مؤثر في تلك القضية والقانونيين، فضلاً عن منظمات المجتمع المدني المختلفة.

وأكدت نورا محمد، على وجود بعض التحديات التي واجهت العاملين على المشروع وتم التغلب عليها، منها تأخر الموافقات والتعطيل في بعض الإجراءات وهو ما أثر في ضغط الأنشطة خلال العام، فضلاً عن رفض بعض الفئات للحديث في مثل هذه القضايا لأنها ترتبط بالعادات والثقافات المتجذرة لديهم، وكذلك كثرة قضايا العنف المنتشرة والأحداث المتلاحقة وهو ما زاد من عبء وجهد فريق العمل.

وعن النتائج الرقمية للمشروع أكدت نورا محمد، أنهم قاموا بتنفيذ نحو 36 ندوة توعوية لـ 1260 أسرة حول الختان وتزويج القاصرات والصحة الإنجابية، فضلاً عن افتتاح نحو 107 دورات تدريبية للشباب والشابات المقبلين على الزواج حول الصحة الإنجابية والثقافة الجنسية وأضرار الختان وتزويج القاصرات، وكذلك عقد 6 جلسات علاج جماعي لنحو 72 امرأة من ضحايا تلك الممارسات.

ولفتت إلى أنهم عقدوا على مدار العام نحو 4 موائد حوارية مع 343 من المعنيين وصانعي القرار والبرلمانيين والإعلام والمؤسسات ذات الصلة، وتم عرض نحو 3 مسرحيات تشاركية لـ 347 شخص من الفئات المجتمعية المختلفة في نطاق القاهرة الكبرى، وجاري العمل على إعداد فيلم حول قضايا الصحة الإنجابية، كما أن المؤسسة أصدرت رسومات واستيكرات حول صور العنف المختلفة مع حملة الـ 16 يوم.

وعن نتائج المشروع فقد أكدت نورا محمد، أن من بينها تقليل الممارسات الضارة ضد الفتيات والنساء في مجال العمل وذلك من خلال زيادة عدد الشكاوى والمترددين على وحدة الاستماع، لافتةً إلى أنهم قدموا خدمات دعم ومساندة لنحو 959 امرأة وفتاة من خلال 1608 خدمة اجتماعية ونحو 531 مقابلة فردية، و623 استشارة قانونية، ورفع نحو 120 دعوى قضائية.

وأسفر المشروع بحسب ما استعرضته نورا محمد، عن زيادة تردد الرجال "أزواج وآباء" للمشاركة في التوعية برفض الممارسات الضارة على الفتيات، فضلاً عن تبني مقترح قانون العنف الموحد من قبل نائبات البرلمان وتوقيع نحو 63 نائب ونائبة عليه، وإطلاق حملة إعلامية للمطالبة بسرعة إصدار القانون المناهض للعنف.

وأوضحت نورا محمد، أنهم قاموا بالتعاون مع 22 جمعية أهلية، ونفذوا ندوات توعية في نطاق عملهم وإحالة النساء المتضررات إلى وحدات الدعم المختلفة، بالإضافة للتشبيك مع عدد من مراكز الشباب.

 

علاج العنف يبدأ من التوعية بآثاره المجتمعية

قالت النائبة نجلاء باخوم عضو مجلس النواب عن محافظة قنا، وعضو لجنة التضامن الاجتماعي، إنها حرصت على حضور ختام مشروع مؤسسة قضايا المرأة المصرية لما له من أهمية في التأثير على واحدة من أهم القضايا المجتمعية في الوقت الراهن وهي العنف الممارس على النساء.

وأوضحت أن المرأة في تلك الفترة تحظى باهتمام كبير من القيادة السياسية وهو الأمر الذي يظهر جلياً في العمل على تعديل وسن القوانين التي تراعي وجودها وأهميتها، لافتةً أن الجهات الحكومية باتت أيضاً تعمل على تلك القضايا، معتبرةً أن العلاج المحوري لا يقتصر فقط على القانون رغم أهميته ولكن العمل على التوعية هو رأس القصيدة في التعامل مع تلك القضية الشائكة.

