مثلث التمييز الجنسي والنظام الأبوي والتقاليد ضد المرأة في إيران
العنف ضد المرأة في إيران ليس مجرد ظاهرة اجتماعية، بل هو انعكاس لآلية دينية سياسية قضائية، لا تنظر إلى المرأة كإنسان، بل كـ "ملكية خاصة" للرجل، في نظام يُصنّف فيه قتل المرأة "مسألة شخصية"، ويُصنّف فيه طلب حريتها "تهديداً للأمن القومي".

مركز الأخبار ـ تتفاقم ظاهرة العنف ضد المرأة، لدرجة أنها لم تعد تشعر بالأمان في أي مكان، فقد أصبحت العائلة مكاناً لقتل النساء على يد آبائهن أو إخوتهن أو أزواجهن، وتلتزم السلطة القضائية في إيران الصمت تجاه هذه الجرائم، ممهدةً الطريق بتقاعسها، لقتلهن وإبادتهن بشكل ممنهج.
حول هذا الموضوع، كان لوكالتنا حوار مع ماريا كرامي "اسم مستعار"، وهي باحثة اجتماعية بارزة من شيراز.
لماذا تحول قتل النساء إلى كارثة في بلد يُطلق على نفسه اسم "إسلامي" و"حامي الأسرة"؟
الدولة، في جوهرها، آلة للقمع والضغط والسيطرة، لا فرق إن عُرفت كـ "إسلامية" أو بألقاب كاشتراكية ديمقراطية أو اشتراكية أو أي اسم آخر، إذا تعمقنا في طبيعة الدولة، فإنها ليست ضرورة حتمية ولا مؤسسة أبدية، بل هي بناء مفروض يمكن تحديه، ويمكن التفكير في بدائل أكثر إنسانية.
وإن ما يُسمى بالدول "الإسلامية"، كل منها يقدم تفسيراً دينياً بما يتماشى مع مصالحها الخاصة، نظرتهم للعالم مبنية على الدين، دينٌ يُضفون من خلاله معنىً على نشوء الوجود، والطبيعة، وغيرها، إلا أن هذا التفسير يستند إلى سرديات أسطورية ومعتقدات حدسية، وإن نظرتهم إلى الإنسان والمجتمع والطبيعة نظرةٌ مُحددةٌ سلفاً لا جدال فيها، ويُسنّون قوانين تستند إلى معيار الإيمان وليس العقل، وهي دائماً في خدمة المؤمنين، وتحرم الآخرين "كل من هو خارج دائرة الإيمان"، من حقوقهم ووجودهم.
عندما يُعرّف الشخص في إطار الدين فقط، تُتجاهل المشاعر والوعي والإدراك والمعرفة والأبعاد المادية، وما يبرز هو الروح فقط التي تُعرّف في إطار الإيمان، وفي هذا الهيكل، لا تتمتع الأسرة أيضاً بمكانة مستقلة وإنسانية، خاصة في القراءة الإسلامية للمجتمع، يجب على الأسرة خدمة الدين، لا المجتمع أو احتياجات الإنسان، حيث يصبح الدين نفسه جزءاً من آلية الإدارة والقمع، لذلك، لا تُعتبر الأسرة ذات قيمة إلا عندما تخدم أسس السلطة والجهاز الحاكم، وتصبح الأسرة خلية في بنية السلطة؛ وفي الوقت نفسه، تلعب دوراً فعالاً في إعادة إنتاج النظام القائم.
عندما يتعلق الأمر بالمرأة، فإن النظرة الدينية الناشئة عن التفسيرات الدينية لا تقدم المرأة كإنسان كامل، بل نصف الرجل، وككائنات ضعيفة ومعابة عقلياً، وتشكل هذه النظرة أساس حرمانها من حقوقها في الهياكل الدينية والسياسية، كما تعد مصدر الخطأ والإغراء وحتى الخطيئة، ولا تعتبر كإنسان متساوٍ، بل كجنس غير كامل ومشكوك فيه؛ وبالتالي لا يستحق حياة مستقلة ولا يستحق التفكير واتخاذ القرار والمشاركة، توجد المرأة في المجتمع فقط بالقدر الذي تُستهلك فيه؛ ولا يُتسامح معهن إلا بقدر خضوعهن.
