من فقدان شقيقتها إلى الدفاع عن النساء... رحلة دنيا أحمد قادر في مواجهة العنف

تصاعد العنف ضد النساء في إقليم كردستان دفع دنيا أحمد قادر بعد فقدان شقيقتها، إلى تحويل ألمها إلى نضال من أجل حقوق المرأة، مطالبةً بإصلاحات قانونية وتربوية جذرية ونشر الوعي المجتمعي لبناء جيل يرفض العنف والتمييز.

هيلين أحمد

السليمانية ـ تتصاعد جرائم القتل في إقليم كردستان، فيما تواجه النساء مستويات متزايدة من العنف نتيجة العقلية الذكورية والتساهل الرسمي مع هذه الممارسات، ما يدفع الكثير من النساء نحو الموت ويترك العائلات غارقة في الألم والانهيار. العديد من الأسر فقدت امرأة واحدة على الأقل بسبب هذه الذهنية السائدة.

دنيا أحمد قادر، التي شهدت مقتل شقيقتها على يد زوجها قبل أن يتم اعتقاله لاحقاً في إحدى مدن الإقليم، أوضحت لوكالتنا أن عائلات الضحايا كثيراً ما تتعرض لضغوط تمنعها من المطالبة باعتقال الجاني أو محاسبته. ومع ذلك، تؤكد أن المتهم يقدم في النهاية إلى القضاء ويعاقب وفق القانون، رغم كل التحديات التي تواجه العائلة في سبيل تحقيق العدالة.


"العنف والانتهاكات ضد النساء في إقليم كردستان تتزايد"

وقالت دنيا أحمد قادر، وهي معلمة وعضوة في مجلس إدارة منظمة المرأة المستقلة في كلار، إن العنف والانتهاكات ضد النساء في إقليم كردستان تتزايد بشكل مستمر وبأساليب متعددة، سواء في المدن أو البلدات "مظاهر العنف ما زالت حاضرة بقوة، مما يدفع الناشطات إلى العمل من أجل توفير حياة آمنة وخالية من العنف للنساء، لا لإبعادهن عن المجتمع أو أسرهن".

وأضافت أن الناشطات في كلار يعملن على رفع وعي النساء بحقوقهن، إلا أن عدد من سكان الإقليم والمنطقة يحاولون عرقلة هذه الجهود "لا نسعى لفصل النساء عن أسرهن، بل نسعى إلى ضمان حياة حرة وكريمة لهن. رؤيتنا تقوم على بناء شراكة عادلة بين النساء والرجال ".

وشددت على ضرورة إنهاء النظرة الدونية للنساء، ووقف معاملتهن كدرجة ثانية، خصوصاً داخل المؤسسات الرسمية "حصر دور المرأة في المنزل والمطبخ هو بحد ذاته شكل من أشكال العنف الممنهج الذي يمارس ضدها"، مؤكدةً أهمية تغيير هذه العقلية لضمان مساواة حقيقية وفرص عادلة للجميع.

وقالت "بصفتي معلمة، كثيراً ما سمعت بعض الزملاء يرددون أن المرأة مخطئة إذا خرجت للعمل، وأن مكانها الوحيد هو المنزل بحجة أنها ستتعب. هذا الخطاب بحد ذاته شكل من أشكال العنف، لأنه يبرر قتل النساء العاملات خارج المنزل تحت ذرائع واهية.

وذكرت أن من صور العنف أيضاً انتحار النساء نتيجة الضغوط الاجتماعية "مع إننا نقترب من عام 2026، ما زالت ظاهرة الزواج المبكر منتشرة، وهو شكل آخر من أشكال العنف، وما زالت المرأة تستخدم كوسيلة لحل المشكلات الاجتماعية وينظر إليها كسلعة، مما يعكس تأخراً واضحاً في الوعي المجتمعي في منطقة كرميان".

