مجزرة روبوسكي... 14 عاماً مضت ولم تتحقق العدالة بعد
تعتبر مجزرة روبوسكي واحدة من أوضح المؤشرات على كل المجازر التي تعرض لها الشعب الكردي في تركيا، لقد ظل الناس يناضلون لمدة 14 عاماً، من أجل تحقيق العدالة لضحايا هذه المجزرة التي أخفيت فيها كل رموز الدولة في كل جانب من جوانبها.
ساريا دنيز
مركز الأخبار ـ قال أحدهم "الإجهاض قتل، يجب أن يكون هناك 3 أطفال على الأقل"، وتساءل آخر "لماذا يجب أن يتحمل الطفل اللوم على خطأ الأم؟ دع الأم تقتل نفسها"، فيما قال آخر "دعها تلد والدولة ستعتني بها"، أما الكلمة الأخيرة فجاءت على لسان طيب أردوغان، رئيس الوزراء آنذاك، حيث قال "كل إجهاض هو أولوديري"، في تصريحٍ احتوى كل رموز الدولة من الماضي إلى الحاضر، كلمات كثيرة لرجال السياسة في هذا البلد دخلت التاريخ، ولكن لن يكون من المبالغة القول إن أياً منها لم يحدث مثل هذا الجرح في القلوب، تماماً مثل هذا القول، فإن حقيقة أن المجزرة التي ارتكبت في السجون كانت تسمى "العودة إلى الحياة" قد أظهرت بشكل أساسي كيف استخدمت الدولة كلماتها الخاصة.
هذه الكلمات التي أدلى بها رئيس الوزراء في تلك الفترة هي في الواقع ملخص لسبب عدم تسليط الضوء على المجزرة في الذكرى الرابعة عشرة لها.
قُتل 34 شخصاً
في ليلة الثامن والعشرين من كانون الأول/ديسمبر عام 2011، بين الساعة الـ 21:39 و22:24، شهدت تركيا واحدة من أكثر المجازر إيلاماً في تاريخها، حيث فقد 34 شخصاً حياتهم في قرية روبوسكي التابعة لناحية قليبان (أولوديري) في شرناخ، إثر إلقاء القوات المسلحة التركية 4 قنابل على القرويين العابرين للحدود العراقية، لقد كان غالبية أفراد المجموعة المكونة من 38 قروياً من الأطفال، من بين الذين فقدوا حياتهم كان هناك 19 طفلاً لم تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة عاماً بعد.
تم إخفاء المجزرة عن الجمهور
الهجوم الذي قُتل فيه الناس وتُرك الناجون ليموتوا، تم الإبلاغ عن وقوعه لأول مرة في الصحافة الحرة، حيث تم السعي لإخفائها عن الناس لفترة من الوقت، حتى وسائل الإعلام الرئيسية لم تأتي على ذكر وقوع المجزرة خلال ساعات الليل والصباح، حتى أن هيئة الأركان العامة التركية لم تنشر عن المجزرة على موقعها الرسمي إلا في اليوم التالي، وجاء في البيان الأول أنه "تم رصد من خلال صور الطائرات بدون طيار أن مجموعة كانت في حالة تحرك" من العراق إلى تركيا.
وجاء في البيان أن هذه المنطقة كانت تستخدم بشكل متكرر من قبل أعضاء حزب العمال الكردستاني للعبور، ومع ذلك، فإن مسألة الطائرات بدون طيار التي جاءت منها هذه المعلومات الاستخبارية تسببت في نقاشات طويلة الأمد، وبعد فترة طويلة، أوضحت هيئة الأركان العامة أن وقوع المجزرة "خطأ لا مفر منه".
كان هناك أشخاص تجمدوا بسبب عدم توفر المساعدة
كانت جثث من فقدوا حياتهم في المجزرة ممزقة، ولم يذهب أحد إلى المنطقة للمساعدة، لقد حمل القرويون جثث أقاربهم لأميال على البغال ملفوفة بالأغطية، صور تلك اللحظات محفورة في الذكريات. فيما بعد توجهت وفود عديدة إلى المنطقة وتفقدت الأمور، وجاء في تقرير جمعية حقوق الإنسان والوفد المرافق لها، أن من فقدوا حياتهم كانوا يعملون في التجارة الحدودية، كما أشير إلى أن مركز الشرطة قام بتسهيل التجارة الحدودية، خاصة في الآونة الأخيرة، كما أشار التقرير إلى أن بعض المواطنين تجمدوا حتى الموت بسبب انقطاع المساعدة لساعات بعد المجزرة.
