مقاربة ما بين السودان وسوريا... الحركات الجهادية تهدد الديمقراطية وبناء الدولة المدنية
شددت ناشطات سودانيات على أهمية التضامن النسوي لمواصلة النضال ضد محاولات تغييب النساء من المشاركة في مواقع اتخاذ القرار وتمكينهن في إدارة الشأن العام وإشراكهن في كافة مراحل التفاوض وبناء السلام في كل من سوريا والسودان.
سلمى الرشيد
السودان ـ في إطار المقارب والمقارنة بين الأوضاع في كل من السودان وسوريا هنالك أوجه تشابه من حيث التاريخ السياسي للبلدين والتدخل التركي وسيطرة الجهاديين وتشكيلهم حكومة تقمع حرية المرأة.
أوضحت الناشطة الحقوقية والباحثة في قضايا التنمية والسياسات البديلة نعمات كوكو، أن سوريا تمتلك منظمات مجتمع مدني قوية وأن المناضلات في إقليم شمال وشرق سوريا لعبن دور كبير في تماسك تجربة الإدارة الذاتية وعملن على تأسيس نظام متقدم فيما يتعلق بحقوق النساء وحمايتهن عبر نظام الرئاسة المشتركة وهذا الجهد عمل على تجسيد المساواة على كافة المواقع في وضع السياسات واتخاذها، ووصفتها بأنها تجربة تستحق الدراسة والتعامل معها لو طبقت في سوريا بأكملها.
وأضافت "وضعنا في السودان مختلف نسبة لفكرة التعددية داخل الحراك النسوي السوداني وهنالك اشتراك في المصلحة الحقيقية والمصلحة في الدولة المدنية الديمقراطية"، مؤكدة على استعداد الحركات النسائية السودانية للتضامن مع الحركة النسائية في سوريا بكل ما تملكن من قدرات ومساهمات من أجل خلق تضامن على مستوى المنطقة وعبر منظمات نسائية ومجتمع مدني.
وأشارت نعمات كوكو إلى أنها في غالب الأحيان تقوم بمشاركة بيانات الحراك النسائي السوري بجانب مشاركتها في ندواتهن، لافتةً إلى أنها على المستوى الشخصي استفادت كثيراً من هذه التجربة، ودعت إلى ضرورة تعميم تجربة الحراك النسائي في إقليم شمال وشرق سوريا حتى يشمل سوريا بأكملها وبذلك يكون هناك نموذج في المنطقة يساعد في الوصول إلى المزيد من المكتسبات.
وقالت إنه بعد أن هبت رياح ربيع الشعوب وخلقت توازنات قوة جديدة تم التوافق على المرتكزات الوطنية التي كان يمكن أن تساعد في إحداث تحول مدني ديمقراطي يعبر عن التعددية الاثنية والدينية والسياسية في سوريا ولكن بطبيعة نظام حكم الأسد الشمولي أدى إلى التغاضي عن التطورات التي حدثت في سوريا، بالإضافة إلى توازنات القوة التي ظهرت بعد ربيع الشعوب مع إصراره في الحكم وفق النظام الشمولي وكان له رد فعل عنيف جداً.
وأضافت "جميعنا شاهدنا قمع الحراك الوطني الديمقراطي هذا أنتج بالمقابل الحركة الإسلامية المتشددة. نظام الإسلام السياسي لا ينمو ولا يستطيع أن يعيش وينظم نفسه إلا في ظل نظام شمولي ديكتاتوري وبالتالي القبضة الأمنية لنظام بشار الأسد كانت بمثابة النتيجة الطبيعة لهذا النظام وأدت إلى نمو التيار الإسلامي المتشدد سوى كان من داعش أو الحركة الجهادية أو من استرجاع حركة الإخوان المسلمين".
وأوضحت نعمات كوكو أن "تحويل الحركات الجهادية إلى جناح عسكري لم يتم وفق لقدراتهم الذاتية وهنا يظهر دور العامل الخارجي متمثلاً في تلقيهم دعم كبير جداً من تركيا في إطار "السنة ضد الشيعة" وتلقوا دعم من أمريكا، حيث كانت أمريكا تقوم بتسليح الجهاديين ضد إسرائيل بغرض الوصول للسلطة وهذا يعني قفل جبهة النضال في اتجاه قفل قضية الشعب الفلسطيني بجانب حماية للحدود ما بين سوريا واسرائيل وهذا يؤكد أن مسألة التدخل الخارجي تم وفق تنسيق عالي ما بين تركيا وأمريكا والشاهد على ذلك تدفق كميات السلاح التي وصلت للجهاديين كان يفوق قدرات نظام الأسد وهذا هو العامل الرئيسي الخارجي الذي لعب دور كبير في انهيار نظام الأسد، بالإضافة إلى انسحاب إيران من سوريا بعد ضربة حزب الله في جنوب لبنان".
