'الوجود التركي في العراق تهديد للسيادة الوطنية ويفاقم المشهد الأمني'
أكدت ناشطات عراقيات أن استمرار الوجود العسكري التركي داخل الأراضي العراقية يشكل انتهاكاً صارخاً للسيادة العراقية ويضع علامات استفهام حول الموقف الرسمي العراقي، وقدرته على فرض قراره الوطني بمعزل عن تدخلات الدول المجاورة.

رجاء حميد رشيد
العراق ـ شددت ناشطات عراقيات على أن الوجود العسكري والسياسي التركي داخل الأراضي العراقية تشكل أحد أبرز التحديات التي تمس سيادة العراق وأمنه القومي، إذ تقوم الدولة التركية بتنفيذ عمليات عسكرية متكررة داخل شمال العراق، بحجة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، ما أدى إلى توترات مستمرة مع الحكومة العراقية وانتهاكات متكررة للسيادة الوطنية، كما ساهم ضعف الرقابة المركزية جعل العراق ساحة مفتوحة لتدخلات خارجية وتحركات جماعات إرهابية مثل داعش.
بناء منظومة أمنية قوية
أكدت الناشطة الحقوقية أنوار الخفاجي أن استمرار الوجود العسكري التركي داخل الأراضي العراقية، سواء عبر قواعد ثابتة في شمال البلاد أو من خلال عمليات توغل تحت ذريعة ملاحقة حزب العمال الكردستاني (PKK)، يشكل انتهاكاً صارخاً للسيادة العراقية ويضع علامات استفهام خطيرة حول الموقف الرسمي العراقي، وقدرته على فرض قراره الوطني بمعزل عن تدخلات الدول المجاورة.
وبينت أن الوجود التركي لا يمكن النظر إليه بمعزل عن المشهد الإقليمي، فتركيا تُعيد تموضعها الجيوسياسي ضمن مشروع "العمق الاستراتيجي" الذي يرى في شمال العراق امتداداً لأمنها الداخلي، هذا التحول يعيد إنتاج نمط من الوصاية الإقليمية على العراق، شبيهاً بما مارسته دول أخرى سابقاً ولا يمكن تجاهل أن العراق تحوّل إلى مركز عبور واستقطاب للجماعات الإرهابية، ليس فقط بفعل انهيار المنظومة الأمنية بعد 2003، بل أيضاً بسبب ضعف الحدود، وتعدد الجهات المسلحة، وتنازع السلطات، الأمر الذي سهل تحرك الجماعات الإرهابية كـ داعش وتنظيمات متطرفة أخرى، تحت عناوين متعددة.
وترى أن الحل ليس في المناكفة الدبلوماسية، بل في إرادة سياسية موحدة تعيد تعريف السيادة باعتبارها خطاً أحمر لا يخضع للمساومات، كما يجب بناء منظومة أمنية قوية ذات سيطرة مركزية على الحدود، بالتوازي مع إنهاء فوضى السلاح، وإن السكوت على هذا الوجود الأجنبي وتحول العراق إلى ساحة صراع إقليمي هو بمثابة تآكل مستمر للسيادة، وإضعاف لهوية الدولة، ومساهمة غير مباشرة في عودة الإرهاب تحت أغطية جديدة.
التأثير على العلاقات الإقليمية والدبلوماسية
من جانبها أوضحت نضال جهاد العبيدي رئيسة منظمة الائتلاف العربي للمؤسسات القانونية والتدريبية، أن الوجود التركي داخل الأراضي العراقية، خصوصاً في شمال البلاد، يمثل ملفاً معقداً يتقاطع فيه الأمن، السيادة، والمصالح الإقليمية، إذ تبرر الدولة التركية تدخلها العسكري بحجة ملاحقة حزب العمال الكردستاني، الحجة التي عملت من خلالها على إنشاء عدة قواعد عسكرية ونفذت عمليات توغل جوية وبرية مثل "مخلب النمر" و"مخلب السيف "، إلا أن استمرار وجود تلك القواعد العسكرية التركية والعمليات الجوية والبرية المتكررة داخل العمق العراقي تعد انتهاكاً صريحاً للسيادة العراقية.
وبينت أن العراق يجب أن يتحكم في قراراته الأمنية والعسكرية على أراضيه، ومع التوغل التركي دون تنسيق فعّال أو موافقة رسمية يعكس الوضع حالة من الضعف في بنية الدولة العراقية وقدرتها على ضبط حدودها وحماية أراضيها فوجود قواعد تركية داخل الأراضي العراقية دون اتفاق رسمي يمثل خرقاً واضحاً للسيادة، وهذا يفتح المجال أمام دول أخرى للتدخل بذات المنطق، بالإضافة فأنه يُضعف من قدرة الحكومة العراقية على التحكم بالحدود وفرض القانون في تلك المناطق.
وأضافت إن العمليات العسكرية التركية خلقت فراغات أمنية قد استغلها داعش وغيره من الجماعات الإرهابية المتطرفة لإعادة التموضع، مما أدى أحياناً إلى نزوح السكان المحليين من القرى الحدودية نتيجة القصف أو الاشتباكات، أن تدخل أنقرة قد يعقد المشهد الأمني العراقي.