عندما تُقتل النساء، فماذا يعني صمت النظام الإيراني؟
إنه نظامٌ مُعادٍ للنساء، أبوي، وبالي؛ نظامٌ لا يحارب أجساد النساء فحسب، بل أرواحهن وإرادتهن ووجودهن، فيه تُقتل النساء يومياً؛ ليس فقط بالسكاكين والحبال، بل أيضاً في سياق القوانين، وفي أغلال التعليم، وفي هياكل الإدارة، وفي جميع المجالات الاجتماعية التي لا تعترف بالمرأة وإرادتها كإنسانة، تتعرض النساء، في ظل نظامٍ كهذا، لعنفٍ مستمر؛ عنفٌ، وإن لم يستهدف الجسد دائماً، إلا أنه يُضعف النفس والأمل والشغف بالحياة والشعور بالوجود، أي نوع من العنف، في جوهره، هو شكلٌ خفي من القتل، وقتل الروح أشد ألماً من قتل الجسد، وعندما تُنكر مشاعر المرأة ورغباتها وهويتها في المجتمع، فإن ما يحدث هو موت بطيء ومستمر وغير مرئي، لكنه يتكرر يومياً؛ في صمت القانون، وفي أصوات الدعاة الدينيين، وفي ظل لامبالاة السلطة.
ومجتمعاً لا يزال يرزح تحت وطأة التقاليد القديمة والأعراف الرجعية، ويحاول المضي قدماً اليوم متمسكاً بماضٍ فاسد، لا يمكنه أن يمهد الطريق لأي تغيير جذري، إنها نظرة أبوية وجنسانية لا ترى المرأة في سياق المجتمع، بل على الهامش وخارجه؛ ولا تراها كإنسان، بل كـ "آخر"، صامت، بلا حقوق، وبلا قيمة، لهذا السبب، فإن مقتل نساء مثل فرشته ومنى ورومينا وجينا والمئات غيرهن لا معنى له ولا قيمة في نظر نظام كاره للنساء، ومعادٍ للحرية والحياة، ولا يبقى على صفحات الأخبار سوى أرقام صامتة، غافلة عن عمق المأساة.
وفي ظل هذه الظروف، تُعدّ إعادة تعريف دور المجتمع ضرورةً حتمية، ولم يعد بإمكاننا تعليق آمالنا على نظامٍ هو نفسه جزءٌ من آلة القمع، وإن انتظار الإصلاح من نظامٍ قائمٍ على إنكار حقوق المرأة ليس عبثاً فحسب، بل هو أيضاً إذلالٌ مضاعفٌ لحقيقة المرأة الإنسانية.
كيف يُمكن لنظامٍ يُعدم النساء أن يُحاسب أباً أو زوجاً أو أخاً سفك دماً؟
في الأنظمة الدينية، ليست المرأة كائناً بشرياً، بل أداةً للتكاثر وتربية النسل وإشباع رغبات الرجل؛ لا أكثر، إذا حدث خطأ، أو حتى ارتُكب خطأٌ وفُرض، فإن المرأة هي من يجب أن تدفع الثمن، الرجل، الذي يتصرف نيابةً عن الدولة والدين في بنية الأسرة، يعتبر نفسه مُخوّلاً بمعاقبة النساء بأعنف الطرق، وأحياناً بوحشية، مثل هذا النظام، بطبيعته الذكورية والجنسانية وكرهه للنساء، لا يُمكنه أبداً مُحاكمة رجلٍ بتهمة قتل امرأة؛ إلا إذا كانت هذه المُحاكمة في إطار التفسير الديني نفسه والمصالح السياسية للنظام نفسه.
وأي خطوة تتجاوز هذه القراءة ستعني مُواجهةً مع الآلية الأيديولوجية للنظام نفسه، وبالنسبة للرجل، سواء كان أًباً أو أخاً أو زوجاً، أن يُحاكم بتهمة قتل امرأة في عائلته، فهناك جدار عالٍ من العقبات الدينية والقانونية والثقافية، ولكن إذا وُجهت نفس التهمة ضد امرأة، فإن طريق العقاب ليس سلساً فحسب، بل دموياً أيضاً.
وفي كثير من الحالات، تُرجم النساء حتى الموت أو تُشنق أو تموت في صمت المجتمع، بناءً على اتهام كاذب أو اتهام ظالم، ففيلم "رجم ثريا" هو انعكاس مرعب ومثير للصدمة للواقع الذي يحدث في المجتمع الإيراني والنظام؛ كما أنه قصة عن القمع الهيكلي والظلم الصارخ ضد النساء اللائي لسن ضحايا للعنف فحسب، بل يتعرضن أيضاً لعقوبات وحشية مثل الرجم في صمت القانون والدين.
