أمهات في قبضة العنف

الجرائم التي تمارس بحق النساء ليست مجرد "حوادث فردية"، بل هي مؤشر على مشكلة اجتماعية عميقة تحتاج إلى معالجة شاملة على مختلف الأصعدة.

مقال بقلم الصحفية الليبية منى توكا

 

في أقل من شهر، وقعت جريمتان مروعتان في مدينتين ليبيتين، حيث فقدت امرأتان حياتهما على يد أبنائهما. تثير هذه الحوادث تساؤلات بشأن أسباب العنف الأسري المتزايد في ليبيا، وبشكل خاص ضد النساء.

للأسف، غالباً ما يتم إلقاء اللوم في مثل هذه الجرائم على عوامل خارجية مثل المخدرات أو المسكرات. ولكن من المهم الإشارة إلى أن هذه الأسباب لا تمثل إلا جزءاً من المشكلة. العنف ضد النساء في مجتمعنا يرتبط بجذور ثقافية واجتماعية متأصلة، تعزز من التصورات التقليدية التي تضع المرأة في موضع الضعف والرجل في موضع القوة. هذه النظرة قد تسهم في تبرير العنف ضد المرأة، حتى عندما تكون الضحية أماً أو زوجة.

من بين المبررات التي يتم تكرارها في مثل هذه الجرائم الادعاء بأن الضحية "استفزت الجاني" أو أن الجريمة كانت "دفاعاً عن الشرف". مثل هذه الأعذار تساهم في خلق بيئة يُمكن للجاني فيها الإفلات من العقاب. ورغم وجود تشريعات تهدف إلى حماية النساء، فإن تطبيق هذه القوانين لا يزال يعاني من العديد من التحديات، ولا تتم الاستجابة لحالات العنف الأسري بالشكل المطلوب في الكثير من الأحيان.

هذه الجرائم لا تمثل مجرد أعراض لمشاكل فردية، بل هي علامات على خلل عميق في النظام الاجتماعي والقانوني. من الضروري تعزيز التشريعات الخاصة بحماية النساء من العنف الأسري، من خلال فرض عقوبات رادعة ضد مرتكبي هذه الجرائم. ولكن التشريعات وحدها لا تكفي. هناك حاجة ماسة إلى حملة توعية اجتماعية تهدف إلى تغيير المفاهيم المغلوطة حول دور المرأة في المجتمع وتعزيز ثقافة المساواة والاحترام بين الجنسين منذ مرحلة مبكرة.

إذا كان الهدف هو بناء مجتمع أكثر أماناً للنساء، فيجب أن نبدأ أولاً بتغيير النظرة المجتمعية السائدة اتجاه المرأة. علينا تعليم الأجيال القادمة أن العنف ضد المرأة لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال، وأنه لا يوجد مبرر للقتل أو الاعتداء تحت أي ذريعة. كما يجب تحسين آليات الاستجابة القانونية والشرطية لضمان حماية المرأة من أي تهديد أو اعتداء قد تتعرض له، سواء في المنزل أو في الأماكن العامة.

نحن أمام نقطة تحول هامة تتطلب اتخاذ خطوات فعلية نحو إصلاح النظام القانوني والاجتماعي. هذه الجرائم، رغم تكرارها المؤلم، يجب أن تكون دافعاً قوياً للمجتمع والحكومة لاتخاذ إجراءات ملموسة لمكافحة العنف الأسري وتوفير بيئة آمنة للنساء، بعيداً عن أي شكل من أشكال التبرير أو التقاعس في المحاسبة.

في النهاية، معالجة العنف ضد النساء ليست مسؤولية فردية، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب تحركاً من جميع الأطراف، بدءاً من المؤسسات الحكومية وصولاً إلى الأفراد في المجتمع. فالنساء في أي مكان تستحققن العيش في بيئة تحترم حقوقهن وتوفر لهن الأمان والدعم.