وأضافت "عندما يدرك البعض أن امرأة ما تدافع عن حقوق النساء وتطالب بحريتهن، يظنون أننا نريد "إفساد" نسائهم، كامرأة لا أحب استخدام هذا المصطلح، لكنه يستخدم ضدنا باستمرار، الحقيقة أننا لا نريد سوى أن تتعرف المرأة على أشكال العنف التي تتعرض له، وأن تعرف حقوقها، وأن تكون قادرة على ممارسة حريتها دون أن تتعرض هي أو محيطها للأذى".

ولفتت إلى أن طالباتها كثيراً ما يلجأن إليها للحديث عن مشكلاتهن بحثاً عن حلول، خاصة في مرحلة المراهقة التي تشهد حساسية كبيرة، حيث تمنعهن عائلاتهن من كثير من الأمور، فيشعرن بأن أسرهن تقف ضدهن.


من فقدان شقيقتها إلى الدفاع عن النساء

وأضافت دنيا أحمد قادر أن "كثيراً ما نردد مقولة: لن يفهم الإنسان معاناة الآخر ما لم يمر بها". فهناك نساء كثيرات يعملن بجد للدفاع عن حقوق المرأة، لكنني، لأن شقيقتي قتلت، أشعر بعمق الألم الذي تعيشه كل أسرة تفقد ابنتها بهذه الطريقة"، موضحةً "عندما كان عزاء شقيقتي قائماً، لم أستطع الجلوس بين الناس، وبقيت في الداخل أتابع الأخبار التي كانت تنتشر عن مقتل امرأة، وكانت تلك المرأة شقيقتي. وفي خيمة العزاء كان كل شخص يروي قصة مختلفة عن الحادثة، حتى شعرت بأن شيئاً ما في داخلي سينفجر من شدة الألم. لقد جعلونا ننسى فاجعة موتها، وركزوا فقط على سؤال: ما سبب قتلها؟ وكأن القضية مجرد خلاف عائلي بسيط".

واعتبرت أنه مع كل جريمة قتل لامرأة، تقتل عائلتها معها أيضاً، فبدلاً من السؤال لماذا تقتل النساء؟ ولماذا يقتل الإنسان أصلاً؟ ينشغل البعض بتبرير الجريمة أو البحث عن أعذار لها "نعم، من يرتكب خطأ يجب أن يتحمل مسؤوليته، لكن ليس من العدل أن يكون العقاب هو القتل".

ولفتت إلى أنه عندما قتلت شقيقتها، حاول القاتل الهرب باتجاه مدينة أربيل، ثم ترددت أنباء عن اعتقاله، وبفضل إصرار العائلة على المطالبة بسجنه وعدم التنازل، فهو الآن يقضي عقوبته في السجن.

وأضافت أن وجود القوانين لا يمنع كثيراً من عائلات الضحايا من الرغبة في معاقبة الجاني بأيديهم، وهذا يعد تجاوزاً للقانون "رغم كل القوانين، كنت أنا أيضاً أتمنى أن أقتص من قاتل شقيقتي بيدي، لكنني لا أتمنى لأي شخص أن يعيش الألم الذي عشناه. فخسارة امرأة من العائلة ليست حدثاً عابراً، بل جرح لا يندمل".


دعوة لإصلاح جذري لحماية النساء من القتل

وأفادت دنيا أحمد قادر أن النساء اللواتي دفن في مقبرة المجهولات لا يعرف أحد من هن، ولا أسماؤهن أو أعمارهن، لأن عائلاتهن لم تكن مستعدة لاستلام جثامينهن "لهذا أشعر أن هؤلاء النساء يقتلن كل يوم من جديد، فقبورهن الصامتة تروي حجم المأساة".

وذكرت أن معدلات قتل النساء ترتفع يوماً بعد يوم دون أي مؤشرات على التراجع، لأن المنظمات النسائية وحدها لا تستطيع وقف هذه الجرائم "قد ننجح في إنقاذ امرأة أو اثنتين، لكن الحد من القتل يحتاج إلى تدخل فعلي من الحكومة والسلطات، عبر نشر الوعي بالقانون والدستور، وفرض عقوبات صارمة على مرتكبي جرائم قتل النساء، خصوصاً القتل المتعمد".