الرجال الذين يعتبرون النساء "شرفاً" ويقتلونهن دفاعاً عن هذا الشرف، هم نتاجاً لنظام وثقافة أبوية، ما تعليقك على ذلك؟
الرجال العاجزين عن مواجهة النظام والدولة والهياكل المهيمنة، والذين لا يستطيعون استعادة حقوقهم التي سلبتها منهم السلطات، غالباً ما يصبّون غضبهم المتراكم وعجزهم الداخلي على النساء، والرجل الأضعف هو من لا يجد، لإثبات قوته، خياراً سوى وضع نفسه فوق النساء، وهو تفوق زائف لا ينبع من السلطة الداخلية، بل من انعدام الحرية والخوف من السلطة.
و"شرف" الرجل رهينة الدولة وهيكل السلطة؛ ولكن بدلاً من أن يتحلى بالشجاعة والقدرة على مواجهة المصدر الرئيسي للقمع، فإن الرجل، بصفته مَن يجب عليه محاربته، يُلقي هذه المرة شرفه على عاتق النساء، لهذا السبب، في الواقع، لا "شرف" للرجال، الشرف الحقيقي للإنسان هو الماء والتربة والطبيعة والثقافة والتقاليد والوطنية، وهذه المفاهيم أكبر من أي تعريف، وفي أذهان كثير من الرجال، ليس لها أدنى مكان، بدلاً من البحث عن مفاهيم أصيلة وإنسانية، يبحثون عن شرفهم المفقود بين أجساد النساء، وهذا عار حقيقي وفظيع، فالمرأة ليست "شرف" شخص آخر، بل "شرفها" الخاصة.
ما دفع المجتمع إلى الوراء، هم الرجال والحكومات المتسلطة، والرجال هم صانعو ومؤسسو الأنظمة الاستبدادية؛ ورجال الدولة الذين يفرضون السلطة على العقل والعواطف بدلاً من الفكر والأخلاق.
وفي مجتمع يسود فيه النظام الأبوي، هناك مقولة مأثور تقول "إذا زاد الشيء عن حده، أصبح بلا قيمة"، ولا يشير هذا القول إلى حالة المجتمع فحسب، بل يُمثل أيضاً حكم أصحاب السلطة الذين يحلون جميع المشاكل بالقوة والعنف، ولا يتركون مجالاً للمنطق والعاطفة والأخلاق الإنسانية، وأصحاب السلطة هم المنتجون المباشرون للأنظمة ونظم الحكم التي تُهمّش العقل والإنسانية.
برأيك، ألم يحن الوقت لإعادة صياغة تعريف "الأسرة"؟
يجب أن يُدرك المجتمع أنه بدون احترام الإرادة الحقيقية والمستقلة للفرد، وخاصةً المرأة، لا يمكنه أبداً النجاة من الأزمات القائمة، ففي المجتمعات والأنظمة الدينية، لا يمتلك الفرد إرادة مستقلة فحسب، بل لا يُقدّر قراراته وأفكاره وأفعاله، لذلك، من الضروري أن يُعيد المجتمع تعريف المعنى الحقيقي للتضامن بينه وبين نفسه، وأن يُحدد بدقة ووضوح، من خلال تحليل اجتماعي حر، أدوار ومسؤوليات الأفراد.
فالفرد والمجتمع مرتبطان ببعضهما البعض ارتباطاً وثيقاً، ولكن لا ينبغي في أي مرحلة من مراحل المجتمع التقليل من قيمة الفرد وترك شؤونه في أيدي المجتمع وحده، خاصةً إذا دُمّرت الفردية وأصبح المجتمع مكاناً للعنف والجنون وانعدام القيمة، لذا، فإن الخطوة الأولى هي خلق توازن محمي بين الفرد والمجتمع، فلا يمكن لأي مجتمع أن يستمر بدون فردية، والمجتمع الذي لا يراعي خصوصياته يصبح مجتمعاً ناقصاً ومريضاً، وفي مثل هذا المجتمع، يعني مفهوم الأسرة أيضاً "آغا"، فالأسرة ليست مكاناً لرعاية الفرد ودعمه، بل مكان استعباد وقمع؛ حيث يعود الفرد إلى المجتمع، بلا دور أو مهمة، ليُسيطر عليه كأداة لا قيمة لها.
فإن الأب والأخ والزوج جميعهم ممثلون للنظام، وبطريقة ما، يُعتبر كل منهم عائلة صغيرة ذات دولة وسلطة، فالفرد هو الملكية الحرة الوحيدة لمؤسسة الأسرة، وتُعتبر المرأة ملكية مرتين: الرجل والأخ والزوج يعتبرون أنفسهم مالكين للمرأة، وفي هذا الهيكل، تصبح المرأة سلعة، لأن الملكية تُعرّف فقط بالإنتاج والأشياء المادية وما يمكن إحصاؤه، والمرأة، في هذا الإطار، تُختزل إلى شيء يمكن امتلاكه وإحصاؤه.