"من الخطأ أن نتوقع الاعتذار"
وفي بيانه في ذلك الوقت، قال طيب أردوغان إن عمليات التهريب تتم من قبل مجموعات مكونة من 10 أشخاص كحد أقصى، لافتاً إلى أن ذلك ذكره "بحمل الأسلحة سابقاً مع البغال في مداهمات جيديكتيبي وهانتبه"، وقال المتحدث باسم الحكومة آنذاك، بولنت أرينج، في بيانه بعد اجتماع مجلس الوزراء في الثاني من كانون الثاني/يناير عام 2012، إنه لم تكن هناك نية في ارتكاب الجريمة "سيكون من الخطأ توقع اعتذار رسمي" عن المجزرة، ولكن سيتم دفع التعويضات لأقارب الذين فقدوا حياتهم، وفي شباط/فبراير 2012، عرضت رئاسة الوزراء تعويضات قدرها 123 ألف ليرة تركية للشخص الواحد و4 ملايين و180 ألف ليرة تركية إجمالاً، وبالطبع عائلات الضحايا لم تقبل هذا التعويض.
لم تكن هناك محاكمة عادلة
وفي الإجراءات القانونية، أصدر مكتب المدعي العام في ديار بكر قراراً "بعدم الاختصاص" بشأن الملف المعد بتهمة "التسبب في الوفاة بسبب الإهمال" في الحادي عشر من حزيران/يونيو عام 2013، وأرسل ملف قضية "مجزرة روبوسكي" إلى مكتب المدعي العام العسكري لهيئة الأركان العامة، ولكن كانون الثاني/يناير عام 2014، صدر قرار "عدم الملاحقة القضائية".
وفي تموز/يوليو من ذات العام، قدمت عائلات ضحايا المجزرة طلباً فردياً إلى المحكمة الدستورية (AYM)، إلا أنه المحكمة رفضت الطلبات في الرابع والعشرين من شباط/فبراير بذريعة أن الطلبات بها نواقص، وأنه "لم يتم تصحيح النواقص في الوقت المناسب".
وبعد 6 سنوات من قرار الرفض، في عام 2019، تم تقديم طلب إلى مكتب المدعي العام في ديار بكر الذي أصدر لاحقاً قراراً بـ "عدم الاختصاص" وأرسل الملف إلى مكتب المدعي العام في أولوديري، وفي التاسع من نيسان/أبريل عام 2021، تقدم أهالي الضحايا مرة أخرى بطلب إلى المحكمة الدستورية، وذكر أنه يمكن رفع دعوى قضائية إذا قررت المحكمة وجود مخالفة، ولكن عاودت المحكمة رفض الطلب الذي تقدم به 281 شخصاً من أقارب الذين فقدوا حياتهم في المجزرة، إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
ورأت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنه كان من الخطأ أن يرسل المحامون المستندات التي يُزعم أنها مفقودة في غضون 17 يوماً بدلاً من 15 يوماً. ولم تعقد حتى الآن محاكمة عادلة لكشف حقائق مجزرة روبوسكي.
المقاومة والنضال مستمران
ذكر تقرير لجنة أولوديري الفرعية التابعة للجنة التحقيق في حقوق الإنسان التابعة للجمعية الوطنية الكبرى لتركيا (TBMM) أن ما حدث كان مجزرة ولكنه لم يكن مقصوداً، وقال أعضاء اللجنة الذين شاهدوا اللقطات التي تم التقاطها قبل المجزرة "الصور واضحة للغاية، لقد ماتوا على مرأى من الجميع"، وفي أول تصريح له عن المجزرة، رد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على وسائل الإعلام وشكر الجيش، وجاء في بيانه "كل إجهاض هو أولوديري"، الأمر الذي أثار رد فعل الجميع، كانت زاوية الخطاب هذه وما حدث بعد ذلك مؤشراً على نوع الدولة العقلية التي تم تنفيذها في مجزرة روبوسكي.
بعد مجزرة روبوسكي شهد الشعب التركي العديد من المجازر، وهذه الصورة التي تلخص الحياة والعدالة الممنوحة للشعب الكردي، لا تزال مستمرة حتى اليوم.