إقصاء وتهميش المكونات والنساء... ممارسات نظام البعث بصبغة إسلامية راديكالية
الإسلام السياسي الذي ينتشر في سوريا يقوم بقتل وتهجير المكونات الموجودة في سوريا وإقصاء المرأة من العمل السياسي، ويكتفي بمنح منصب أو اثنين لنساء لإرضاء المجتمع الدولي.

يارا الخليف
الحسكة ـ النساء اللواتي قدن الثورة السورية على مدار 14 عاماً قادرات على قيادة سنوات أخرى لأنهن لا يقبلن بجزء من الديمقراطية بل تسعين لتحقيق الديمقراطية بجوهرها الحقيقي، ولا يقبلن بتمثيليتهن بأقل من 50 بالمئة، وعلى ذلك رفضن سياسات الحكومة المؤقتة التي تقصي النساء والمكونات السورية من مستقبل سوريا.
أثر تعيين الشابة زهرة برازي ذات الأصول الكردية في منصب نائبة وزير الخارجية السوري جدلاً في الأوساط الكردية، معتبرين أن هذه الأساليب نوع من سياسة جهاديي هيئة تحرر الشام لتلميع صورة حكومتها على أنها ذات فكر ديمقراطي وتصون حقوق كافة المكونات.
وأكدت ناشطات بأن هذا لا يلبي تطلعات الشعب الكردي ولا تطلعات النساء مشددات أنهن لا يرضين بجزء من الديمقراطية بل تطالبن بديمقراطية حقيقية وجوهرية تتمثل بالقوانين والدساتير وليس بتعينات فردية وشكلية.
وعلقت الناطقة باسم لجنة التدريب في مؤتمر ستار بإقليم شمال وشرق سوريا آهين علي على السياسة التي يتبعها جهاديو هيئة تحرير الشام في دمشق واصفة إياهم بـ "حكومة الأمر الواقع" موضحة أن "سقوط حكومة البعث زرع الأمل في قلوب السوريين ومن بينهم الكرد، لأن السوريين في كافة المدن بمختلف طوائفهم ذاقوا الويلات في حقبة سيطرة حكومة البعث من الذهنية الطائفية والعنصرية، وأحادية اللون والحزب واللغة، رغم معرفة الجميع بتوجه ذهنية هيئة تحرير الشام الذي صعد للسلطة كان هناك نوع من التفاؤل بالتغير، لأن المجتمع لم يعد يستطع العيش بلون واحد في ظل تنوع الثقافي يسود البلاد".
وبينت أنه مع تعين أحمد الشرع "الجولاني" رئيساً للجمهورية أختلف الأمر "امتداد الفترة الانتقالية من ثلاثة أشهر إلى 6 أشهر ومرة أخرى لمدة 5 سنوات أثار قلق المجتمع السوري، ولكن الاتفاق الذي وقعته الحكومة المؤقتة مع قوات سوريا الديمقراطية اعتبرناها بشائر خير، حول صياغة دستور ديمقراطي وصون حقوق كافة المكونات، ولكن لم يتم الالتزام بهذا الاتفاق من قبل هيئة تحرير الشام لأنها أعلنت الدستور دون استفتاء الشعب السوري، ولم يتم إنصاف أي مكون في الدستور الجديد، فالقانون يتجاهل التنوع الثقافي والديني، فحتى ديانة الرئيس تم تحديدها بأن يكون مسلماً سنياً".
انتهاكات هيئة تحرير الشام تحاكي ذهنيتها التي تحاول تلميعها
وتطرقت آهين علي إلى أن "المجازر التي ارتكبت بحق العلويين وعداء هيئة تحرير الشام للمجتمع الدرزي وتشريع قتل جميع الطوائف، ونظرتهم للنساء تبين ذهنية هذه السلطة المتمثلة بالإسلام الراديكالي، رغم محاولاتها لإظهار نفسها بصورة ديمقراطية، في محاولة منها لإرضاء المجتمع الدولي والقوى المهيمنة، ولكن أفعالها تظهر العكس ولا تختلف بشيء عن نظام البعث".
وأشارت إلى أن محاولة تلميع صورة الحكومة توضحت أكثر بـ "تعيين عدد من النساء رغم أنهن يحملن ذهنية ذكورية ولا يمثلن مكوناتهن، فالبعث أيضاً كان يضم في سلطته ومؤسساته جميع المكونات ولكن كانوا يديرون البلاد بذهنية بعثية، وهيئة تحرير الشام تمارس نفس السياسة، وهذا ما أدى بالثورة السورية للأزمة فنرى الجميع يناقش حل الأزمة السورية بدلاً من نقاش نتائج الثورة، لأن ذهنية ترسيخ العبودية وصورة الحاكم والمحكوم سائدة في عقول من قادوا الثورة إلى هذه الأزمة".
