الأطفال ضحايا الألغام ليسوا مجرد أرقام بل جراح تنطق بصوت الطفولة المنسية
بين غياب خطط شاملة لإزالة الألغام، وافتقار الضحايا لأبسط أشكال الرعاية، تتجدد الكارثة كل يوم، فيما تظل أوجاع الأطفال ملفاً منسياً على طاولة القرارات.

زينب خليف
دير الزور ـ في لحظة لعب بريئة سلبت من زين الشام الفريح حاسة البصر، وتشوه وجهها، وبترت أطرافها، هي طفلة من مقاطعة دير الزور في إقليم شمال وشرق سوريا ليست أولى ضحايا مخلفات الحرب، ولن تكون الأخيرة، فلقد تكررت المأساة أيضاً مع الطفل علي الساير، الذي بُترت أصابع يده بسبب انفجار آخر تركته حرب انقضت ظاهرياً، لكنها لا تزال تحصد في الخفاء أرواح الأبرياء.
رغم مرور أكثر من خمس سنوات على انتهاء معارك داعش في إقليم شمال وشرق سوريا، إلا أن الخطر لم يغادر شوارع تلك البلدات فالموت هناك لم يعد يأتي من فوهة بندقية أو صاروخ، بل من تحت التراب، ومن بين الحجارة، ومن داخل ألعاب الأطفال الممزقة. إنهم ضحايا مخلفات الحرب الألغام، والقنابل غير المنفجرة، والعبوات الناسفة التي لم تنفجر حتى بعد توقف المعارك، ضاربة بعنفها الأبرياء، وعلى رأسهم الأطفال.
الطفلة زين الشام الفريح، إحدى ضحايا الحرب والمخلفات، كانت في عمر الزهور حين امتدت إليها يد الحرب العابثة لتخطف براءتها، ولم تكن سوى طفلة بريئة لا يتجاوز عمرها الست سنوات، تلعب كأي طفلة مع صديقاتها في الحي، غير مدركة لِما خلفته الحرب من أدوات موت متناثرة في الطرقات.
وبينما كانت تلهو، أمسكت بجسم غريب لم تكن تعلم أنه من مخلفات الحرب، فانفجر بها، في لحظة غدر قاسية بدّلت ملامح طفولتها إلى الأبد، وأسفر الانفجار عن إصابات مروّعة فقدت نظرها بالكامل، وبُترت أصابع قدميها، وأصيبت بتشوهات عميقة في وجهها، فضلاً عن إصابات في يدها استلزمت جراحة مؤلمة، مع وعد مستقبلي بتركيب طرف صناعي.
وقالت والدة الطفلة سمية العبد الله أنهم من هجين ولكن عندما أصيبت طفلتها كانوا لاجئين في منطقة قرانيج وأن الانفجار تسبب بفقدان الطفلة بصرها بالكامل، وبُترت أصابع قدميها، وتشوه وجهها، وتضررت يدها اليمنى بشكل بالغ "رغم محاولات إنقاذها، لم تتوفر لها الرعاية الطبية الكافية بسبب نقص الإمكانيات، ولم يكن بالإمكان نقلها إلى خارج البلاد لتلقي العلاج المتخصص".
اليوم، زين الشام الفريح في الثانية عشرة من عمرها، تحاول التعايش مع ألمها النفسي والجسدي، لكنها تعيش تحت وطأة فقدان حاستها الأهم، وتشوهات دائمة جعلتها تشعر بالنقص والعزلة. تعاني من اضطرابات نفسية واضحة، وتحمل في جسدها وروحها آثار ما فعلته آلة الحرب.
"أبناؤنا ليسوا مجرد إحصائيات في تقارير دولية، إنهم بشر، ويستحقون الحياة والاهتمام"
وليس حال زين الشام الفريح استثناء تروي عائشة الحسون، والدة الطفل علي الساير، قصة مشابهة لألم لا يزال يتجدد تقول "كان ابني علي يلهو مع أصدقائه عندما انفجرت في يده قطعة من مخلفات الحرب، أُصيب إصابة مباشرة وبُترت أصابع يده اليسرى. أخبرونا بإمكانية تركيب طرف صناعي له، لكننا لم نجد من يتكفل بحالته، رغم كثرة الوعود".
وأضافت "ابني يعاني من أزمة نفسية شديدة، يرفض إظهار يده أو الحديث عن إصابته وبدلاً من أن يحصل على علاج أو دعم نفسي تم إهمال حالته، تواصلنا مع منظمات عدّة، لكن لم نجد سوى التسويف والخذلان أبناؤنا ليسوا مجرد إحصائيات في تقارير دولية، إنهم بشر، ويستحقون الحياة والاهتمام".
نداء لا يحتمل التأجيل
وأكدت عائشة الحسون أن مخلفات الحرب ليست مجرد ماضٍ يترك أثره، بل حاضر قاتل ومستقبل مهدد في ظل استمرار سقوط الضحايا، من الأطفال والنساء، تزداد الحاجة لتحرك حقيقي وشامل على مستوى المؤسسات في المنطقة والمنظمات الدولية لإنقاذ زين الشام وعلي وغيرهم من الأطفال فهم مسؤولية جماعية، والسكوت عما يحدث مشاركة غير مباشرة في مأساتهم المستمرة.
الطفلة زين الشام، والطفل علي، والمئات غيرهم أحياء بأجساد ممزقة، وأرواح تنزف بصمت، في انتظار أن يلتفت إليهم هذا العالم، لا كمآسي عابرة، بل كقضية إنسانية ملحّة تستحق الفعل، لا فقط الشفقة.