أسباب عدة... زادت نسبة الانتحار بين النساء في إدلب
تتكرر حوادث الانتحار بين النساء من مختلف الفئات العمرية في إدلب والشمال السوري، نتيجة عوامل عدة أولها العنف والضغوط النفسية المتنوعة وآخرها الفقر وزواج القاصرات.
سهير الإدلبي
إدلب ـ
لم تحتمل ميساء درباس (٣٣) عاماً، حرمانها من أبنائها بعد طرد زوجها لها من المنزل، ما دفعها للانتحار بحبوب مسممة في أيلول/سبتمبر 2020، لتكون واحدة من ضحايا العنف الزوجي، وظلم المجتمع ولن تكون الأخيرة.
ميساء درباس متزوجة من أحمد درباس منذ سبعة أعوام، أنجبت منه ٣ أولاد، وهم ريناد وإبراهيم وخالد، أكبرهم عمرها ٦ سنوات وأصغرهم ٣ سنوات.
"كانت تأتي إلى المدرسة وآثار الضرب بادية على وجهها، وحتى أولادها لم يسلموا من الضرب" هكذا تقول مريم المحمد (٣٠) عاماً إحدى صديقات ميساء درباس وزميلاتها المقربات، وتضيف أن ميساء من قرية الركايا نزحت شمالاً باحثة عن الأمان "المفقود" لتعمل مدرسة في مخيمات أطمة الحدودية "كانت مثابرة في عملها وتحلم بحياة أفضل لأبنائها الثلاثة".
وتشدد على أن ميساء درباس كانت دائماً تحاول إخفاء معاناتها "كانت شديدة الكتمان، ودائماً تخفي عن الجميع معاناتها مع زوجها الذي كان يبالغ في أذيتها وشتمها وتعنيفها، شعورها بالظلم واليأس وحرمانها من أطفالها الثلاثة بلغ بها حد اتخاذ قرار الانتحار"، ولهذا لم تستطع مريم المحمد معرفة ما تفكر به صديقتها رغم أنها كانت تعتبرها ملجأ أسرارها "ليتني علمت ما كانت تفكر به ومنعتها من تفكيرها ذاك".
وتؤكد أن المجتمع ورغم كل ما تعرضت له ميساء درباس من ألم، حملها "إثم" إنهاءها لحياتها، والفضيحة، وتوعدها بالنار، وعوضاً عن إخبار أولادها أنها فضّلت الموت على حرمانها منهم، قال لهم والدهم "أمكم كافرة وزوجة عاقة لأنها تركتكم"، وبغضب ترد مريم المحمد على ظلم المجتمع للمرأة المعنفة عوضاً عن انصافها "التعنيف ليس شأن عائلي، المُعنّف مجرم يجب محاسبته، والتستّر عليه لأي حجة كانت هي جريمة، والتشكيك بالضحايا ولومهم يعد مشاركة بالجريمة".
استخدمت ميساء درباس "حبوب الغاز" أو ما يعرف بـ "فوستوكسين" كوسيلة سهلة للانتحار، وهي حبوب شديدة السمية وتقتل من يتناولها خلال أقل من ١٠ دقائق، وتستخدم لتعقيم المخازن التي تحوي مواد غذائية ومؤناً فتعمل على الحفاظ عليها من انتشار الحشرات والقوارض، وهي متوفرة بكثرة في المتاجر والصيدليات الزراعية وتباع بحرية ودون أدنى رقابة على بيعها، إذ سجلت ٨ حالات انتحار بحبوب الغاز في إدلب وريفها في الآونة الأخيرة بينهم نساء وأطفال.
حبوب الغاز ليست الوسيلة الوحيدة للانتحار وإن كانت أكثرها استخداماً، وإنما تعددت الطرق والوسائل الأخرى ومنها الشنق أو الحرق أو إطلاق النار بشكل مباشر وإما القفز من المرتفعات.
سميرة السلوم (15) عاماً التي تم تزويجها وهي قاصر، هي الأخرى أقدمت على الانتحار برمي نفسها من الطابق الرابع في 15 آب/أغسطس 2019، إثر مشاجرة جرت بين أبيها وزوجها نتيجة أمور مادية عالقة بينهما، فلم يشأ الوالد الذي طرد من منزل ابنته اصطحابها لمنزله حفاظاً على زواجها، في حين منعها زوجها من زيارة أهلها، فما كان منها إلا أن أنهت حياتها بالانتحار.
وتقول إحدى جاراتها التي رفضت الكشف عن اسمها، أن سميرة شعرت بالذل بعد طرد زوجها لأبيها وشجاره معه "بعدما تعرضت للاستحقار والإذلال قررت الذهاب برفقة والدها الذي رفض اصطحابها لكي لا يتسبب في طلاقها".
وتتابع "لقد منعها زوجها من زيارة منزل عائلتها حتى ولو زيارة قصيرة، ما دفعها للانتحار بعد المشاجرة بأقل من ساعة، إن صغر سن الفتاة وعدم استيعابها ما حدث وكرهها لزوجها وحرمانها من أهلها دفعها لهذا الفعل المؤسف".
وكذلك وجدت بثينة الخالد (16) عاماً مشنوقة في غرفتها في 28 نيسان/أبريل 2020، بواسطة الحبل الذي كانت تستخدمه أرجوحة لابنتها الصغيرة ذات الثلاثة أشهر، وذلك بعد شجار نشب بينها وبين أهل زوجها الذين تعيش معهم في ذات المنزل بعد نزوحهم من ريف إدلب الجنوبي واستقرارهم في مدينة أرمناز شمال إدلب.
وبررت عائلة الزوج ما حدث بأن بثينة الخالد كانت تعاني من أمراض نفسية منذ نزوحها من منزلها أواخر عام 2019، وأنهم لاحظوا غرابة في تصرفاتها ومحاولات فاشلة متكررة للانتحار قبل أن تودي بحياتها.
المرشدة الاجتماعية نور الخطيب (25) عاماً ترى أن هناك أسباباً كثيرة تدفع ببعض النساء للانتحار وتتمثل بالفقر وقلة فرص العمل، والتفكك العائلي والاجتماعي، والتنمر والعنف، إضافة للأسباب العاطفية والنفسية والصحية والفشل بالدراسة إضافة للفلتان الأمني.
وتشير إلى خطورة الظاهرة التي ازدادت معدلاتها في السنوات الأخيرة "المجتمع السوري أصبح يعيش خطراً حقيقياً نتيجة غياب عملية جرد للأسباب الرئيسية والبحث عن سبل علاجها".
وتؤكد على ضرورة العمل على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والعائلي للأشخاص الذين تظهر عليهم عوامل الحزن والاكتئاب والإدمان أو الاضطرابات الذهنية.
وبحسب نور الخطيب فإنه يتوجب على المنظمات الإنسانية والكوادر الطبية رفع مستوى التوعية والارشادات بين المواطنين وتوعيتهم بمخاطر الأمراض النفسية التي تدفع بالبعض إلى الانتحار.
وركزت في حديثها على موضوع النساء اللواتي تضاعفت مسؤولياتهن في الحرب، ويتعرضن لمختلف أنواع التعنيف الأسري والمجتمعي ويواجهن ظروفاً بالغة التعقيد، وبتن على حافة انهيار نفسي، فلا بد من إجراءات وقائية للحد من ظاهرة الانتحار، والمسؤولية تقع على عاتق الجميع.
وقالت منظمة الصحة العالمية أن الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل سجلت أعلى نسبة في محاولات الانتحار بلغت 75% من نسبة الانتحار في العالم.