بعد 25 ألف إصابة و120 وفاة... هل فقد المغرب السيطرة على الحصبة؟
يشكل تفشي الحصبة في المغرب تحدياً صحياً وحقوقيا خطيراً، يستدعي استجابة سريعة وشاملة لضمان حق كل طفل مغربي في الحماية من الأمراض القابلة للوقاية.
حنان حارت
المغرب ـ شهد المغرب في الفترة الأخيرة انتشاراً واسعاً لداء الحصبة حيث سجلت البلاد 120 حالة وفاة و25 ألف إصابة منذ أيلول/سبتمبر 2023، في ارتفاع غير مسبوق مقارنة بالسنوات الماضية، مما يثير تساؤلات حول فعالية برامج التلقيح ومدى جاهزية النظام الصحي لمواجهة هذه الأزمة، خاصة في ظل التفاوت في الخدمات الصحية بين المدن والمناطق النائية.
بداية تفشي مرض الحصبة كانت في جهة سوس ماسة درعة جنوب المغرب، قبل أن يمتد إلى مناطق أخرى، خاصة الفقيرة والنائية، حيث يواجه السكان صعوبات في الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية.
(نادية. ع)، أم لطفلين، عبرت عن صدمتها بعد إصابة طفلها الأكبر بالحصبة رغم تلقيه جميع جرعات التلقيح في موعدها، متسائلة "إذا كان اللقاح فعالاً، فكيف أصيب طفلي؟ وكيف يمكنني حماية رضيعي الذي لم يكمل جدول التلقيح بعد؟".
هذا التساؤل يعكس مخاوف حقيقية لدى العديد من الأسر المغربية حول فعالية اللقاحات ومستوى الحماية الذي توفره، في ظل ارتفاع الإصابات.
وفي ظل تزايد الحالات، وجهت النائبة البرلمانية فاطمة التامني سؤالاً كتابياً إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، تناولت فيه أسباب تفشي المرض، ومدى قدرة النظام الصحي على احتوائه، والإجراءات الحكومية المتخذة للحد من انتشاره، مشددة على ضرورة تكثيف حملات التلقيح والتوعية، وتعزيز التغطية الصحية في المناطق الأكثر تضرراً.
وأكدت منظمة الصحة العالمية أن لقاح الحصبة فعال بنسبة تتراوح بين 93% و97% بعد الجرعتين، لكنه لا يوفر حماية مطلقة بنسبة 100%، مما يعني أن بعض الحالات قد تصاب بالمرض حتى بعد التطعيم.
لماذا تفشى المرض من جديد؟
بحسب الدكتورة بهيجة العسري، طبيبة عامة، فإن تفشي الحصبة يعود إلى انخفاض معدلات التلقيح، وهو أحد التبعات غير المباشرة لجائحة كوفيد-19موضخةً أن "الجائحة عطلت برامج التلقيح في عدة مناطق، حيث امتنعت بعض الأسر عن استكمال الجرعات خوفاً من الفيروس، أو بسبب القيود التي فرضها الحجر الصحي آنذاك، مما أدى إلى انخفاض المناعة الجماعية وخلق بيئة مواتية لعودة أمراض كان يعتقد أنها تحت السيطرة".
وبينت أن فيروس الحصبة شديد العدوى، إذ يمكنه البقاء في الهواء وعلى الأسطح لساعات، مما يسهل انتقاله بسرعة عبر العطس والسعال، خاصة في الأماكن المكتظة.
وقالت الدكتورة بهيجة العسري أن الأطفال أو البالغين الذين تلقوا اللقاح ضد الحصبة، حتى لو تعرضوا للفيروس من خلال الاختلاط بشخص مصاب، فإنهم غالباً ما يعانون من أعراض خفيفة جداً مقارنة بغير الملقحين، وذلك لأن اللقاح يعزز الجهاز المناعي ليكون مستعداً لمواجهة الفيروس وتقليل تأثيره.
