مبادرة "تُكنان" تعيد الأمل للمنقطعات عن التعليم في السودان

الأمية بين الفتيات في السودان ليست مجرد إحصائية، بل واقع يهدد مستقبل أجيال كاملة، مبادرات مثل "تُكنان" تقدم نموذجاً عملياً لكيفية مواجهة هذه الأزمة عبر التعليم البديل والتمكين الاقتصادي.

سلمى الرشيد

السودان ـ لا تزال معدلات الأمية بين الفتيات في السودان مرتفعة، حيث تتجاوز النصف في بعض المناطق، الأمر الذي يجعل تعليمهن تحدياً أساسياً أمام جهود التنمية والاستقرار المجتمعي. 

تُعد الأمية واحدة من أبرز التحديات التي تواجه السودان، خاصة في المناطق الطرفية والريفية، حيث تتداخل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتجعل تعليم الفتيات قضية معقدة، ورغم الجهود المجتمعية، ما تزال نسب الأمية مرتفعة بين النساء، وهو ما دفع مبادرات محلية مثل جمعية تُكنان إلى ابتكار حلول بديلة تعزز التعليم وتكسر القيود التقليدية. 

تقول نفيسة أحمد مؤسسة جمعية "تُكنان"، أن الأمية تمثل تحدياً كبيراً في شرقي السودان، خصوصاً بين الفتيات، وهو ما دفعها إلى إطلاق مبادرة تحمل اسم "تُكنان"، وتعني "المعرفة" بلغة البداويت التي تتحدث بها قبائل البجا وهم مجموعة عرقية نوبية كوشية أصيلة تشتهر بجذورها التاريخية العريقة ولهجتها (البداويت)، لافتةً إلى أن المبادرة تهدف إلى تعزيز التعليم ومحو الأمية بين النساء في المنطقة. 

وأوضحت أنها أسست الجمعية عام 2021 في ظل ظروف صعبة عاشها السودان من انقلابات عسكرية وحروب داخلية، وترتكز رؤية "تُكنان" على جمع الفتيات والوقوف على احتياجاتهن، حيث أثبتت التجربة أن التعليم للفتيات يمثل أولوية قصوى، لذلك وفرت الجمعية تعليماً بديلاً ومحو أمية في بيئة صديقة للفتيات، بعيداً عن القيود التقليدية كالزي المدرسي أو الذهاب اليومي للمدرسة. 

وبينت نفيسة أحمد أن التعليم في "تُكنان" يعتمد على حلقات خاصة تقدم باللغة الأم (البداويت)، ما ساعد في إعادة عدد من الفتيات اللواتي انقطعن عن الدراسة، وتتراوح أعمارهن بين 12 و16 عاماً، مشيرةً إلى أنه من بين هؤلاء الفتيات من أجبرن على الزواج في سن صغيرة.

وأشارت إلى أن الجمعية تسعى إلى توسيع نشاطها ليشمل محليات أخرى في ولاية البحر الأحمر خلال العام المقبل، إضافة إلى دعم التمكين الاقتصادي عبر مشاريع صغيرة تساعد الأسر على توفير موارد مالية لإعانة بناتهن على مواصلة التعليم. 

 

تحديات اقتصادية واجتماعية

وفي سياق الحملة الدولية لمناهضة العنف في السودان والتي استمرت 16 يوماً، شددت نفيسة أحمد على ضرورة اعتبارها فرصة لتسليط الضوء على أوضاع النساء في شرق السودان، خاصة فيما يتعلق بتعليم الفتيات، الذي وصفته بأنه أكبر التحديات نتيجة ضعف الوعي المجتمعي بأهمية التعليم، مؤكدةً أن المشكلة ليست في غياب التعليم، بل في غياب الوعي بقيمته. 

وأشارت إلى أن التحديات تتوزع بين عوامل اقتصادية واجتماعية، معتبرة أن الاجتماعية أكثر تأثيراً بسبب التمييز ضد المرأة، حيث يمنح المجتمع الأولوية لتعليم الأولاد على حساب الفتيات، كما أن بُعد المدارس عن الأحياء السكنية وصعوبة الطرق المؤدية إليها يزيد من عزوف الفتيات عن التعليم. 

اقتصادياً، أوضحت أن معظم الأسر في شرق السودان محدودة الدخل، ما يجعل تكلفة التعليم عبئاً ثقيلاً، إضافة إلى عقبة أخرى تتمثل في أن المناهج مكتوبة بالعربية والإنجليزية، وهو ما يشكل حاجزاً أمام المجتمعات غير الناطقة بهما. 

وطالبت نفيسة أحمد باعتماد اللغة الأم في الحلقة الأولى من التعليم، ثم التدرج إلى العربية واللغات الأخرى، مؤكدة أن دولاً طبقت هذا النظام وحققت تقدماً ملحوظاً، وبصفتها معلمة للمرحلة الابتدائية، ترى أن غياب لغة الأم يؤدي إلى ضعف التحصيل وازدياد التسرب المدرسي.

كما تطرقت لتحديات أخرى مثل عدم رغبة بعض الفتيات في التعليم لأسباب اجتماعية وثقافية، وصعوبة إقناع الأسر بإعادة بناتهن إلى الدراسة بعد الانقطاع، إضافة إلى نقص المعلمين والمقاعد الدراسية، مشيرةً إلى افتقار دار جمعية "تُكنان" للخدمات الأساسية مثل الكهرباء والتكييف، فضلاً عن تأثير القيادات الأهلية التي ترفض تعليم البنات.