نساء موريتانيا تبتدعن نموذجاً فريداً لاقتصاد التضامن النسوي

في زوايا نواكشوط، حيث تتقاطع قصص النساء مع تحديات الحياة اليومية، ينبض فضاء غير مألوف ألا وهو "سوق المطلقات" إنه ليس مجرد سوق لبيع الأثاث المستعمل، بل مساحة تعيد فيها النساء تشكيل مصيرهن بأيديهن.

خديجة شيخنا

نواكشوط ـ يُعد "سوق المطلقات" في العاصمة الموريتانية نواكشوط نموذجاً فريداً لاقتصاد التضامن النسوي، نشأ في ثمانينيات القرن الماضي كاستجابة صامتة لتحولات اجتماعية عميقة، أبرزها ارتفاع نسب الطلاق وتزايد هشاشة أوضاع النساء.

في قلب العاصمة نواكشوط، ينبض "سوق المطلقات" كفضاء فريد من نوعه في إفريقيا والشرق الأوسط، وهو سوق تأسس في منتصف ثمانينيات القرن الماضي ليكون ملاذاً اقتصادياً واجتماعياً للنساء خاصة المطلقات اللواتي وجدن فيه فرصة لإعادة بناء الذات بعد تجربة الانفصال.

هذا السوق الذي كان يُعرف سابقاً باسم "سوق الرحمة"، تطور ليصبح منصة نسائية خالصة لبيع الأثاث والأواني والملابس المستعملة بأسعار زهيدة، ويجذب الزوار المحليين والسياح على حد سواء.

 

نساء يصنعن اقتصادهن

تروي فاطمة بنت المختار إحدى التاجرات في السوق، أن هذا الفضاء منحها استقلالية مادية وسنداً لتلبية احتياجاتها اليومية "هنا لا نحتاج لرأس مال كبير، بل نتشارك ونتعاون، مطلقات ومتزوجات، نخلق فرصاً ونربح من دون تعقيدات، وما يميز سوق المطلقات عن الأسواق الأخرى هو أنه يعد تجارة بسيطة لا تحتاج لرأس مال كبير".

أما عائشة بلال فقد دخلت السوق بعد طلاقها لتكافح من أجل تعليم أطفالها، بينما تشير مريم أحمد إلى أن غياب رأس المال حال دون فتح محل تجاري، فوجدت في السوق فرصة لبيع أغراضها المستعملة وتحقيق دخل دون تكلفة تذكر.

السوق لا يقتصر على المطلقات، بل يضم نساء من مختلف الخلفيات، بين من لم يحظين بتعليم جامعي، ومن يحملن شهادات لكن لم يجدن وظيفة مكتبية، إنه فضاء بديل مجاني أو شبه مجاني، يتيح للنساء ممارسة التجارة بعيداً عن القيود الاجتماعية والبيروقراطية.

وتمت تسمية هذا السوق بسوق المطلقات نظرًا لكثرة إقبال المطلقات عليه لبيع أثاثهن المتبقي من بيت الزوجية، علماً وأن موريتانيا تسجل أعلى نسب الطلاق في أفريقيا، وترفض المطلقة غالباً العودة لبيت أسرتها فتختار العمل والاعتماد على نفسها.

 

ظاهرة متفاقمة وانعكاسات اجتماعية

موريتانيا تسجل أعلى نسب الطلاق في العالم العربي، حيث تتجاوز النسبة 31% من حالات الزواج، ويحدث الانفصال في 60% منها خلال السنوات الخمس الأولى. هذه الظاهرة، التي ترتبط بعوامل ثقافية واقتصادية، تترك آثاراً عميقة على النساء والأطفال، خاصة في ظل غياب شبكات دعم مؤسسية. فالمطلقة غالباً ما تُرفض عودتها إلى بيت الأسرة، وتجبر على الاعتماد على ذاتها، ما يجعل سوق المطلقات أكثر من مجرد مكان للبيع، بل مساحة للنجاة وإعادة التشكل.

وفقاً للتقاليد تحتفظ المرأة المطلقة بأثاث بيت الزوجية، ما يجعل السوق وجهة طبيعية للتخلص من الأمتعة المرتبطة بالماضي، وتحويلها إلى مصدر دخل.

ما يميز سوق المطلقات ليس فقط طبيعته الاقتصادية، بل كونه شبكة تضامن نسوي، حيث تتشارك النساء الخبرات، وتدعم بعضهن البعض في مواجهة التحديات. إنه نموذج مصغر لاقتصاد اجتماعي نسوي، يعيد تعريف مفاهيم العمل والنجاة والكرامة في سياق محلي يعاني من هشاشة البنية الاجتماعية والاقتصادية.