الديمقراطية التي لا تتمتع فيها المرأة بحريتها وتستقل بكيان خاص بها ليست حقيقية
ولفتت آهين علي إلى أن "ثورة روج افا التي كانت بطليعة المرأة جعلتها مختلفة عن الثورة السورية وعن واقعها الحالي، والمجتمع الدولي يرى هذه الفروقات ويشهد على النهضة التي وصل لها إقليم شمال وشرق سوريا بريادة المرأة والنموذج الموجود هو مثالي"، معتبرةً تعيين امرأة كردية بمنصب نائبة وزير الخارجية ذا ابعاد سياسية وأخرى إيديولوجيا "سياسياً تسعى لتلميع صورتها، أما البعد الآخر يتمثل بإظهار امرأة كردية بدون حجاب وسط حكومة ذات ذهنية راديكالية واضح جداً أنها تستخدمها كأداة، لأن هيئة تحرير الشام مدركة للتأثير الذي أحدثته المرأة على الصعيد المجتمعي في إقليم شمال وشرق سوريا، ومن أجل أن تحدث ذلك التغير وتكسب المجتمع الكردي لصفها تتبع هذه السياسيات".
وأكدت أن "هذا الظهور لا يعني أنها تمثل النساء أو الشعب الكردي، لأن هذا تعيين لم يأتي على أساس دستوري أو قانوني، فإذا أرادت إدارة هيئة تحرير الشام فعلاً أن ترضي المجتمع السوري ومن بينهم الكرد عليها أن تغير من هيكلتيها العسكرية والدستورية والقانونية، وبناء كل ذلك على أساس ديمقراطي ونظام لا مركزي لتلبية تطلعات الشعب والمرأة أيضاً"، موضحةً أن "الديمقراطية التي لا تكون فيها المرأة حرة وليس لها كيان ليست ديمقراطية حقيقية".
"لا نقبل بجزء من الديمقراطية بل نريد ديمقراطية كاملة"
وبينت آهين علي أنهن كنساء يتطلعن إلى أن يكون هناك "كيان وجوهر خاص بالنساء عبر ترسيخ سياسة ديمقراطية تجمع كافة النساء بمختلف طوائفهن، وستكون تجربة ناجحة لأنها متبعة في إقليم شمال وشرق سوريا على الصعيد الاجتماعي والقانوني والسياسي"، مشيرة إلى "قانون الأسرة والعقد الاجتماعي ونظام الرئاسة المشتركة".
وأضافت "الكثير من النساء ترأسن دول ولكن بذهنية رجل، والكثير من النساء قدن الثورات إلا أنهن في النتيجة لم تستطعن تمثيل ذواتهن ونيل حقوقهن، ونحن لا نريد تكرار تلك التجارب لذا نعي ما ننتقد وما نطالب، ولا يمكن للنساء في الحكومة المؤقتة أن تمثلن إرادة النساء والمجتمع، وعلى جميع النساء أن يكن مدركات لحريتهن وحقوقهن ليتحركن وفق متطلبات المرحلة، لأن تغيير ذهنية المجتمع والسلطة وقيادة المرحلة إلى بر الأمان لا يكون إلا بطليعة المرأة".
وعن تعيين الكردية زهرة البرازي في منصب نائبة وزير الخارجية السورية، تسألت "المرأة الكردية التي حاربت وقاتلت كيف لها اليوم أن تقبل أن تكون بجانب أشخاص ارتكبوا مجازر ضد النساء، وهنا نشير إلى قاتل السياسية هفرين خلف الذي عين قيادي في الفرقة 86 في الجيش السوري الجديد، فعلى المرأة قبل كل شيء أن تعرف حقيقتها"، مبينةً أن "النساء اللواتي قدن الثورة على مدار 14 عاماً قادرات على قيادة سنوات أخرى لأنهن لا يقبلن بجزء من الديمقراطية بل يردن تحقيق الديمقراطية بجوهرها الحقيقي ولا يقبلن بتمثيليتهن بأقل من 50 بالمئة".
"هيئة تحرير الشام لديها تاريخ حافل بالمجازر والإبادة"
من جهتها قالت الرئيسة المشتركة لحركة الشباب الأرمني الديمقراطي لوسناك كافوريان أن "الشرق الأوسط يشهد العديد من النزاعات والصراعات المتتالية والتي تؤثر جميعها على سوريا التي مرت بالحروب على يد النظام البائد منذ عام 2011 إلى يومنا الراهن مستهدفة جميع المكونات والطوائف والأديان وجعلتها مشتتة في دول مختلفة من بقاع الأرض".
وبينت أنه بعد سقوط النظام "كان يأمل الشعب السوري أن تصبح سوريا جديدة بعد المعاناة المستمرة التي عاشها على مدار 14 عاماً، إلا أن النظام البائد ترك فراغ سياسي مما أدى إلى اعتلاء هيئة تحرير الشام الحكم التي لديها تاريخ حافل من المجازر والإبادات بداية من العراق والدول العربية وصولاً إلى الدول الأوروبية، حيث نرى بأن المرتزقة التي تحارب اليوم ضمن صفوف هيئة تحرير الشام وتنصبهم في القيادات العسكرية هم الذين تلطخت أيديهم بارتكاب مجازر أرمينيا بحق الشعب الأرمني في عام 2023 ".
