نائبة عراقية تسحب ترشحها وتكشف التحديات التي تواجه المرأة في السياسة

تواجه العملية السياسية في العراق تحديات تتعلق بالفساد، ضعف الإصلاحات، وغياب الشفافية، مما يؤثر على فعالية الانتخابات والمشاركة الشعبية الحقيقية، لذلك فإن مشاركة المرأة وإصلاح أنظمة الأحزاب السياسية يعدان من الركائز الأساسية لبناء عراق ديمقراطي ومتماسك.

رجاء حميد رشيد

العراق ـ تشكل مشاركة المرأة في العمل السياسي أحد أبرز مؤشرات التقدم الديمقراطي والتنمية المستدامة في المجتمعات، وعلى الرغم من التحديات الاجتماعية والسياسية العديدة، تمكنت المرأة العراقية من فرض وجودها في مختلف مجالات العمل السياسي، خصوصاً في البرلمان، إلا أن التمثيل النسائي في السلطة التنفيذية والإدارية لا يزال دون المستوى المطلوب، ما يعكس فجوة في تطبيق الدستور وتفعيل السياسات التي تكفل تكافؤ الفرص.

 

أسباب الترشح والانسحاب من الانتخابات العراقية

وعن أسباب انسحابها من الانتخابات بعد ترشحها، قالت النائبة السابقة الدكتورة ندى الجبوري، أتحدث عن تاريخ ترشحي منذ عام 2005 حيث شاركت في الانتخابات النيابية الوطنية في العراق، وفزت في دورتَي البرلمان لعامي 2005 و2010، أما في الدورتين اللاحقتين فلم يحالفني الحظ "ترشحت حين كنت ضمن حزب تقدم، وما زلت قيادية فيه، كنت مؤمنة بالعمل الديمقراطي وبالعملية الانتخابية، وأعتقد بإمكانية تغيير خارطة البلد من خلالها، دون عنف أو دماء، هذا جزء من قناعاتنا ومفاهيمنا حول الأمن والسلام الدولي، سواء على مستوى المنطقة أو على مستوى الدولة".

وأضافت "من خلال عملي كمستشارة في عدة منصات تُعنى بالأمن والسلام، وكذلك في إطار قرار مجلس الأمن 1325، جاء ترشيحي للانتخابات عبر الكتلة السياسية (تقدم)  لأكون ضمن المرشحين في الانتخابات المقبلة.

وبينت أنها بدأت تحركها في الشارع من أجل رسم ملامح الحملة الانتخابية، بدءاً من مسح العاصمة بغداد وتسليط الضوء على كيفية بناء الحملة "أطلقنا الحملات الميدانية أولاً، ثم انتقلنا إلى الحملات الإلكترونية. بعد عشرين عاماً من العمل، لاحظت أن للحملات الإلكترونية اليوم دوراً كبيراً، يختلف كثيراً عما كان عليه سابقاً".

وأوضحت أنها قامت بمسح شامل للمناطق التي عملت فيها سابقاً والتي لها فيها حضور فعلي، خصوصاً بين النخبة المثقفة من الزميلات والزملاء، هذه النخبة تضم شخصيات فكرية وإعلامية وفنية وطبية، إلى جانب أساتذة جامعات وموظفين متقدمين في مؤسسات الحكومة "كانوا جميعاً متحمسين لترشيحي، وأكدوا دعمهم وتصويتهم لي".

وتتواجد ندى الجبوري في بغداد وتترأس منظمة "المرأة والمستقبل العراقية"، التي تعمل في الميدان كمنظمة مجتمع مدني، كما أنها جزء من شبكة النساء العراقيات، إضافة إلى شبكات أخرى مثل "المرأة للسلام" وغيرها.