ونتيجة لذلك، لم تعد الأسرة مكاناً للحفاظ على كرامة المرأة كشخص مستقل، ففي جوهرها، تصبح الأسرة سجناً حيث يتم فصل أفرادها، خاصة النساء، وفي مثل هذا المجتمع، يتم تمزيق الأسرة والفرد خاصة النساء عقلياً وجسدياً، وتصبح المرأة في النهاية ضحية للعنف والظلم.
لماذا يُعتبر قتل امرأة على يد رجل "مسألة شخصية"، بينما يُعتبر صراخ المرأة من أجل الحرية "تهديداً للأمن القومي"؟
في مجتمع يُنظر فيه إلى المرأة على أنها "ملك للرجال"، يُعتبر حتى قتلها حقاً شخصياً ومسألة خاصة أمام القضاء والقانون، لا تريد الأنظمة الاستبدادية أن ترى المرأة قوة للتغيير والتحول، لأن اعتبارها قوة تحويلية يعني زوال النظام الأبوي، لذلك، تُعتبر كل صرخة وصوت احتجاج من النساء ضد الظلم والقمع وغياب الحقوق، خاصة صوت المناضلات من أجل الحرية، تهديداً، لبنية النظام وأسسه، ومن ثم، تُعتبر هذه الأصوات تهديدات أمنية واجتماعية غير طبيعية، ولا يمنح النظام المرأة حق التصويت لأنها لا تستجب لمطالب الرجال وتخضع، بمعنى آخر، لا تتمتع المرأة "بحق الحياة" إلا إذا التزمت الصمت، ولم تُبدِ أي مقاومة لنظام الهيمنة الذكورية.
أليس الإقصاء المنهجي للمرأة مجرد علامة على جريمة أو سياسة مصممة على إسكات صوتها وقوتها؟
إذا كان مجتمع اليوم مليئاً بالسلوك المفترس والخوف والقمع وأزمة البطالة والمرض وانعدام الحقوق والظلم، فإن جذر كل هذا يعود إلى إقصاء واستبعاد المرأة من أركان المجتمع ومسؤولياتها، حيث تعتمد حرية وتقدم وتطور أي مجتمع على مستوى حرية المرأة وتحررها وحقوقها في ذلك المجتمع.
بمعنى آخر، كلما زادت حرية المرأة في المجتمع وتولت المزيد من المسؤوليات في مؤسساته، زادت الحرية والحقوق والأخلاق التي يتمتع بها المجتمع، وإن إقصاء المرأة عن ساحات النضال الاجتماعي ومن مناصب الإدارة الفعالة وتجاهل قدراتها في مختلف مجالات العمل لا يعني قمع وإسكات أصوات النساء فحسب؛ بل يعني هذا الفعل إسكات وقمع المجتمع بأكمله.
وإن قمع الأطفال وإسكاتهم، وتدمير البيئة، وتلويث الطبيعة، ونشر الأمراض المستعصية، كلها أمور تتم بشكل ممنهج ومخطط له، وإذا عجز المجتمع عن أداء واجباته ومسؤولياته بفعالية، فإن السبب الرئيسي هو اضطهاد المرأة بأشكاله المختلفة، ففي مثل هذا المجتمع، تُهمّش المرأة وتُتجاهل أفكارها وقدراتها الإدارية في إدارة شؤونه، وقد أدى هذا الإهمال للمرأة إلى اختناق المجتمع.
عندما يُطلق القانون سراح القاتل بـ "التعزير" و"القصاص الرحيم"، ألا يكون هو نفسه شريكاً في الجريمة؟
في المجتمع الإيراني والنظام القضائي، تُكتب القوانين أساساً على أساس مصالح الرجال ورغباتهم، والنظام الحاكم نظام أبوي، عتيق الطراز، كاره للنساء، صاغ قوانينه بطريقة لا تخدم إلا أهداف الرجال.
ولا شك أن هذه القوانين وضعها الرجال، وتعمل كلياً وفقاً لمصالحهم ورغباتهم ومتعتهم، هذه القوانين خالية أساساً من الأخلاق والمعنى والروح الإنسانية؛ وكما عرّف مونتسكيو "روح القانون"، فإن هذه القوانين لا تمتّ إليه بصلة، إنها أشبه بقوانين العصور القديمة التي وضعها حمورابي؛ بل يمكن القول إن النسخ الحديثة منها المطبقة في إيران أكثر عنفاً من تلك القديمة.