مطالب مدنية وسياسية وحدت صفوف الحركة النسوية المغربية

تشكل وعي النخب النسوية المغربية من خلال انخراطهن في تنظيمات يسارية وأحزاب تقدمية، بعضها كان محظوراً مثل منظمة "23 مارس"، وقد ساهمت هذه النخب في تأسيس الحركة النسائية، التي تناضل من أجل المساواة، حقوق النساء، والقضاء على التمييز والعنف.

رجاء خيرات

المغرب ـ أكدت الناشطة النسوية نعيمة أقداد، أن الحركة النسائية المغربية، ليست مجرد تيار اجتماعي، بل حركة حقوقية شاملة، منسجمة في طرحها، ومستمرة في نضالها من أجل تحقيق العدالة والمساواة، مستندة إلى المواثيق الدولية والدستور المغربي، ومؤمنة بأن تحرر النساء هو شرط أساسي لبناء مجتمع ديمقراطي متقدم.

وحدت العديد من المطالب الحقوقية والسياسية صفوف الناشطات النسويات المغربيات، خلال محطات متعددة من تاريخ المغرب السياسي والاجتماعي، ولعل أبرز تلك الحقوق ركزت على المساواة ورفع التمييز ضد النساء ومحاربة العنف وتعديل مدونة الأسرة، مما جعل المنظمات النسوية المغربية منسجمة في طرحها للقضايا وترافعها من أجل تحقيق المطالب المشروعة‫.

واعتبرت الناشطة الحقوقية وعضوة اتحاد العمل النسائي فرع مراكش نعيمة أقداد، أن الحديث عن الحركة النسائية بالمغرب وضمها لمجموعة من الناشطات القادمات من هيئات سياسية يسارية وتقدمية، يقتضي الرجوع للمحطات التاريخية، سواء على المستوى الوطني أو العربي أو الدولي، حيث أنها نشأت في سياق اجتماعي وسياسي متغير تأثر به المغرب على مراحل متعددة من تاريخه السياسي‫.

 

النضال الوطني والدفاع عن تعليم الفتيات

وبالعودة إلى المراحل التاريخية، فقد شهدت المرحلة التي امتدت من 1912 إلى حدود 1956، أي فترة الاستعمار، مشاركة محدودة للنساء واقتصرت على النضال الوطني ضد الاستعمار، حيث ظهرت مجموعة من النساء الوطنيات مثل مليكة الفاسي وهي المرأة الوحيدة التي وقعت على وثيقة المطالبة بالاستقلال، ثم زهور الفاسي وهي مناضلة مستقلة كانت تطالب بتعليم الفتيات، وبالتالي فإن أهداف الحركة النسائية في تلك الفترة كانت ترتكز على محورين أساسيين هما محور النضال الوطني ومحور تعليم الفتيات، نظراً لما كانت تكتسيه قضية التعليم من أهمية آنذاك‫.

وأوضحت أنه بعد ذلك أي خلال الفترة التي تلت الاستقلال، أي من سنة 1956 إلى سنوات السبعينيات، وهي الفترة التي كان المغرب خلالها يعتمد على مدونة الأحوال الشخصية كقانون تشريعي منظم للأسرة، وقد كانت في جل مضامينها تستند على الشريعة والفقه الإسلامي، وقد كانت هذه المدونة محط انتقاد من قبل العديد من الناشطات النسويات آنذاك، واللواتي كن إما مناضلات في حركات يسارية تقدمية تطالب بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة، أو داخل أحزاب وهيئات سياسية تدافع عن نفس القضايا من خلال مشروع سياسي يطمح لمغرب آخر‫، لافتة إلى أن العديد من مقتضيات قانون الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والولاية كانت تؤرق هؤلاء النسويات.

 

جمعيات خرجت من رحم الأحزاب

وفيما يتعلق بالنواة الأولى للجمعيات النسوية المغربية، أشارت إلى أنه خلال فترة السبعينات انبثقت جمعيات مدنية من داخل أحزاب سياسية، مثل رابطة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وهي جمعية مدنية ولدت من رحم حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حيث تم التركيز فيها خلال هذه الفترة على محو الأمية في صفوف النساء وكذلك صحتهن، وانخراطهن في سوق العمل‫.

ولفتت إلى أن هذه الجمعية لم تكن مستقلة بل خاضعة لأجندات سياسية، مما جعل سقف مطالبها محدوداً، ثم جاءت بعد ذلك مرحلة الثمانينيات، وهي تعتبر مرحلة حاسمة في تاريخ الحركة النسائية المغربية، حيث بدأت تظهر مجموعة من الجمعيات المدنية المستقلة عن الأحزاب، مؤكدة أنه كما هو معروف فقد كانت القضية النسائية داخل الأحزاب ثانوية ولا تحظى بالأولوية كما هو الحال بالنسبة للنضال السياسي والديمقراطي، وذلك يهم جميع الأحزاب دون استثناءات‫.