وأكدت أن هذا لا ينفي صمود ومقاومة الشعب السوري لنظام الأسد ونضال وصمود القوة الوطنية والديمقراطية في أن تبحث عن البديل الذي يمكن أن يساهم في بناء سوريا تعددية، تحفظ للجميع حقهم داخل بلادهم، مشيرةً إلى أن مخاوف الدولة التركية تكمن في تواصل الكرد الذين أسسوا نظام إدارة ذاتية متميز جداً ويوفر حقوق للنساء متساوية حتى على مستوى المشاركة، واصفته بأنه يعتبر نموذج حال ما تم التشاور حوله مع القوى الوطنية الديمقراطية داخل سوريا.
المجاهدين المتعسكرين
وعن وجه الشبه بين وصول المجاهدين المتعسكرين للسلطة عبر الدعم الخارجي، قالت نعمات كوكو إن هذا يحقق وجه التشابه بين ما حدث في السودان من حيث تدفق كميات السلاح من تركيا وروسيا وإيران نفسها في سبيل ضرب المسار الديمقراطي منذ انتفاضة أبريل 1985 وجهزت الحركة الإسلامية نفسها للانقضاض على الحركة الديمقراطية.
ولفتت إلى أن المشترك ما بينهم الفكرة في استعادة النظام الديكتاتوري الأمني باسم "الإسلام السياسي" في السودان، وباسم "الجهاد الإسلامي" في سوريا بعد انهيار نظام الأسد، ووصفتهم بأنهم يتبنوا نهج غير ديمقراطي فيه تمييز في حقوق المواطنة "وصول الجهاديين إلى السلطة قد يكون أشبه بما حدث بأفغانستان وهذا أمر مقلق، بعد تسلم طالبان الحكم وضربت الحقوق بالنسبة للحركة النسائية الأفغانية بالرغم من نضالها الطويل والمستنير".
وتحدثت الناشطة النسوية غادة مكي حول المقارنة بين الوضعين السوري والسوداني والجهاديين حيث قالت إن قيام دولة دينية تتعارض مع حقوق المرأة ومنهج المساواة أو تحقيق المساواة لأن الدولة الدينية تصطدم تماماً بأوضاع النساء وبمنظومة الحقوق الإنسانية للنساء.
وأوضحت أن تجربة داعش في سوريا مجربة فما فعلوه وما فعله نظام "الإسلام السياسي" في السودان، ولكن باختلاف طبيعة الشعب السوداني الرافض لفكرة داعش استطاعوا التأثير عن طريق القوانين والسياسيات والتشريعات مما أثر على الحريات بشكل عام وأوضاع النساء بشكل خاص.
وأشارت غادة مكي إلى رفض الاتحاد النسائي السوداني التدخل التركي بجانب غالبية الحركة المدنية والسياسية في السودان لأنه وبالتأكيد سوف يؤدي إلى قيام حكومتين فالتقسيم وارد لأن الدولة التركية لديها تجربة في ليبيا حيث تدعم غرب ليبيا وشرقها تحت مجموعة اللواء حفتر.
وأكدت أن بناء على ذلك فأن الطرفين سواء كانت تركيا أو السودان هم حريصين لعدم وقف الحرب والخيار الوحيد بالنسبة لهم هو تقسيم السودان بدعم تركي على أساس أن تكون هناك دولة غرب السودان بقيادة قوات الدعم السريع ودعم الإمارات وحكومة شرق السودان عموماً أو ما يسمى بالمناطق الآمنة بما فيها الأجزاء الشمالية من السودان تحت قيادة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية والجيش بقياداته الإسلامية بدعم من تركيا.
المقاومة النسوية
وعن المقاومة النسوية في كل من السودان وسوريا، قالت غادة مكي إنه لدى سوريا يوجد مثال وهو أن النساء في إقليم شمال وشرق سوريا نظمن أنفسهن في أشكال مقاومة مختلفة وحافظن على منظومة الحقوق ومنهج الإدارة الذاتية الديمقراطية، وبالتالي وهن في نضالهن أردن أن تنقلن هذا الإرث إلى أنحاء سوريا في محاولتهن في تشكيل مجموعات نسائية متشابكة مع بعضها البعض لمقاومة أي تطور لاحق في الوضع السوري بعيد عن النموذج الديمقراطي الذي يحمي كافة الحقوق للمواطنين بما فيها حقوق النساء.
