ليالي سد تشرين: عقد حلقات الدبكة تحت ضوء النجوم وتحليق الطائرات
إن الشعب الذي يحمل أفكار ومعتقدات حرب الشعب الثورية يمكنه ضمان نجاح الثورة وتغيير ميزان القوى.

سوركل شيخو
تشرين ـ يتحول فصل الربيع بالنسبة لشعب بلاد ما بين النهرين الذين يعتبرون تجدد الطبيعة مصدر إلهام لهم، إلى موسم يتجدد فيه وعد "النضال". كل آذار هو تجديد لوعد المقاومة للشعب الكردي حيث كان مرتزقة الاحتلال التركي يقتربون ويحاولون احتلال سد تشرين، والدخول إلى كوباني والرقة والتوجه نحو احتلال مقاطعة الجزيرة، من أجل إجهاض ثورة 19 تموز وتنفيذ مجازر مثل فرمان 3 آب في شنكال.
كان الخطر يقترب، وصوت صافرة الإنذار يدق ويعلو. إن الشعب الذي بدأ ثورة 19 تموز يعتبر دائماً أن القيادة والريادة وظيفته. لقد توجه أهالي كوباني إلى سد تشرين في 8 كانون الثاني/يناير، وتعرضت قافلتهم لقصف جوي من قبل الاحتلال التركي، ما أدى إلى مقتل وإصابة العديد من الأشخاص بينهم رجال ونساء من المكونات الكردية والعربية.
وعلى مدار 60 يوماً أو شهرين، ونتيجة لهجمات الدولة التركية أصيب أكثر من 270 شخصاً وفقد أكثر من 23 شخصاً حياتهم.
مر شهران من المقاومة وانتهت الليلة الستين بعقد حلقات الدبكة كالمعتاد، وأضفى الناشطون الحماس والدفء على الدبكة دون أن يعرفوا ما هو التعب. أما الصائمون، فيصومون من جهة ويقومون بأداء واجبهم الوطني من جهة أخرى.
تمر حرارة الساعات الأربع عشرة من ساعات النهار وكأنها لحظات قليلة عندما يقف الشعب رجالاً ونساءً بجانب بعضهم البعض ويستمدون القوة من عزيمة وإصرار بعضهم البعض. مئات من الصائمين الذين جمعهم سد تشرين ويعملون بروح جماعية، يفطرون على تمرتين أو ثلاثة ويدعون من أجل النصر وحماية المقاتلين في صلواتهم.
يوثقون لحظاتهم
تمر ليالي سد تشرين بعقد حلقات الدبكة والرقص على أنغام الأغاني الثورية، وعلى ضوء القمر الساطع والنجوم الشاهدة على هذه الحقبة التاريخية. وحتى لا تنسى هذه اللحظات التاريخية، يقومون بتوثيق لحظاتهم السعيدة والتقاط الصور، هذه اللحظات التاريخية ستكون ذكريات الغد حيث سيقول الجميع أنه كان لنا دور في حماية هذا السد والانتصار.
وبالإضافة إلى ذلك يثبت الجميع وجودهم هنا سواء كان ترديد شعار أو عقد حلقات الدبكة، كلها بحد ذاتها تعد مقاومة. إن التواجد على السد وسط تحليق الطائرات الحربية والمسيرات الانتحارية أمر يستحق المشاهدة والكتابة عنه، علاوة على ذلك، اليوم ليس النساء فقط، بل الرجال أيضاً يهتفون بشعار "Jin Jiyan Azadî".
نقطة العبور إلى كوباني والرقة والجزيرة
قالت ليلى حاج حسين إن تواجدها في سد تشرين هو لحماية المكتسبات التي تحققت بدماء مقاتليهم "مياهنا وأرضنا كلها تم انقاذها بدماء مقاتلينا، ونحن هنا اليوم كأمهات لنحميها وندافع عنها. ابني يحمي هذا السد ويدافع عنه في جبهات الحرب بسلاحه وأنا هنا سأحميه بإرادتي، وبقدر أهمية حماية سد تسرين من أجل مياهه وكهربائه، إلا أن حمايته مهمة للغاية من أجل إفشال هجمات الاحتلال أيضاً، حيث يعتبر سد تشرين نقطة الوصل من كوباني إلى الرقة ومقاطعة الجزيرة، ليُسجل هذا اليوم أيضاً في التاريخ، حيث احتفلنا في 8 آذار 2025 بعيدنا في سد تشرين. لم نكن نعلم أننا سنحتفل بهذا اليوم هنا".
وأشارت إلى أنهم في الماضي كانوا يحتفلون بعيدهم سراً في منازلهم بسبب سياسات الضغط والإنكار التي كان يمارسها نظام البعث "سابقاً كنا نحتفل بعيدنا سراً في حدود بيوتنا، أما اليوم فنحن نحتفل على سد تشرين وهذه رسالة للدولة التركية، ومطلبنا هو السلام وليس الحرب، ولكن عندما يهاجمنا أحد ما، فإننا سوف نرد ونقاوم، وعلى هذا الأساس نطالب بوقف هجمات الدولة التركية المحتلة وندعو القوات الدولية إلى إبداء موقف واضح إزاء الهجمات".
"يجب أن يكون هذا الأمر على أجندة القوات الدولية"
وقالت سهام خليل إن "معنوياتنا عالية جداً، وبنفس الوقت في اليوم الـ 60 نجدد وعدنا مرة أخرى بأننا سنحمي هذا السد بدمائنا وأرواحنا وأبنائنا. هذا السد لنا، نحن من نحميه، ولن يأتي أحد من بلد آخر لحمايتنا. تحمي المرأة نفسها وبلدها بقدر ما تستطيع. لن نتخلى عن قضية السد، ومن المهم جداً أن يتم اليوم وضع مخاطر سد تشرين على أجندة القوى الدولية وإيجاد حل لها، ولا يمكن طلب حمايته من هنا فقط".
وعبرت امرأة من المكون العربي، كانت تدبك، عن سبب قدومها إلى سد تشرين بكلمتين "نريد الحرية والديمقراطية".
قالت امرأة أخرى كانت تشارك في الدبكة أيضاً "الدبكة مقاومة بالنسبة لنا، والمقاومة التي تجري هنا تسطر آلاف القصص. طالما أن هناك خطر وتهديد، سنحمي السد هنا. حلقة الدبكة التي ترونها سوف تتوسع أيضاً".
بالهتافات والزغاريد وترديد شعار "Jin Jiyan Azadî " و"المقاومة حياة" وشعارات التي تحيي مقاومة مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة من القلب، تمر لياليهم ويبدأ صباح جديد بآمال جديدة على الرغم من الحرب.
في تاريخ الشعب الكردي، آذار/مارس هو شهر الثورات والانتفاضات والمجازر، لكن في نهايته يأتي عيد نوروز الذي تتأجج معه نار الانتقام عاماً بعد عام.