باحثة تونسية: التضامن النسوي منصة ابتكار تفتح آفاقاً جديدة للنساء لتكنّ صانعات للتغيير
دعت أستاذة الفلسفة والباحثة التونسية حذامي محجوب، المجتمع النسوي إلى تكثيف الجهود والعمل على منع الاقتراب من مكتسبات السوريات بمختلف هوياتهن، مشددة على ضرورة التضامن النسوي بوضع رؤية شاملة لتحقيق العدالة.
زهور المشرقي
تونس ـ تمرُ سوريا بمرحلة حرجة منذ تسلم جهاديي هيئة تحرير الشام السلطة منذ أكثر من شهر، وخلق ذلك مخاوفاً حقيقية لدى النساء من إقصاء مدروس وتحجيم أدوارهن في المجتمع وحرمانهن من بعض حقوقهن.
قالت أستاذة الفلسفة والباحثة التونسية حذامي محجوب، إن النساء السوريات اللواتي ناضلن لسنوات طويلة لتحقيق مكاسب على صعيد الحقوق يبدو أنهن تواجهن اليوم تهديداً يعيدهن إلى الهامش ويقلص من فرص مشاركتهن في الحياة العامة.
واعتبرت أن التصريحات الصادرة مؤخراً عن هيئة تحرير الشام تشير إلى احتمال فرض قيود على عمل المرأة وحريتها، مما قد يؤدي إلى عزلها عن المناصب القيادية وتحجيم دورها إلى أدوار تقليدية، هذا الواقع الجديد يهدد بشكل مباشر المكاسب التي حققتها النساء باختلاف هوياتهن خلال العقود الماضية في مجالات التعليم والعمل والإعلام والمشاركة السياسية، وهو ما يجعل الحاجة ملحة إلى دعمهن في هذه المرحلة الصعبة.
وأكدت أن الدعم الدولي يجب أن يتضمن الضغط على الجهاديين للالتزام بحقوق النساء وفق المعايير الدولية، إضافة إلى تقديم الدعم المباشر للمنظمات المحلية النسوية التي تعمل على تمكين المرأة وحمايتها من التهميش، كما أن الإعلام مطالب بتسليط الضوء على التحديات التي تواجهها النساء السوريات لضمان إيصال أصواتهن إلى العالم، مع توفير منصات آمنة تتيح لهن التعبير بحرية عن مخاوفهن وتطلعاتهن، علاوة على أن الحفاظ على حقوق المرأة السورية في ظل هذه المرحلة الحرجة يتطلب جهداً مشتركاً بين النساء أنفسهن والمجتمع المدني والمنظمات الدولية لضمان أن تكون المرأة جزءً لا يتجزأ من مستقبل سوريا، أي ضمان مشاركتها في صنع القرار، حيث أن أي إقصاء لها يعني فقدان المجتمع السوري فرصة أساسية للنهوض والتقدم.
وشددت على ضرورة التضامن النسوي، مؤكدة أنه أكثر من مجرّد دعم متبادل بين النساء، إنما هو رؤية شاملة لتغيير بنية المجتمعات وتحقيق العدالة الاجتماعية التي تشمل الجميع، معتبرة أن أهميته تنبع من كونه حجر الزاوية في بناء عالم أكثر إنصافاً، حيث يمكن للنساء أن يلعبن دوراً محورياً في حل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية "التضامن النسوي لا يعني فقط مواجهة الظلم القائم، بل بناء واقع جديد يتيح للنساء المشاركة الفاعلة والإبداع".
وقالت إن التضامن النسوي ليس مجرد حركة تقليدية للدفاع عن الحقوق، بل يمكن أن يكون منصة ابتكار وإبداع تفتح آفاقاً جديدة للنساء لتكنّ صانعات للتغيير لا مجرد مستفيدات منه، ومن المهم أن تتم إعادة صياغة مفهوم التضامن بحيث يصبح أسلوب حياة يومي يعكس قوة النساء في تحسين العالم وتحقيق التقدم للجميع.
وعن الاتهامات الموجهة للنسوية في سوريا والتي مفادها بأنها أصوات تعمل على تدمير عقلية النساء، أوضحت "كما في مناطق صراع أخرى، تُعتبر حقوق النساء ضحية لانتهاكات متعددة سواء كانت مرتبطة بالقتل، والتهجير، أو الاستغلال الجنسي، فضلاً عن تهميش دورهن في عملية اتخاذ القرار، هذا الواقع يجعل النساء يواجهن تحديات معقدة على عدة مستويات، بينما تُهاجم النسوية في بعض الأحيان باعتبارها فكراً يهدد القيم الاجتماعية التقليدية. يُعتقد أن النساء اللواتي تطالبن بحقوقهن يتحدين بذلك القيم الثقافية الراسخة، وهو ما يُعتبر في نظر البعض تهديداً للترابط الأسري والهيكل الاجتماعي".
وأضافت "لكن، إذا نظرنا بعمق إلى هذه الاتهامات، نجد أن النسوية ليست ضد استقرار الأسرة في جوهرها، بالعكس، تهدف النسوية إلى تمكين النساء، مما يعزز من استقرار الأسرة على المدى الطويل، عندما تحصل النساء على فرص متساوية في التعليم والعمل والمشاركة السياسية، فإنهن يتمكن من توفير بيئة أفضل لأسرهن وأطفالهن".