وعن ارتفاع معدل العنف في الفترة الأخيرة وسبل مواجهة ذلك ترى النائبة نجلاء باخوم، أن تغليظ العقوبة له دور فعال وكذلك العمل على علاج الخلل الثقافي الناشئ مجتمعياً والمتأثر بالتربية النمطية تجاه النساء، لافتةً إلى أن تغيير الأفكار له التأثير المباشر في التعامل مع أي خلل واقع خاصةً إن كان مبني على النوع الاجتماعي.

وأشادت بثراء النقاش ومداخلات القاعة والأفكار الرائدة التي تنم عن حجم الوعي بتلك القضية، لافتةً إلى أن أزمة العنف ومساره هو بالأساس قضية وعي وهو الأمر الذي يتطلب العمل بشكل تكاملي بين جميع المهتمين والمسؤولين والسلطة التنفيذية من أجل حصاره وتحجيم انتشاره وتفاقمه.

 

 

للمؤسسات النسوية دور محوري في حل قضية العنف

من جانبها قالت استشاري التمكين الاقتصادي والاجتماعي منى عزت، أن مؤسسة قضايا المرأة المصرية تتميز باختياراتها المختلفة سواء من حيث مكان عملهم ببولاق الدكرور وهي منطقة تحتاج تدخلات يومية وجهد في العمل، فضلاً عن دأبهم في العمل على القوانين كونها أكثر المؤسسات تركيزاً على قضايا الأحوال الشخصية والعمل عليها من منظور نسوي وتنويري، وكذلك ملف العنف باعتبار أن لهم باع طويل به على مدى أكثر من عقدين تمكنوا خلالهما من كسر حاجز الصمت حول تلك القضية.

وأوضحت أن عمل المؤسسات النسوية على ملف العنف على مدى عقود طويلة سواء مؤسسة المرأة الجديدة أو رابطة المرأة العربية والمرأة والذاكرة والقاهرة ومحاميات المصريات ونظرة وغيرهم، كان لها الدور الحقيقي في كسر حاجز الصمت حتى تم تكليل العمل بوضع قانون موحد لمناهضة العنف وجعل تلك القضية على أولوية العمل العام.

واعتبرت أن المؤتمر الختامي لمشروع مناهضة العنف، تتويج لمجموعة من الانتصارات في تلك القضية سواء لوجود مشروع موحد على طاولة البرلمان والمقدم من النائبة نشوى الديب، أو بطرح قضايا العنف على أجندة الحكومة والمجتمع المدني والبرلمان والعمل على اتخاذ عدد من القرارات على مستوى التشريعات وهو ما خرج بذلك الملف عن كونه مجرد قضية المؤسسات النسوية ليصبح قضية مجتمعية تهم جميع الأطراف.

 

الآثار النفسية المترتبة عن انتهاك جسد المرأة

وبدورها أوضحت طبيبة الأمراض النفسية نعمات علي، أن هناك نحو 200 مليون امرأة وطفلة تعاني من بعض المشاكل الناتجة عن أزمة الختان وفق التقرير الأخير للأمم المتحدة، لافتةً إلى أنهم يسعون للقضاء على تلك الجريمة بحلول عام 2030.

وأشارت إلى أن مؤسسة قضايا المرأة المصرية تحت إشراف الاخصائية النفسية ناهد عمارة عملوا على تنمية وعي النساء بالآثار الناجمة عن الختان سواء كانت نفسية أو صحية لأنهم أدركوا أنهم لا يعلمون أن معاناتهم ناتجة عن تشويه أعضائهن التناسلية في الصغر.

وأكدت أنه وفقاً لتقرير الأمم المتحدة فنسبة العنف الواقع على النساء أكبر من الرجال، لافتةً إلى أن الختان يعطي رسالة ضمنية لكل امرأة أن هناك آخر مسؤول عن جسمها ويحق له اتخاذ القرار الذي يراه مناسب له، معتبرةً أن ترسيخ فكرة عدم امتلاك المرأة لجسدها يبدأ من الختان ويتبعه إشعارها أن جسدها عار ووصمه، وإقناعها أن ملكيتها تنتقل من الأب للزوج وكل ذلك يضعف من قدرتها على اتخاذ القرار، ويتبع ذلك مجموعة أمراض منها القلق والاكتئاب واضطرابات الطعام وقد يتطور الأمر للإدمان أو أمراض الفصام وغيرها بحسب حالة كل امرأة.