ولفتت إلى أنه في هذه الحالات، يكون خطر حدوث المضاعفات مثل التهاب الرئة أو التهاب الدماغ شبه معدوم، كما أن نسبة الوفاة بين الملقحين تكاد تكون منعدمة، إضافة إلى ذلك، فإن اللقاح لا يحمي الفرد فقط، بل يساهم في تحقيق المناعة الجماعية، مما يقلل من فرص انتشار الفيروس داخل المجتمع، ويحمي الأطفال الرضع وغيرهم من الفئات التي لم تستكمل جدول التلقيح بعد، مؤكدة أن اللقاحات آمنة وفعالة، ولدى المغرب خبرة تتجاوز 40 عاماً في التلقيح ضد الحصبة.
التلقيح مسؤولية الحكومة
ينص الفصل 31 من الدستور المغربي على أن الدولة ملزمة بتوفير رعاية صحية عادلة لجميع المواطنين، بمن فيهم الأطفال.
وشددت بهيجة العسري على أن التلقيح ليس امتيازاً، بل هو حق أساسي لكل طفل مغربي، داعية الأسر إلى مراجعة دفاتر التلقيح لضمان استكمال الجرعات المطلوبة "التلقيح ليس مجرد إجراء طبي، بل هو التزام مجتمعي وأحد ركائز العدالة الصحية".
وحول إن كانت هناك تفاوتات في إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية بين القرى والمدن، أكدت بهيجة العسري أن المشكلة الرئيسية تكمن في بعد المراكز الصحية عن العديد من القرى النائية، مما يجعل تنقل الأسر إليها أمراً شاقاً ومكلفاً، خاصة في ظل ضعف البنية التحتية للنقل في بعض المناطق.
وأوضحت أن هذا الوضع يؤدي إلى تأخير أو حتى إهمال بعض الأسر لاستكمال برامج التلقيح، مما يفاقم خطر تفشي الأمراض التي يمكن الوقاية منها، مستدركة "برغم ذلك يتم تنفيذ حملات".
وعن مخاطر الحصبة والمضاعفات الصحية، قالت بهيجة العسري إن الحصبة قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة، مثل التهابات الجهاز التنفسي الحادة والتهاب الدماغ، مما قد يسبب إعاقات دائمة، مشددة على ضرورة تعزيز التنسيق بين وزارة الصحة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، لنشر التوعية حول أهمية اللقاح، والتصدي للإشاعات التي تهدد الصحة العامة.
وعن الإشاعات المنتشرة بين بعض الأسر، التي تروج أن لقاح الحصبة يمكن أن يسبب المرض نفسه، أوضحت أن اللقاح يحتوي على فيروس ضعيف جداً لا يمكنه التسبب بالمرض الفعلي، وإنما قد يؤدي إلى ارتفاع طفيف في درجة الحرارة أو طفح خفيف، وهي أعراض طبيعية تدل على استجابة الجسم للقاح.
هل الحصبة أزمة في المغرب أم مشكلة إقليمية؟
وأشارت الدكتورة بهيجة العسري إلى أن تفشي الحصبة لا يقتصر على المغرب فقط، بل يشهد ارتفاعاً في الإصابات على المستوى الإقليمي، حيث أبلغت منظمة الصحة العالمية عن زيادة كبيرة في الحالات في عدة دول بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويعود ذلك إلى نفس العوامل المرتبطة بتراجع التلقيح خلال الجائحة وانتشار المعلومات المضللة حول اللقاحات.
ودعت الدكتورة بهيجة العسري في ختام حديثها جميع العوائل إلى ضرورة التصدي لكافة الإشاعات الغير صحيحة والتي تعرقل جهود الصحة العامة.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فقد ارتفعت الإصابات بالحصبة بنسبة 20% عالمياً خلال عام 2023، مما يشير إلى قصور خطير في تغطية التطعيم، خاصة في الدول التي تشهد أزمات صحية واجتماعية.
وتعد مناطق النزاع من بين الأكثر تضرراً، حيث تعاني الأنظمة الصحية في هذه المناطق من انهيار البنية التحتية الطبية، ونقص الإمدادات اللوجستية، وصعوبة تنفيذ حملات التلقيح، كما أن الظروف المعيشية الصعبة، مثل النزوح الجماعي وضعف خدمات الصرف الصحي، تزيد من سرعة انتشار المرض بين السكان، خاصة الأطفال الذين يكونون أكثر عرضة لمضاعفاته الخطيرة، كما يحذر خبراء الصحة من أن استمرار هذا الاتجاه قد يعرقل هدف القضاء على الحصبة بحلول عام 2030.