وأكدت أن الوجود التركي عزز حالة اللااستقرار في بعض المناطق، مما يضر في الأمن القومي العراقي وخصوصاً في شنكال، إذ أن العمليات العسكرية التركية قد تدفع بعض الجماعات الإرهابية مثل داعش إلى إعادة تنظيم نفسها تحت راية مقاومة (الاحتلال الأجنبي)، مما يهدد بإعادة إنتاج الصراع المسلح في هذه المناطق، حيث ترى الدولة التركية أن العراق جزء من مجالها الحيوي، فتسعى إلى تأمين نفوذها في مناطق إقليم كردستان خاصة مع التراجع النسبي للنفوذ الإيراني في بعض المناطق العراقية، إذ تحاول الدولة التركية ملئ هذا الفراغ وبناء محور إقليمي مضاد أو موازن لإيران.
بالمقابل تعمل تركيا عبر دبلوماسية (القوة الناعمة) على عمل مشاريع خيرية وتعليمية وثقافية في الموصل وكركوك، إذ تحاول على استعادة تأثيرها العثماني التاريخي.
وأشارت نضال العبيدي إلى أن وجود تركيا في العراق خارج أي إطار تنسيقي رسمي والذي يُعد خرقاً للسيادة، ويؤثر سلباً على الأمن القومي العراقي، جعل البيئة غير مستقرة داخلياً كما أسهم بشكل غير مباشر في إتاحة الفرصة أمام عودة أو إعادة تشكل تنظيمات مثل داعش، مستفيدة من الفوضى والانقسام الداخلي والإقليمي، فتغيير قواعد اللعبة جعلت من الدولة التركية تتحرك وفق إطار "عمليات عسكرية مؤقتة" وتسعى إلى تغيير قواعد الاشتباك وتحويل إقليم كردستان إلى منطقة نفوذ دائم عبر تفاهمات أمنية واقتصادية.
رصاصٌ على حدود الرافدين
فيما وصفت آلاء الموسوي رئيسة تحرير وكالة "انانا" الاعلامية، أن ما يحصل من قبل الدولة التركية بعبارة رصاصٌ على حدود الرافدين "تركيا والعبث بجسد العراق المثخن، دولة تركيا جارةٌ تطل من الشمال، تمدّ يداً لا للبناء بل للاختراق. تدوس بأقدام عسكرية ثقيلة على تراب الموصل ودهوك وهولير، وكأن دمنا العراقي أرخص من أن يُحفظ، وكأن سيادتنا وشاحٌ يُنزع بقرار أنقرة! كل طلقة تُطلق، وكل غارة تُشن هي طعنة جديدة في خاصرة الوطن، السيادة ليست كلمة تردد في مؤتمرات، السيادة هي أن تظل رايتك خفاقة فوق كل شبر من أرضك، دون أن يخترقها غريب بغير إذنك".
وأكدت "لقد تحولت مناطقنا الحدودية إلى ساحة حربٍ مفروضة، والضحايا؟ أبناؤنا الأبرياء، فلاحو حقولهم، أطفال لعبهم، دماء تسيل، وبيوت تتداعى، وأسر تشرد، وكل ذلك تحت ذريعة "أمن تركيا"، فأين أمن العراق؟ أين احترام حرمة الدم العراقي؟".
وأشارت إلى أن "هذا الاحتلال المقنع، يُضعف سيطرة الدولة على مناطقها، ويُحدث فراغاً أمنياً قاتلاً، حيث ولد "داعش" من رحم الفوضى؟ اليوم، ها هي المناطق الحدودية المتوترة، المثقلة بالتدخلات الخارجية، تتحول مرة أخرى إلى مرتعٍ للمجموعات الظلامية، فالفوضى تلد وحوشاً، والتدخل الأجنبي هو حاضنة هذه الفوضى، كيف ننتظر استقراراً وأمننا القومي يُخترق يومياً؟ كيف نطهر أرضنا من الإرهاب ودبابات الجارة تزرع الرعب وتشطر الأرض؟".
ولفتت إلى أنه "إننا لسنا ضد جار، ولسنا أعداءً لتركيا، نحن ضد التدخل، ضد انتهاك الحرمة، ضد تحويل أراضينا إلى ساحة معارك لم نختارها، دماؤنا ليست ثمناً رخيصاً لأجندات خارجية، وترابنا ليس رقعة شطرنج".
واختتمت آلاء الموسوي حديثها بنداء من أعماق الرافدين "السيادة ليست تفاوضاً، السيادة خط أحمر، أيها المجتمع الدولي، أين ضميرك؟ أين ميثاقك الذي ينادي باحترام سيادة الدول؟ أما أنتم في أنقرة، فاسمعوا صوت العراق كفاكم عبثاً بأمننا، كفاكم استخفافاً بحياتنا، لقد لن نسمح لأنفسنا أن نتحول إلى مسرح حربٍ آخر، ولا إلى حاضنةٍ للفوضى من جديد".