أما فيما يتعلق بالمقاومة النسائية السودانية هي مقاومة لوقف الحرب "نحن لسنا في مرحلة بناء الدولة المدنية الديمقراطية بل وجدنا أنفسنا في النضال لوقف الحرب وبناء السلام وهو الذي يفتح الطريق لاستعادة الثورة". وتوجد مجموعات نسائية كثيرة ونشطة تعمل في الحملات ضد العنف والإعلام.
وأوضحت غادة مكي أن "دور المقاومة في سوريا في ظل سقوط نظام حزب البعث أخذت شكل مقاومة سياسية نستطيع أن نقول إنها عملت من أجل توسيع قاعدة الإدارة المدنية الديمقراطية"، بينما في السودان المقاومة حالياً تتجه في اتجاه حماية الحياة نفسها وهذا هو الفرق في السياقات ما بين سوريا والسودان.
ولفتت إلى أن رفض التدخل التركي جاء من منطلق أنه يعمل على دعم الإسلام السياسي والذي عانت منه المرأة السودانية خلال الـ 30 عاماً السابقة من حكم عمر البشير، وعانت منه في فض الاعتصام وأثناء الحروب والنزاعات خاصة في مناطق تعتبر مناطق لصراعات جهوية وأثنية وعرقية.
مصالح دولية متناقضة
وحول ما يحدث في سوريا من تدخلات دولية، قالت الناشطة السياسية والحقوقية ماجدة صالح إن هذه التدخلات جاءت وفقاً لمصالح هذه الدول المتناقضة (تركيا روسيا أمريكا إيران) فقد يُفرض أحد الحلول التي لا تمانع من تسهيل صعود لجهات سياسية إلى الحكم (طبقة إسلامية يسهل ترويضها لتطابق المصالح)، وأن أفغانستان تعد نموذج أسبق.
وأوضحت أن هذه التسويات التي نتجت عن تدخلات دولية أدت إلى غياب الرؤية فيما يتعلق بأوضاع النساء والفتيات وحقوقهن، مؤكدة أنه "ما لم تتضافر جهودنا كنساء بالترتيب والالتفاف حول أجندة نسوية مشتركة في مواجهة هذه التدخلات التي تتم أحياناً تحت دعاوي إنسانية ودعاوي فرض السلام ويجب ألا يعول عليها بل على العكس في أغلب الأحوال تعمل على تعزيز مخاوف التقسيم وعدم الاستقرار وتتضاعف هذه المخاوف على أوضاع النساء والفتيات".
في السودان
وأشارت ماجدة صالح إلى أن الجهود الدولية فيما يتعلق بالنزاع الدائر في السودان ظلت متواضعة مقارنةً بما انتجه هذا النزاع من أوضاع مأساوية من قتل وتشريد ونزوح الملايين وانتهاكات كارثية جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم اغتصاب واختفاء قسري ومعاناة مواطنين عزل تدهورت أوضاعهم الإنسانية حد الموت جوعاً وعطشاً.
وترى أن الأزمة في السودان تستدعي حلاً داخلياً في المقام الأول يوجب وحدة القوى المدنية والسياسية تشارك فيه النساء بصوتهن الراجح الناتج من مواجهة ما تعرضن له من انتهاكات ومعاناة تُغلِب فيه المصلحة الوطنية وفق إرادة شعبية تُبرز صوت مدني قوي لوقف النزاع ومن ثمة التوافق على مستقبل سياسي يضمن وحدة السودان ويواجه خطر التقسيم ويعمل على مواجهة نعرات الكراهية والقبلية والعنصرية، داعية إلى الاستفادة من الدروس التاريخية القريبة التي يجب أن نستحضرها، والإقرار أن أي تحول أو انتقال لا يستجيب لحقوق النساء هو تحول منقوص ومحكوم عليه بالفشل.
التضامن النسوي
وأكدت الناشطة النسوية ماجدة صالح أن التضامن النسوي يعتبر مواصلة النضال ضد محاولات تغييب النساء من المشاركة في مواقع اتخاذ القرار وتمكينهن في إدارة الشأن العام وإشراكهن في كافة مراحل التفاوض وبناء السلام للوصول إلى التمكين السياسي واشترطت تنفيذ أجندة النساء في الأمن والسلام فيما يخص الحماية والمساءلة من خلال تقديم الجناة للعدالة لضمان عدم الإفلات من العقاب.
وأوضحت أنه على المنظمات أن تقوم بدور جاد في حفظ السلام والأمن الدوليين وتعزيز حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وألا يتحكم في قراراتها الدول تارةً بحجب التمويل وتارة باتخاذ حق الفيتو وأن تُغيّر من كيفية اتخاذ القرار فيها بما يضمن العدالة في قراراتها.