المفاهيم الخاطئة وأثرها على حقوق المرأة في إدلب
تجتمع المفاهيم الدينية الخاطئة في بعض المجتمعات بشكل أساسي في قضايا النساء، خاصة في المناطق التي تعاني من النزاعات والصراعات المستمرة كمدينة إدلب التي تسيطر عليها ما يسمى بـ "هيئة تحرير الشام" التي تفرض هذه المفاهيم لتبرير التمييز والظلم المجحف ضد المرأة.
هديل العمر
إدلب ـ في كثير من الأحيان، تفسر "هيئة تحرير الشام" النصوص الدينية بشكل مشعب أو متطرف لتبرير ممارسات غير عادلة، مثل فرض أفكار مشددة على اللباس، زواج القاصرات، والعنف الأسري، هذه التأويلات التي تتجاهل القيم الحقيقية للدين التي تمثل العدالة والمساواة والرحمة، وتعمل على تعزيز فكرة أن المرأة أقل قدرة أو مكانة من الرجل، ما يؤدي إلى تهميشها في المجتمع ومنعها من الوصول إلى الحقوق الأساسية كالتعليم والمشاركة في الحياة العامة.
مريم السيبان فتاة في السابعة عشر من عمرها، تعيش في قرية صغيرة في ريف إدلب الشمالي، تحلم بإكمال تعليمها لتصبح معلمة، لكنها أُجبرت على الزواج وهي في الرابعة عشر من عمرها، حيث يعتبر زواج القاصرات ظاهرة في بعض المناطق بسبب التمسك بتفسيرات دينية مغلوطة تروّج لضرورة تزويج الفتاة في سن مبكرة لحمايتها "من الفتن"، ونتيجة لذلك، تخلت عن حلمها في التعليم لتجد نفسها الآن تعتني بأطفال ومسؤولة عن عائلة بأكملها.
أما سعاد الحسون البالغة من العمر 23 عاماً وأم لثلاثة أطفال، تعيش في مدينة إدلب، فقد أُجبرت على ارتداء ملابس خاصة لا تناسب رغباتها، وتعرضت للتوبيخ العلني من قبل ما يسمون أنفسهم شرطة الآداب فقط بسبب خروجها إلى السوق دون مرافقة رجل من أفراد عائلتها.
وتقول سعاد الحسون، إن حياتها باتت مليئة بالخوف والتوتر، وغالباً ما تتعرض للمضايقات بسبب المفاهيم الفكرية الدينية الخاطئة التي أدت لإحداث ضرر كبير عليها، وقوضت كل مخططاتها المستقبلية خاصة في ظل الممارسات الاجتماعية التقليدية.
وأضافت أن الدين هو السمة الأبرز لتبرير ممارسات "هيئة تحرير الشام" رغم أن بعض هذه المفاهيم لا تمت إلى الدين بصلة بل تأسست ضد المرأة ولتقيد حقوقها باسم الدين، والكثير منها يقوم على تفسير غير دقيق أو مغلوط للنصوص الدينية التي ترى أن المرأة يجب أن تؤدي أدوارها في المنزل ولا ينبغي لها أن تسعى إلى التعليم أو العمل، وهو ما يحرم النساء من حقوقهن في التعليم وفرص العمل، وبالتالي يزيد من فقر النساء والاعتماد على الآخرين، ويضعف مكانتها الاجتماعية ويجعلها عرضة للاستغلال.
وتمثل ندى الشلوف وهي معلمة لغة عربية في مدرسة ابتدائية، نموذجاً آخر للنساء اللواتي تعانين من تهميش كبير وانتهاكات لحقوقها باسم الدين، حيث تعرضت للطرد ومغادرة المدرسة لحذفها بعض الفقرات التي اعتبرتها "غير مناسبة" للطالبات.
وتقول إنها شعرت بالصدمة عندما رأت أفكار متشددة داخل المناهج كتقويض دور المرأة وحصرها بالأعمال النمطية والتقليدية باسم الدين، متسائلة من قرر أن يحول بيئة التعليم إلى ساحة للأفكار والمناهج المتشددة عبر تقيّد التفكير الحر وحرمان الفتيات من الأدوار القيادية والبقاء في المنزل فقط للطبخ وتربية الأطفال؟.
وللعنف ضد الزوجات المبرر بالدين حكاية أخرى، وقد يتم تبرير العنف الأسري أو الاجتماعي ضد المرأة باستخدام تفسيرات دينية غير صحيحة، وبعض الفئات تعتقد بأن للرجال الحق في فرض السيطرة على المرأة، سواءً عن طريق العنف الجسدي أو النفسي، وهو ما تعيشه زينة السلمو وهي أم لثلاثة أطفال تعيش في مخيمات كفر يحمول شمال إدلب بكل تفاصيله.
وتقول زينة السلمو إن زوجها يعنفها باستمرار لفظياً وجسدياً تحت تبريرات دينية خاطئة "في كل مرة كنت أتعرض للضرب، كان يقول لي إني أستحق هذا التعامل لأني لا أطيعه كما يجب، لجأت ذات مرة إلى شيخ في منطقتنا وطلبت نصيحته، لكنه قال لي أن أتحلى بالصبر وأن الطاعة هي واجب المرأة في الإسلام وأنني سأكافأ على صبري في الآخرة"، مضيفةً "شعرت بالإحباط وعدت لحياة الجحيم التي أعيشها".
وتبقى المفاهيم الدينية الخاطئة تمثل تحدياً كبيراً أمام تحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين في إدلب التي تعاني ظروف اجتماعية وسياسية معقدة، وتصحيح هذه المفاهيم يتطلب جهوداً متكاملة تشمل نشر الوعي الديني الصحيح، وتعزيز التعليم والمشاركة الاجتماعية للمرأة، بالإضافة إلى تفعيل القوانين التي تحمي حقوقها بما يتماشى مع العدالة الاجتماعية والقيم الدينية الصحيحة.