 

التحديات في الانتخابات وشراء الأصوات

وأوضحت أنه خلال فترة الانتخابات، تفاجأت بالوضع الذي وجدته على أرض الواقع حيث كانت المناطق مرهقة، والمعاناة داخل البيوت كبيرة، والمطالب التي يطرحها الأهالي يصعب تحقيقها، سواء كانت مرشحة أو حتى نائبة، كما لاحظت بوضوح تراجع الثقة بين الناخب والمرشح، وفقدان المصداقية في العملية الانتخابية.

وأضافت "صدمت أيضاً حين بدأ الحديث يتزايد داخل المجتمعات المحلية عن شراء الأصوات، وهو ما دفعني للتوجه إلى مناطق أبعد، تلك التي كنت قد عملت فيها سابقاً من خلال منظمات المجتمع المدني. هذه مناطق فتحت فيها مشاغل خياطة، وقدّمت فيها تدريبات لنساء أرامل ومطلقات، وأنشأت فيها عيادات قانونية للدعم النفسي والقانوني، إلى جانب جلسات المشاهدة للأبوين المنفصلين".

في إحدى هذه المناطق، تفاجأت بامرأة تقول لها "نعم، سأنتخبك لأنني أعرفك جيداً، لكن لا أستطيع أن أضمن أن يفعل الآخرون نفس الشيء لأن هناك من سبقك واشترى أصواتهم"، كانت تلك المرأة ربة منزل وتعرفها عن قرب، وأخبرتها أنها رفضت بيع صوتها لأنها كانت تنتظر ترشحها "كلماتها أثرت في داخلي كثيراً، فقد أكدت لي أن هناك نساء كنّ يتواصلن معي قبل فتح باب الترشيح، ويحثنني على الترشح لأنهن يرغبن بالتصويت لي، لكن في نهاية المطاف، ومع وجود من يشتري الأصوات، يبقى تأثير هذا المال أكبر، فحتى لو كان لدي ألف أو ألفين أو ثلاثة آلاف صوت، سيأتي من يتفوق عليّ بالشراء".

 

توظيف الجهود والموارد لصالح المجتمع المدني

وبحسب رؤيتها، قالت ندى الجبوري "فكرت جيداً في الأموال التي ستُصرف خلال هذه الحملة، سواء من جانبي أو من دعم الكتلة السياسية، وبحكم أنني أترأس منظمة المرأة والمستقبل العراقية، وهي منظمة مجتمع مدني، قررت أن أوظف هذه الموارد والجهود في خدمة العمل المدني، من خلال استمرار برامج المنظمة، والإشراف على المشاريع والتقارير، والعمل في فضاء المجتمع المدني محلياً وإقليمياً".

وأوضحت "كما أنني أشغل منصب مستشارة في مجالات العلاقات والسياسة الخارجية في مرحلة حساسة جداً يمر بها مجلس النواب العراقي، ورأيت أن جهودي ستكون أكثر فاعلية إذا وُظّفت في هذا الاتجاه، وبوصفي طبيبة اختصاصية، أفكر بطريقة علمية وعملية، ولا يمكنني إهدار الوقت في معركة نتيجتها قد تُحسم بشراء الأصوات، وليس بسبب ضعف برنامجي أو قلة الدعم الشعبي، فالخسارة في هذه الحالة لن تعني أنني لم أكن مؤهلة، بل الافتقار إلى العمل بمعايير نزيهة".

 

رسالة إلى الأحزاب السياسية وأهمية الهيكلية النسائية

وعن الرسالة التي تود إيصالها للناخبين، تقول ندى الجبوري "تحدثت مع قيادات في عدد من الأحزاب"، مؤكدة على ضرورة التركيز على بناء هيكلية داخلية قوية لأي حزب، سواء كان حزب تقدم أو غيره، قد تكون بعض الأحزاب قطعت شوطاً في تنظيم هياكلها الداخلية، لكن هناك حاجة إلى أمانات عامة واضحة، تشارك فيها النساء بنسبة لا تقل عن الثلث، وبشكل ثابت ومستمر.

