الطلاق في إدلب... ما بين قرار المرأة ورفض المجتمع
ازدادت حالات الطلاق في الشمال السوري لعدة أسباب أفرزتها الحرب السورية تبدأ بغياب الاستقرار والفقر ولا تنتهي بالزواج المبكر والضغوط النفسية.
سهير الإدلبي
إدلب ـ
حصلت رؤى العارف (٢٥عاماً) على الطلاق من زوجها أخيراً بعد رحلة طويلة في المحاكم الشرعية التي لم تستجيب لدعوتها إلا بعد تجريدها من كامل حقوقها بغية الحصول على حريتها.
تقول رؤى العارف أنها ليست نادمة على اتخاذها هذا القرار فهي لم تعد قادرة على تحمل تعنيف زوجها فهو يعاملها بطريقة سيئة ويشتمها ويهينها لأتفه الأسباب وخاصة أمام أهله وأقربائه، هذا عدا عن عدم تحمله لمسؤولياته الزوجية وتقصيره في الإنفاق عليها وعلى أطفاله.
رؤى العارف اضطرت للتنازل عن كافة حقوقها بغية الحصول على أبنائها الثلاثة والإسراع في إنهاء الأمر في المحاكم، تقول "تعددت الجلسات بيني وبين زوجي أمام قاضي الأحوال الشخصية وفي كل مرة يحاولون الصلح بيننا ويضغطون علي لأتنازل عن دعوى الطلاق وإكمال حياتي مع زوجي الذي كان رافضاً لموضوع الطلاق بحجة عدم تشريد الأسرة" وتضيف "هل عاشوا ما عشته من ظلم وقهر، هل يمكنهم أن يتحملوا ما تحملته، طبعاً لا ولن يستطيعوا ذلك" في إشارة لحجم المعاناة التي لاقتها رؤى في حياتها مع زوجها.
وتعيش رؤى العارف اليوم في خيمة مجاورة لخيمة عائلتها النازحة من معرة النعمان إلى مخيمات سرمدا الحدودية وهي تنفق على نفسها وأطفالها من خلال عملها في مجال الخياطة وما تحصل عليه من معونات إغاثية شهرية.
لم يكن تعنت الزوج وسطوته وقلة مسؤولياته السبب الوحيد وراء تعدد حالات الطلاق وإنما كان للزواج المبكر دوره المؤثر أيضاً، حيث انتشرت في الفترة الأخيرة حالات زواج القاصرات في الشمال السوري وبات أغلب المتزوجين يرتبطون بفتيات تتراوح أعمارهن بين ١٢ و١٥ عاماً وسط رضى الأهالي بسبب الفقر وغلاء المعيشة وانعدام التعليم.
وعن تجربتها مع هذا الزواج تقول ياسمين بكور (١٨عاماً) أن زواجها لم يدم أكثر من سنتين فقط حين وصلت مع زوجها "لطريق مسدود" بعد أن تمادى مع أهله في إهانتها وشتمها، "تزوجت في عمر ١٤عاماً وكان زوجي في الثامنة عشرة من عمره، كان ضعيف الشخصية أمام أهله المتسلطين وكان اتكالياً وقليل المسؤولية، ويمعن في إذلالي ليظهر رجولته أمام أهله بالصراخ علي طيلة الوقت دون أي اعتبار لمشاعري وكرامتي، وكان طردي من المنزل بعد آخر شجار بيننا النقطة التي ملأت الكأس بالنسبة لي، فلم أعد أحتمل وطلبت الطلاق".
وتؤكد ياسمين بكور أن أهلها عارضوا طلاقها بادئ الأمر بسبب النظرة المجتمعية السلبية للمطلقة، "لكنهم وافقوا بعد إصراري وتهديدي بالانتحار إن أعادوني إليه مرة أخرى".
وتعتبر الخيانة الزوجية أحد أكثر الأسباب التي أدت إلى الطلاق فمن غير الممكن تقبل خيانة الزوج لزوجته أو العكس، وتقول دراسات وإحصائيات عالمية إن نسبة الطلاق الناتج عن خيانة أحد الزوجين قد ارتفع وبشكل كبير بعد انتشار الإنترنت بين الشعوب بشكل عام.
وعن خيانة زوجها لها تقول محاسن زيدان (٣١عاماً) من قرية مشمشان شمال إدلب أنها لاحظت انجذاب زوجها للأخريات منذ بداية زواجهما ولكنها كانت تحاول تجاهل الأمر حفاظاً على زواجها إلى أن سمعت حديثه مع إحداهن باتصال فيديو على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك يتبادل معها الأحاديث الرومانسية والكلمات الجنسية ويعدها بالزواج، وهنا لم تكن لتحتمل ما رأته وما سمعته فغادرت المنزل وطلبت الطلاق وحصلت عليه، تقول "يمكن أن يسامح المرء في كل شيء إلا فيما يخص كرامته ويقلل من أهمية وجوده في حياة شريكه" وترد على لوم أهلها لها لطلبها الطلاق "لو كان الأمر معاكساً فهل كان زوجي سيتقبل علاقتي مع شخص آخر، بالتأكيد لم يكن ليقبل بذلك فلما علي أنا القبول به".
ولعالم الإدمان والمخدرات حكاية أخرى مع الطلاق إذ يشكل التعاطي خطراً حقيقياً على المجتمع بشكل عام والحياة الأسرية بشكل خاص وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تراكم الكثير من المشاكل المادية والأخلاقية التي تفضي إلى تفكك الأسرة والطلاق.
كادت علياء الحسين (٣٠عاماً) وهي نازحة من حمص وتقييم في مدينة الدانا شمال إدلب أن تفقد حياتها بعد شجار مع زوجها المدمن على تناول المخدرات، تقول إنه كان يسهر لساعات متأخرة من الليل ويعود يترنح وهو بحالة غير طبيعية ويتصرف تصرفات غريبة ويضربها بشدة حتى أنه حاول خنقها في المرة الأخيرة فما كان منها بعد تخليص نفسها إلا أن فرت هاربة خارج المنزل لتنجو بحياتها.
وتعاني النساء في إدلب مصاعب كثيرة للحصول على حقوقهن القانونية كحضانة الأطفال والنفقة وغيرها بسبب عدم تثبيت عقود الزواج قانونياً وارتفاع تكلفة توكيل المحامين، وهو ما يجعل أكثر حالات الطلاق تتم خارج المحاكم بحضور شيوخ وشهود وذلك لطول أمد المحاكم وانعدام ثقة الأهالي بالمحاكم القائمة.
من جهتها حذرت المرشدة الاجتماعية فتون العوض (٤٠عاماً) من تنامي ظاهرة الطلاق في الشمال السوري لما لها من مخاطر على مستقبل العائلة والأطفال، وحثت النساء على ضرورة تربية أطفالهن تحت سقف يضم عائلة لأهمية الوالد بحياة الطفل وإتاحة الفرصة دائماً لحل المشاكل القائمة بتريث وعقلانية دون التفكير بالانفصال وجعل هذا الأمر آخر الحلول الممكنة.