وأضافت "نحن اليوم نواجه مجازر جديدة من قبل الهيئة بحق الطائفتين الدرزية والعلوية بحجة ملاحقة فلول النظام، ولم تقتل الشباب فقط بل قتلت النساء والأطفال الذين لا صلة لهم بالنظام السابق، كما فعلوا سابقاً في شنكال عندما قتلوا الإيزيديين واختطفوا نساءهم وتم بيعهن في أسواق النخاسة، لكن هؤلاء النساء أصبحن أقوى ونظمن أنفسهن ووقفن بوجه هذا التنظيم من خلال إحداث ثورة ضده، لكن اليوم نرى أن هذا التنظيم يقف على سيادة سوريا ببدلة رسمية ومباركة دولية".
خطورة إحياء داعش في سوريا
وأكدت لوسناك كافوريان على خطورة الإسلام السياسي الراديكالي التي يعمل جهاديي هيئة تحرير الشام على نشرها في سوريا قائلة "اليوم هذا الإسلام السياسي الذي ينتشر في البلاد يقوم بقتل وتهجير المكونات السورية وإقصاء المرأة من الحكومة السورية، ولم يكونوا على اطلاع كامل على تطلعات الشعب السوري، نظراً لأن من يدير البلاد اليوم هو الجولاني الذي تلطخت يداه بدماء الأبرياء لتصبح سوريا بأكملها تحت حكم داعش الذي كان يستهدف إقليم شمال وشرق سوريا خلال عام 2014، متبعاً سياسة الدولة العثمانية التي ارتكبت العديد من المجازر بحق المكونات منهم الأرمن والسريان والإيزيديين والكرد في محاولة منها إخفاء صوت الحق والحقيقة لتكون سوريا تحت راية واحدة وعلم واحد بغض النظر عن الطوائف الأخرى".
وأشارت إلى الدستور السوري الجديد معتبرةً أنه محاولة لبناء دولة الخلافة بغض النظر عن حقوق المكونات المتواجدة ضمن سوريا، ودون الاستماع إلى متطلبات الشعب السوري.
وأوضحت أن هذه السياسة تستفز مشاعر السوريين الذين تعرضوا لظلم كبير "بالرغم من قتل حاتم أبو شقرا للمناضلة الكردية هفرين خلف التي كانت تسعى لإرساء السلام في المنطقة، إلا أن الهيئة عينته كقائد فيما يسمى جيش سوريا الجديدة الأمر الذي يؤكد أن الحكومة المؤقتة لم تلبي تطلعات الشعب السوري الذي يناضل من أجل الحرية وإحلال السلام".
"تعيين امرأة كردية في منصب شكلي لتلميع صورة الحكومة"
وشددت لوسناك كافوريان على أن منح عدة نساء مناصب لن يغير من صورة هذه السلطة الجديدة "تعيين امرأة كردية يعد منصباً شكلياً لتلميع صورة الحكومة وإبرازها بأنها تتمتع بالديمقراطية من خلال إشراك المكونات، حيث أن زهرة البرازي لم تتكلم أو تدلي بأي تصريح نظراً لأن الذهنية التي تتبعها الحكومة لا تفسح للمرأة المجال بأن تتلكم وفي حال سنحت لها فرصة للحديث يكون خطابها ذكوري بحت مثل خطاب عائشة الدبس التي تم تعيينها وزيرة لشؤون المرأة، لذلك لن تستطيع زهرة البرازي أن تتحدث عن القضية الكردية وتطالب بحقوق الكرد".
وأضافت بأن تعيين زهرة برازي نائبة لوزير الخارجية لم يلبي متطلبات الشعب الكردي والسوري "العقلية التي تتبعها هيئة تحرير الشام هي عقلية عدائية للنساء، والتعيينات الفردية لم تعد تلبي متطلبات الشعب السوري، التي تتمثل بإعادة كتابة دستور ديمقراطي يلبي حقوق كافة المكونات والفئات، ويكون لهم دوراً اساسياً في أماكن صنع القرار".
وترى أن "إعمار سوريا لن يكون إلا بيد المرأة وتمكينها وسياستها، كما أن للشباب دوراً أساسياً في إعادة الهيكلية، لكن نرى بأن هيئة تحرير الشام لم تعطي أية أهمية لدور الشباب وبناء مستقبلهم".
واختتمت الرئيسة المشتركة لحركة الشباب الأرمني الديمقراطي لوسناك كافوريان حديثها بلفت الانتباه إلى خطورة تكرار المجزرة بحق الشعب السوري وبخاصة بحق الشعب الأرمني "نخشى من تكرار المجازر بحقنا نظراً لأن الزمان يعيد نفسه، لذلك نطالب بأن يضمن الدستور السوري حقوقنا وحماية المكونات والأقليات بشكل كامل، ومحاسبة حاتم أبو شقرا وأبو عمشة".