وعبرت عن رغبتها في تسليط الضوء على قضية شديدة الأهمية تتعلق بمراكز إيواء النساء "عندما تواجه امرأة خطراً أو مشكلة وتلجأ إلى هذه المراكز طلباً للحماية، للأسف تعاد إلى عائلتها بعد توقيع تعهد، وكأن المشكلة قد انتهت"، موضحةً أن من يريد ارتكاب جريمة قتل يعرف مسبقاً أن عقوبته قد تصل إلى 20 عاماً من السجن، ومع ذلك يقدم على فعلته "ما يعني أن السجن ليس رادعاً كافياً، لذلك، حين تعاد المرأة إلى عائلتها بعد توقيع التعهد، فإنها تسلّم مرة أخرى إلى الشخص نفسه الذي كان يهدد حياتها".

وأكدت ضرورة إعادة النظر في هذه الآلية، ووضع نظام مختلف يضمن عدم إعادة المرأة إلى بيئة تهدد حياتها. كما شددت على أهمية أن تعود السلطات إلى تطبيق القانون بشكل صارم، وأن تراجع هذه التعهدات بما يضمن حماية فعلية للنساء من العنف والقتل.


"الشرف ليس جسد المرأة والتربية السليمة هي خط الدفاع الأول"

وقالت دنيا أحمد قادر إن "الحديث عن "الشرف" في مجتمعنا ينحصر دائماً في النساء، وكأن الرجال لا علاقة لهم بهذه المفاهيم، وهذه حقيقة مؤلمة ما زالت مترسخة في ثقافتنا"، مضيفةً أنها في عام 2019 بدأت مشروعاً بحثياً حول النساء اللواتي يُجبرن على العمل في الدعارة لتأمين احتياجات أطفالهن.

وبينت أن بحثها كان شاملاً، يتناول الجوانب القانونية والاجتماعية والتاريخية والدينية، وحمل عنوان "شرف المرأة في ميزان البيع والشراء" وخلال عملها سألت أحد المدافعين عن حقوق الإنسان عن مفهوم شرف المرأة في الدستور العراقي، فأجابها "في الدستور العراقي، شرف المرأة محصور في جسدها حتى منطقة الحوض، ولا يتجاوز ذلك"، معلقةً على ذلك بالقول "عندما يكون القانون والدستور نفسيهما يحصران شرف المرأة في هذا الإطار الضيق، فكيف يمكن أن نلوم أفراد المجتمع على تبني هذه النظرة؟".

وأكدت على أن التربية الأسرية أساس بناء مجتمع سليم "الأطفال يجب أن يتعلموا منذ الصغر أن الشرف والكرامة قيم تخص البنات والأولاد معاً، وأنها لا تتعلق بالجسد بل بالسلوك، كالصدق والأمانة والابتعاد عن الأذى. فالكثير من السلوكيات التي نزرعها في الطفل تؤثر لاحقاً في شخصيته، وتحدد إن كان سيكبر ليصبح شخصاً عنيفاً أو متوازناً".

وأفادت أن "المجتمع إلى جانب غياب التربية السليمة، يشكلان سبباً رئيسياً في استمرار جرائم قتل النساء على يد الآباء والإخوة والأزواج. فالتغيير الحقيقي يبدأ من البيت، ومن الطريقة التي نربي بها أبناءنا وبناتنا".

وفي ختام حديثها قالت إنه من الضروري تشكيل مجموعات في مختلف مدن إقليم كردستان للتنسيق وعقد لقاءات منتظمة مع الجهات المعنية، بهدف متابعة قضايا العنف والعمل على إيجاد حلول فعلية لها "مواجهة العنف تتطلب أيضاً إدخال تعديلات على القوانين الحالية، حتى يصبح بالإمكان تنظيم ندوات وورش عمل للنساء والرجال في الأقضية والنواحي، ونشر الوعي القانوني بينهم"، مؤكدةً أن إيصال مفهوم الحرية إلى سكان المناطق المختلفة خطوة أساسية، لأنها تساعد في توعية المجتمع وبناء جيل جديد أكثر إدراكاً وقدرة على رفض العنف والتمييز.