من جانب آخر، فإن معظم قيادات الأحزاب ما تزال محصورة بالرجال، في حين يجب أن يكون للنساء دور قيادي فاعل، على الأقل بمنح منصب نائب رئيس حزب لامرأة قادرةعلى تولى هذا المنصب، كما ينبغي تمكين النساء من تطوير قدراتهن، وتدريب الفتيات والشابات على العمل السياسي والمشاركة في الحياة الديمقراطية والانتخابية.

 

نقد بعض الترشيحات غير المؤهلة ودور النائب الحقيقي

وأشارت ندى الجبوري إلى أنها لاحظت خلال فترة الترشيح وجود فتيات صغيرات بين المرشحات "هذا الأمر ليس خطأ من حيث المبدأ، لكن أين الخبرة؟ هذا مجلس نواب وليس وظيفة إدارية أو بداية سلم وظيفي، ترشيح فتيات في بداية مسيرتهن دون تجربة سياسية أو تشريعية كافية، يُعد هدراً للجهود، وللأموال، وللوقت".

وأضافت "رأيت من زميلاتي النائبات من قدمن خدمات ملموسة لمناطقهن، لدرجة يصعب على أي مرشحة جديدة أن تقدم مثلها، ولكن ما يُطرح اليوم من وعود انتخابية لا ينسجم مع الدور الحقيقي للنائب، فرسالتي الثانية أوجهها إلى مجلس النواب العراقي، أن مهام النائب الأساسية هي التشريع والمراقبة، وليست تعبيد الشوارع أو بناء المدارس أو توزيع الحصص التموينية للفئات الهشة، أين دور وزارة العمل؟ وأين أمانة بغداد؟ وأين لجان رئاسة الوزراء؟ هذه المؤسسات تعمل ولديها صلاحيات وموارد، وهي الجهات المعنية بالبنية التحتية والخدمات، لكن رغم ذلك، ما زالت بغداد تعاني من انقطاع الكهرباء وسط حر لا يُطاق".

وبينت أنه "في المقابل، نرى نواباً يسعون لجلب مولدات كهرباء لكسب الأصوات، أعتقد أن هناك خللاً بنيوياً كبيراً، وربما يصعب إصلاحه ضمن هذه الآليات الحالية"، مؤكدة "لهذا السبب، أصبحت غير مؤمنة بالمشاركة في هذا النوع من الحملات الانتخابية، وغير مقتنعة بأن دوري كمرشحة يجب أن يتمثل في تقديم خدمات فردية لكسب الأصوات، واجبي الحقيقي هو أن أكون شخصية قيادية سياسية نسوية، تقف على قدم المساواة مع الرجل، ولكن، للأسف الجميع يعلم أن هذا غير متحقق حتى الآن".

 

غياب تدابير مكافحة الفساد وتأثيره على العمل السياسي

وأكدت "ما كان يجب أن يكون في المرتبة الثالثة، هو في الحقيقة أول ما يجب أن يُطرح، لا أرى حتى الآن تدابير حقيقية وفاعلة في مجال النزاهة ومكافحة الفساد، خلال السنوات الماضية، كنت أتمنى أن أرى إجراءات أكثر صرامة وجدية في هذا الجانب، لأنها تلقي بظلالها على جميع مفاصل الحكومة، سواء في العمل الانتخابي أو النيابي أو التنفيذي".

وأشارت إلى أن غياب هذه التدابير انعكس أيضاً على المؤسسات العسكرية والمدنية، التي ما زالت بحاجة إلى إصلاحات جذرية، وليس فقط إلى محاربة الفساد، بل إلى تعزيز الشفافية المالية وتفعيل مبادئ الحوكمة الرشيدة، التي لم تتحقق حتى الآن، وإن لم تُنفذ هذه الإصلاحات "سنبقى ندور" في نفس الدائرة المغلقة.