وأضافت "في تلك المرحلة، كانت الأحزاب منشغلة بالإصلاحات السياسية والاجتماعية، فيما جاءت قضية المرأة في المرتبة التالية من الاهتمام، وقد تشبعت الناشطات النسويات آنذاك بأفكار عدد من الكاتبات، مثل سيمون دي بوفوار، والنقاشات الفكرية التي كانت سائدة في فرنسا خلال تلك الفترة، إلى جانب كتابات الدكتورة نوال السعداوي، التي كان لأفكارها تأثير بالغ في تلك الحركات، وكذلك كتابات الكاتبة التقدمية المصرية فريدة النقاش، التي قدمت مشروعاً مجتمعياً محوره المرأة المصرية، بالإضافة إلى مساهمات ناشطات سوريات ولبنانيات مثل لينا بدر وغيرهن، وبالنسبة لي، فقد كنت من الجيل الذي قرأ كثيراً لهؤلاء الكاتبات".

 

إصدار جريدة 8 مارس

في خضم هذا النقاش والزخم الفكري والعلمي الدائر، تم إصدار جريدة "8 مارس‫" من قبل مجموعة من المناضلات التقدميات والحداثيات، بمعية مجموعة من القياديات النسويات في مجموعة من الأحزاب اليسارية كحزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي وهو الحزب الذي أخذ الشرعية سنة 1982، وكما هو معروف فإن جل مناضليه كانوا منخرطين في الحركة اليسارية المحظورة 23 مارس‫‫.

وأوضحت في هذا الإطار ‫"ينبغي ألا ننسى أن جريدة 8 مارس لعبت دوراً هاماً في نشأة الحركة النسائية الحقوقية بالمغرب، حيث أشرفت على إدارتها مجموعة من النساء والمناضلات التقدميات، بعضهن كن معتقلات سياسيات سابقات، من أمثال أيقونة النضال النسوي المغربي لطيفة جبابدي ثم عائشة لخماس ونزهة العلوي وزهور العلوي ومجموعة من الأسماء التي ساهمت في إخراج هذا المولود الصحفي إلى الوجود ووصوله إلى فئة كبيرة من القراء والقارئات، وكذلك لا ننسى أسماء أخرى كوداد البواب ومارية الزويني وهما معتقلتان سابقتان وعضوتا الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب‫".

ولفتت إلى أن إصدار جريدة 8 مارس كان وراء ميلاد جمعية سيكون لها مكانة مهمة وسط النسيج النسوي المغربي وهي اتحاد العمل النسائي تأسس فعلياً في الثاني من آذار/مارس عام 1987، مشيرةً إلى أن الحركة النسائية والحقوقية بالمغرب تشبعت بالأفكار التقدمية والحداثية وآمنت بالمواثيق الدولية، وأنه لا يمكن لمجتمع أن يحقق ما يصبو إليه إلا إذا تحررت نساؤه وأعطيت لهن حقوقهن، وساهمن في بناء المجتمع من خلال الوصول إلى مراكز القرار السياسي والولوج إلى التعليم والصحة.

 

ميلاد جمعيات تقدمية أخرى

وفيما يتعلق بباقي الحركات النسائية المغربية، أشارت إلى أنه خلال ذات الفترة تأسست جمعيات مدنية أخرى تقدمية كالجمعية الديمقراطية لنساء المغرب وكذلك فدرالية رابطة حقوق النساء، لافتة إلى أن العديد من الجمعيات استفادت من تجربة اتحاد العمل النسائي، وهي جمعيات ساهمت فعلياً في تطوير الحركة النسائية بالمغرب.

وأوضحت أن هناك العديد من الناشطات اللواتي انخرطن في الحركة ومن هن منتميات لأحزاب سياسية تقدمية مثل نزهة الصقلي وأخريات ممن ساهمن كثيراً في تطوير الحركة النسائية مثل فوزية العسولي ولطيفة بوشوى وكان لهن دور أساسي في المسار الحقوقي النسوي في المغرب وأخريات كثيرات غيرهما.

وحول انخراط هذه الجمعيات في قضايا حقوقية، أوضحت أن ملف مدونة الأسرة شكل أهم محطة لنضالات الحركة النسائية بالمغرب، حيث تطلب الأمر سنوات من النضال الحقوقي والترافع من أجل التغيير الشامل والجذري لمضامين مدونة الأسرة، التي كانت تستمد تشريعاتها من الآراء الفقهية وتحديداً الفقه المالكي.

وأشارت كذلك إلى أن مطالب كثيرة وحدت صفوف الحركة النسائية المغربية بجميع توجهاتها منها محاربة العنف ضد النساء والفتيات والمطالبة بتعليمهن، كما شهدت هذه الفترة انخراط الجمعيات النسوية في النقاش السياسي العام، بحيث تم الاعتراف بمكونات هذه الحركة كشريك في الحوار الوطني، لاسيما بعد أن عرف المغرب أكبر تظاهرتين كبيرتين من أجل تعديل مدونة الأسرة.

وأكدت على أن الحركة سارت على نفس النهج في الترافع من أجل الحقوق الإنسانية للنساء والمطالبة بالمساواة في الإرث كذلك ورفع كافة أشكال التمييز ضد النساء بدون التحفظ على اتفاقية سيداو، وغيرها من المطالب السياسية والمدينة.

وخلصت إلى أن الحركة النسائية بالمغرب تعد حركة حقوقية شاملة ومنسجمة مازالت تخوض معارك كثيرة من خلال تنسيقية وطنية، وذلك من أجل حصول النساء على كافة حقوقهن التي يكفلها لهن الدستور المغربي (دستور 2011)، وللوصول إلى مراكز صنع القرار.