ثناء جاهين... حكاية امرأة هزمت المستحيل

بدأت ثناء جاهين رحلتها بمبلغ بسيط، متحدية الفقر ونظرة المجتمع، لتصنع من الإكسسوار اليدوي مشروعاً ناجحاً، وتتحول إلى رمز للمرأة الصعيدية المكافحة التي تحلم بالإبداع.

إيمان سمير علي

مصر ـ رغم قسوة تجربتها وضيق الحال، رفضت ثناء محمد جاهين المعروفة باسم "سمر"، أن يكون طلاقها بداية نجاح، فابنة قرية "بني مر" التابعة لمدينة أسيوط، البالغة من العمر 36 عاماً، قررت أن تكون بطلة قصة امرأة بدأت من مبلغ بسيط لتصبح اليوم صاحبة مشروع ناجح يُحتذى به.

أنهت ثناء جاهين زواجها في عام 2015 نتيجة خلافات عائلية، مشيرة إلى أنها كانت في ذلك الوقت أماً لطفلين أحدهما في الثالثة من عمره، والآخر لم يتجاوز عمره الشهر والنصف.

عادت للإقامة في منزل أسرتها وسط ظروف مادية صعبة، كونها الابنة الكبرى لثلاثة أشقاء لا يستطيعون مساعدتها في توفير نفقات طفليها، إذ كان أحدهم يؤدي الخدمة العسكرية، وأصغرهم لا يزال في المرحلة الابتدائية.

زاولت العديد من المهن، لكنها لم تستطع التكيف مع أصحاب المحال أو الزبائن، فقد كانت نظرات المجتمع للمطلقة كفيلة بإخماد روحها. وجدت نفسها عاجزة عن الاستمرار وسط تلك الأحكام القاسية، رغم أن غايتها الوحيدة كانت تأمين لقمة العيش لطفليها.

 

سنوات من الكفاح والعمل

ومع مرور الوقت قررت الاعتماد على نفسها، فبدأت رحلتها بإعطاء الدروس الخصوصية لطلاب قريتها في المنزل. ولتشجيعهم، صنعت لهم بعض الإكسسوار البسيط كهدايا، لكن مع بدء العطلة الدراسية، توقف مصدر رزقها، بينما كانت بحاجة ماسة لعائد مادي لتوفير نفقات طفليها.

كانت تمتلك حينها 20 جنيهاً فقط أي ما يقارب 3 دولار، فذهبت إلى السوق واشترت بعض المستلزمات البسيطة، وبدأت في صناعة الإكسسوار اليدوي الصغير وبيعها للجيران والمعارف وأهل القرية، وسرعان ما تعرفت على صديقة تعمل في المجال نفسه، وساعدتها في التطوير وشراء الخامات.

ومع الوقت، تمكنت من توسيع مشروعها وزيادة رأس المال، وتواصلت مع الموردين في القاهرة لشراء المستلزمات بكميات أكبر وبأسعار أقل، كما توجهت إلى المؤسسات الأهلية والجمعيات لمساعدتها في عرض منتجاتها بالمعارض، وشاركت لأول مرة في أحد معارض المدينة.

وتقول ثناء جاهين بالرغم أنها كانت تمتلك حينها هاتفاً محمولاً بسيطاً دون إمكانيات، فإنها وزعت رقم هاتفها المحمول على الزبائن ورواد المعرض وأخبرتهم بإمكانية تنفيذ أي طلبات "هاند ميد" أي أعمال يدوية.

بعد فترة أقيم معرض للعاملين في مجال الأعمال اليدوية بأنواعه، فشاركت فيه وحققت نجاحاً كبيراً وشهرة واسعة استمرت لعامين حتى أُغلق المعرض، لتجد نفسها من جديد أمام تحديات، وكل ما تملكه خامات بأسعار زهيدة.

ولفتت إلى أنها نزلت إلى الشارع، وعرضت منتجاتها على سور ممشى "أهل أسيوط"، وسط استغراب واستنكار المارة والأقارب وأهل القرية، وتعرضت للعديد من المضايقات؛ فبعض المارة عرضوا عليها المال، وآخرون حاولوا التحرش بها، بينما طعنها البعض في سمعتها.

لكن أحداً لم يفكر في ظروفها المعيشية أو معاناتها اليومية، وهي التي كانت تسعى فقط لتوفير نفقات علاج نجلها الذي ظل يتابع مع طبيب مخ وأعصاب لمدة 3 أعوام ونصف، إلى جانب توفير المأكل والمشرب لطفليها.

وأشارت إلى أن معاناتها لم تتوقف عند هذا الحد، فخلال فترة انتشار فيروس كورونا في مصر أُصيب والدها بجلطة تطلبت نفقات مالية باهظة، ورغم فرض حظر التجوال كانت تنزل يومياً إلى الشارع لبيع منتجاتها حتى الساعة الخامسة مساءً.

بعد سنوات طويلة من الكفاح والصبر، تمكنت من افتتاح أول محل خاص بها في أسيوط، لتتحول من بائعة على الرصيف إلى صاحبة محل، لكنها لم تسلم من الضغوط الاجتماعية، فبعد زواجها الثاني نشبت خلافات بينها وبين زوجها الذي طالبها بترك العمل، لكنها رفضت.

وأوضحت ثناء جاهين أنها عندما تزوجت للمرة الثانية بدأت الخلافات بسبب العمل والمحل، إذ أراد زوجها أن تترك عملها وتغلق المحل، وعندما رفضت خيرها بين العمل وبينه، فاختارت العمل، وانفصلت عنه بعد ثلاثة أشهر فقط من الزواج، مؤكدة أنها لن تسمح لأي أحد بأن يذهب تعبها وكفاحها سدى.

 

مشاركتها في المعارض

وشاركت في معارض دولية وأثنى الحضور على منتجاتها ودعمها، كما تسعى للمشاركة في معارض دولية بدول الخليج وأوروبا.

وأشارت إلى أن منتجاتها تُباع في مختلف المدن المصرية، ويتم شحنها إلى العملاء في كل مكان، كما بدأت بتنظيم ورش تدريبية للفتيات لتعليمهن الأعمال اليدوية.

وتحلم ثناء جاهين بأن تمتلك أول مصنع لصناعة "الهاند ميد" في صعيد مصر، وأن تستورد الخامات من الصين، وتوسّع مجال عملها لتصدير منتجاتها إلى دول الخليج وأوروبا.