"السويداء تحت الحصار والنار"... معرض فني في المدينة المحاصرة
بحضور بارز وملفت للنساء احتضنت مدينة السويداء جنوب سوريا معرضاً فنياً للوحات حول المجازر التي ارتكبت في المدينة على يد جهاديي هيئة تحرير الشام.

روشيل جونيور
السويداء ـ بمشاركة نخبة من الفنانين التشكيليين وبالتعاون مع Nova callery والمهتمين بالشأن الثقافي انطلقت فعاليات المعرض الفني "السويداء تحت الحصار والنار"، أمس الاثنين الثامن من أيلول/سبتمبر، ويستمر لثلاثة أيام.
تنظيم المعرض هدفه نقل معاناة أهالي مدينة السويداء السورية التي تتعرض للحصار من قبل جهاديي هيئة تحرير الشام، بعد الهجوم عليها وارتكاب مجازر بحق أهاليها، ويوثق بالريشة واللون صور الألم والفقدان والدمار، إضافة إلى تخليد الضحايا الذين ارتقوا دفاعاً عن كرامة الجبل.
ولم يكن حضور النساء عادياً، بل كان بارزاً ومؤثراً فالفنانات قدمن لوحات حملت ألم الأم الثكلى والمكلومة والروح التي لا تنكسر رغم الخراب، من خلال أعمالهن، عبرن عن صمود المرأة الدرزية التي فقدت الأحبة والبيوت لكنها ما زالت متمسكة بالأمل، وعن دورها كشاهدة على الألم ورمز للصمود في وجه الظلم. لوحات النساء في المعرض شكّلت صوتاً إنسانياً بوجه القهر، ونافذة أمل نحو بداية جديدة.
"ما زلنا نتنفس ولدينا أمل"
الفنانة هدى دبيسي قالت "بلدنا تعرض لعدوان لم يشهد العالم مثيلاً له، القهر والاعتداءات علينا لم تحصل مع أحد. تركونا جثة هامدة، ورغم ذلك نحن ما زلنا نتنفس، وعندنا أمل أن نرجع أقوى مما يتصورون. نحن مثل السنديان، كلما اقتلعوا منه غصناً يزداد قوة. شهداؤنا غالين علينا، وبدمائهم رسمنا صورنا ولوحاتنا. دماؤهم رفعتنا إلى الأعلى ونحن نفتخر فيهم. لوحاتي كانت توثيقاً بسيطاً".
وتناولت لوحاتها "الأم التي فقدت أسرتها وأُحرق بيتها وسقطت كل أوراق شجرة حياتها، لكنها رغم جلوسها على الأطلال بقي عندها أمل، ولدي لوحة أخرى عن المرأة التي اضطهدت وخسرت خطيبها وحبيبها وابنها، تدمرت حياتها لكنها ما زالت تكتم الألم وتحافظ على الأمل".
"قادرين على النهوض بعقولنا النيرة"
أما سهام العيد التي زارت المعرض قالت أنه "يعبر عن الواقع والحدث الذي نمر فيه، يعبر عن الألم والحزن والمعاناة التي يعيشها الشيوخ، والنساء، والأطفال، وكل من عايش الهمجية التي حدثت فكل لوحة لها حكاية، وكلها حكايات دم وحزن".
وأكدت أنه "رغم ذلك الألم تمكنا من تنظيم المعرض، وأملنا أن نقف من جديد. ومن الطبيعي أن نعبر عن حزننا، لكن يجب أن نبدأ بالإعمار، والإعمار مسؤولية الجميع وأتمنى أن يزهر الأمل من جديد".
وأضافت "ما حدث في السويداء لم يكن هدم للأبنية بقدر ما كان هدم للنفوس، وملاحقة للعقول النيرة. لم يحاربوا من حمل السلاح فقط، وإنما استهدفوا الجميع، وبالأخص عقول شبابنا المثقف، لكن هذا المعرض أكبر دليل على عزيمتنا فرغم المعاناة الكبيرة وخلال فترة قصيرة عبر الشبان والشابات بلوحاتهم، فمهما حاولوا استهداف الثقافة والفن، نحن قادرين على النهوض بعقولنا النيرة وسنبني ما تهدم من جديد".
"النار بوجه من اعتدى والنور بوجه من اهتدى"
كذلك علقت الفنانة سحر مسعود على مشاركتها بالقول أن "النار بوجه من اعتدى، والنور بوجه من اهتدى. الهجمة التي تعرضنا لها كبيرة، ونحن شعب علماني، حضاري، مثقف، أخلاقي، أما الذين هاجمونا جاؤوا من الحضائر ليغزوا الحضارة. لكن حاشا للجبل أن ينكسر، وحاشا للسويداء أن تُذل. نحن صامدين بعقلائنا وشبابنا". وبينت أن "مشاركتي بلوحة عن بداية جديدة، نور جديد، فجر جديد، رغم أنهم أحرقوا الروح. اللوحة شجرة تُعبر عن العطاء"، لافتةً إلى أنه "لم نعتدي على أحد هم من اعتدوا علينا ولم يعرفوا أننا صخرة بوجه الأعداء، ومطلبنا الاستقلال ثم الاستقلال، ومستقبل أولادنا بالعلم والحضارة، ونريد الإفراج عن المخطوفين. بلدنا لا يذل فنحن نتعامل بالإنسانية ولا نظلم، ومهما ظلمنا لا نرد بالظلم".
"خُذلنا لكن لدينا أمل كبير"
فيما ترى حنان الحلبي مستثمرة صالة نوفا التي احتضنت المعرض أن ما حدث في السويداء شكل صدمة للذين حلموا بالأمن والأمان بعد سقوط النظام السابق.
وبينت أنه "خُذلنا لكن لدينا أمل كبير أن تتحسن الأحوال رغم كل بشاعة ما مررنا به، ولا نزال غير مصدقين ما حدث"، موضحةً أنه "انضممنا لهذه المبادرة لنتمكن من تجسيد ما حدث خلال الشهر الماضي، رغم أن ما حدث لا يمكن تجسيد قسوته".
وقالت أن ورشة العمل ستستمر ثلاثة أيام وكل مشارك ومشاركة عبر بطريقته عن ألمه "صورنا لوحاتنا ملطخة بالدماء، ما حدث من جرائم لا يمكن لعقل يستوعبه. ومع ذلك، أثبتنا أننا متحضرون ونحب الثقافة ونعبر بها، وأملنا كبير بالتغيير، وكلنا يد واحدة. شبابنا طموح ويعمل، وهذا المعرض أثبت أن الناس لا تريد العودة إلى الوراء".