وحول قراءتها للمشهد، تقول إن "نفس النخب السياسية ستعود مجدداً، صحيح أن من بينها نخب جيدة وكفوءة، لكن هناك أيضاً من لا يرتقي إلى مستوى مجلس النواب وهذا الأمر بالغ الأهمية لأننا بصدد عملية انتخابية تُنفق عليها الحكومة والمفوضية العليا للانتخابات والجهات الأمنية جهوداً ضخمة، وتُصرف من أجلها المليارات، بينما التغيير الحقيقي يبقى محدوداً، والأخطر من ذلك أن نظامنا الانتخابي الديمقراطي جاء بصيغة هجينة، مبنية على دستور كُتب في ظروف احتلال، ويستحق التعديل، لكن هذا النظام الهجين لم يخضع لأي إصلاحات حقيقية حتى اليوم".

وعن استمرارها في العمل السياسي وإمكانية عودتها للترشح مستقبلاً، أكدت ندى الجبوري أنه "ما زلت أعمل في الفضاء السياسي، وما زلت أُعدّ نفسي سياسية، وأركز عملي في ملفين أساسيين الأول هو ملف السياسة النسوية، وهو من أدق وأصعب أنواع السياسات، لأنه يرتبط بإرساء مبدأ التكافؤ بين النساء والرجال، وينبثق منه استراتيجيات وطنية تعكس هذا التوازن، إلى جانب تشريعات وقوانين تهدف إلى الحماية والرعاية والتمكين. أما الملف الثاني، فهو السياسة الخارجية، وهو ملف بالغ الأهمية والحساسية، خاصة في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة التي شهدتها المنطقة خلال العام الأخير، من صراعات وحروب وتحالفات جديدة، والتي سيكون لها دور في رسم مستقبل العراق السياسي ومكانته الإقليمية والدولية".

وشددت أنه "على الجميع الإيمان بالسياسة النسوية، خصوصاً في مجتمع تُظهر آخر إحصائيات وزارة التخطيط أن النساء يشكلن نصفه، لا يمكن أن تُبنى سياسات دولة بنظرة أحادية الجانب، في حين أن نصف المجتمع لم يُمنح فرصة حقيقية لقراءة القوانين أو صياغتها من وجهة نظر نسوية".

 

التمثيل النسائي في البرلمان والسلطة التنفيذية

وأكدت ندى الجبوري أن المرأة العراقية موجودة في العمل السياسي وفي البرلمان بنسبة تفوق الربع، وهذا النجاح تحقق بجهودها المستمرة، لكنها تشير إلى وجود فجوة واضحة في التمثيل داخل السلطة التنفيذية، التي لم تُحِط المرأة بنسبة لا تقل عن الربع كما هو مفترض دستورياً، وليس فقط في البرلمان.

وأوضحت "لا أقصد فقط عدد الوزيرات، ولكنني أتحدث عن مواقع قيادية حاسمة مثل عميدات الكليات، رئيسات الهيئات، مديرات المستشفيات، والسفيرات، فمثلاً من بين 110 سفراء، لا يتجاوز عدد النساء منهن ثلاثة أو أربعة فقط، كما أن هناك مواقع هامة في الحكومة كان يجب أن تحظى بالتمثيل النسائي، مثل وكيلات الوزارات، والمديرات العامات، ومديرات المستشفيات. هذه المناصب بالغة الأهمية والخطورة، وحتى في المؤسسات العسكرية توجد المرأة، لكنها لا تتبوأ المناصب المتقدمة التي تستحقها".

وفي ختام حديثها، أشادت ندى الجبوري بكتاب رسمي صادر من هيئة الإعلام والاتصال، يُحث فيه جميع المؤسسات الإعلامية على دعم المشاركة السياسية للمرأة في الانتخابات القادمة، مؤكدة أن الإعلام له دور حاسم في تعزيز وتمكين النساء وإبراز مساهمتهن في الحياة السياسية.