وذكرت أنها كأستاذة فلسفة وكاتبة، تعتبر أن حقوق النساء ليست قضية منفصلة عن باقي حقوق الإنسان، بل هي جزء لا يتجزأ من منظومة حقوقية شاملة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحريات الأساسية مثل حرية التفكير والتعبير، الحق في العدالة، حق الأقليات وحرية الضمير في المجتمعات التي تحترم وتطبق هذه المبادئ، يتم تأمين حقوق النساء بشكل طبيعي، حيث لا يُنظر إليهن كمجموعة متفرقة بل كأفراد متساوين في الحقوق والواجبات، وعلى النقيض من ذلك، في المجتمعات التي تنتهك هذه المبادئ، تُعاني النساء من تهميش وظلم، ويُحرمهن من الفرص المتساوية في مختلف المجالات.
وأشارت إلى أن تعزيز الديمقراطية وحماية حقوق الأقليات هي ضمانات أساسية للتمتع بحقوق النساء بشكل كامل، حيث تتكامل هذه الحقوق في سياق واحد يضمن المساواة والعدالة للجميع، لافتةً إلى أن سوريا ستعود إلى مجدها بفضل صمود ومثابرة وإصرار السوريات والسوريين.
وبالعودة لتونس وتضاعف نسب العنف ضد النساء، رغم وجود قانون لمكافحته، قالت حذامي محجوب إنه لفهم أي ظاهرة اجتماعية، يجب النظر إلى السياقين السياسي والثقافي المحيطين بها، في السياق السياسي، يبدو القانون خطوة إلى الأمام، لكنه يواجه عراقيل في التطبيق بسبب ضعف المؤسسات وغياب الإرادة السياسية الحازمة لضمان تنفيذه، حيث أن الحكومة تعاني من أزمة في فرض سيادة القانون على أرض الواقع، مما يجعل النصوص القانونية أحياناً أدوات رمزية أكثر منها عملية.
أما في السياق الثقافي، فإن العقليات السائدة لم تتطور بنفس النسق الذي وضعت به القوانين، إذ يبقى المجتمع التونسي أسير منظومة أبوية تعيد إنتاج قيم تشرعن العنف وتبرر سيطرة الرجل على المرأة، سواءً في الفضاء الخاص أو العام، مفسرة ذلك بأن "الفضاء العام في تونس نفسه يعاني من العنف كظاهرة بنيوية تتجلى في الخطابات والممارسات اليومية، ما يخلق بيئة تزيد من هشاشة القوانين وتعيق تطبيقها، هذا التناقض بين القانون والمجتمع يجعل من الصعب الحد من العنف ضد النساء، لأن الفضاء العام، بما فيه من توترات سياسية واقتصادية، يكرس العنف كأداة للتعبير وحل النزاعات، مما يؤثر سلباً على العلاقات الاجتماعية ويدفع نحو استهداف النساء باعتبارهن الحلقة الأضعف، على حد تعبيرها.
وتابعت "للتصدي لهذه الظاهرة، لا يكفي إصدار القوانين بل يجب العمل على تغيير العقليات بشكل جذري من خلال التعليم والإعلام وبرامج التوعية التي تستهدف تفكيك القيم الأبوية وتعزيز ثقافة المساواة، كما ينبغي إعادة تأهيل الفضاء العام ليكون مجالاً خالياً من العنف، وهو ما يتطلب مواجهة العنف السياسي والاقتصادي الذي يعزز عدم الاستقرار. كما أن ربط القانون بالواقع يمر عبر توفير آليات تطبيق مرنة وفعالة، مثل تعزيز دور القضاء، تدريب أجهزة الأمن، ودعم مراكز الحماية للنساء، مما يضمن تحويل النص القانوني إلى واقع ملموس".
واكدت على أهمية إشراك المجتمع المدني، والمؤسسات التعليمية، والإعلام في هذه الجهود لضمان تأثير أوسع ومستدام، وفي النهاية، نجاح هذه الإجراءات يعتمد على مدى تكاملها مع سياسات وطنية شاملة تركز على الوقاية والتدخل وإعادة الإدماج، بدلاً من الاكتفاء بالحلول المؤقتة، وفق تصورها.
ولتغيير هذا الوضع، لفتت إلى أن يكون بالتركيز على التنشئة الاجتماعية وتغيير المفاهيم الثقافية التي تروج للتمييز ضد النساء "التعليم والإعلام هما الأداة الأقوى في هذه العملية، حيث يمكن من خلالهما نشر الوعي بحقوق المرأة وبأهمية تمكينها في جميع المجالات، وبالتوازي مع ذلك، يتعين على الحكومة التونسية العمل على تطوير سياسات اقتصادية تركز على زيادة فرص العمل للنساء وتوفير بيئة عمل تشجع على المساواة بين الجنسين، وفيما يتعلق بالمجال السياسي، يجب العمل على تمكين المرأة من الوصول إلى مواقع صنع القرار وتوفير آليات تسهل مشاركتها الفعالة في العمليات السياسية".
في ختام حديثها، أكدت حذامي محجوب على ضرورة كسر التمييز ضد النساء وهو أمر لا يتطلب فقط قوانين عادلة، بل يتطلب تغييراً جذرياً في الثقافة السائدة وتحقيق مساواة فعلية في الفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.