نضال النساء في الشرق الأوسط من المقاومة إلى بناء السلام والعدالة الاجتماعية
في الشرق الأوسط تتحمل النساء العبء الأكبر من تبعات الصراعات والنزاعات، فالدول القومية توظف كل أدواتها لقمع النساء، ولمواجهة منظومة القمع وبناء مستقبل أكثر عدالة وإنسانية، ولا يوجد خيار فعّال سوى وحدة النساء وتضامنهن.
					بيريفان إيناتجي
مركز الأخبار ـ برزت النساء في الشرق الأوسط في قلب ساحات الصراع، سواء في ميادين الحرب أو في جبهات النضال الاجتماعي والسياسي، فالنزاعات المستمرة، وما تفرضه الدول القومية من قمع وانتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، تلقي بظلالها الثقيلة على حياة النساء في المنطقة.
رغم الواقع القاسي، تواصل النساء نضالهن من أجل حقوقهن، ويعملن بإصرار على لعب دور فاعل في مسارات السلام والحرية، فمشاركتهن النشطة تعبّر عن إصرارهن على كسر دوائر العنف، والمساهمة في بناء مستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً.
تحول تاريخي في نضال الشعب الكردي
عقد حزب العمال الكردستاني مؤتمره الثاني عشر استجابة لنداء القائد عبد الله أوجلان، حيث اتخذ قراراً تاريخياً بوقف الكفاح المسلح وحل الهيلكية التنظيمية للحزب، وتلاه في الحادي عشر من تموز/يوليو الماضي تنظيم مراسم رمزية بقيادة بسي هوزات، أقدمت خلالها مجموعة من مقاتلي حركة الحرية والمجتمع الديمقراطي على إتلاف أسلحتهم، في خطوة جسدت التحول من العمل العسكري إلى النضال السياسي.
هذا التحول مثّل بداية مرحلة جديدة في نضال الشعب الكردي، بقيادة حركة الحرية، حيث أعلنت في السادس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر الماضي انسحابها من شمال كردستان وتركيا، في خطوة تاريخية تؤكد التوجه نحو العمل السياسي السلمي، وتعكس رغبة حقيقية في فتح صفحة جديدة من الحوار وبناء الثقة.
في هذا المسار، تبرز النساء كفاعلات أساسيات في نضال الحرية، حيث يلعبن دوراً محورياً في الدفع نحو السلام والعدالة. ويُعد تحقيق الحرية الجسدية للقائد عبد الله أوجلان شرطاً جوهرياً في تقدم عملية السلام، وهو ما تدركه النساء جيداً، إذ يواصلن تنظيم صفوفهن والمشاركة الفاعلة في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية.
وتُعد مساهمة النساء في هذا السياق ضرورية لضمان تمثيل متكافئ ورؤية شاملة في مفاوضات السلام، فحضورهن لا يقتصر على دعم المطالب، بل يشكل ركيزة أساسية في بناء مستقبل ديمقراطي عادل يعكس تطلعات المجتمع بأسره.
المرأة ضمانة للسلام والدفاع الذاتي في وجه التحديات السياسية
وفي إقليم شمال وشرق سوريا، وبناءً على دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي" التي أطلقها القائد أوجلان، تتواصل الاستعدادات للمشاركة الفاعلة في مسار السلام، وبينما تُناقش مسألة دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن الجيش السوري خلال المفاوضات مع دمشق، أكدت وحدات حماية المرأة، عبر لقاءات رسمية مع القيادة، على ضرورة الحفاظ على استقلاليتها داخل صفوف قوات سوريا الديمقراطية، وشددت على تمسكها بحق الدفاع الذاتي.
كما عبّرت نساء من مختلف مكونات المنطقة عن أن وجود وحدات حماية المرأة يمثل ضمانة فعلية لوجودهن، وأكدن أنهن يقفن إلى جانب هذا النضال، باعتباره امتداداً لنضالهن من أجل الحقوق والكرامة، ومصدراً أساسياً لقوتهن في مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية.
وفي المناطق التي تتولى فيها النساء قيادة مشروع بناء الحياة الجماعية، يعملن على ترسيخ نظام اجتماعي مقاوم في وجه جميع أشكال الهجمات الدينية والقومية، ومن خلال هذا الدور الريادي، تسعى النساء إلى تأسيس نظام ديمقراطي شامل في عموم سوريا، يقوم على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، ويضمن العدالة الاجتماعية والتعايش السلمي بين مختلف المكونات.
بينما، تواجه النساء في المناطق التي يسيطر عليها جهاديي هيئة تحرير الشام تهديداً كبيراً على حياتهن وحقوقهن، ففي الأسابيع الأخيرة، قُتلت امرأة على يدهم، في حادثة تعكس تصاعد العنف ضد النساء، لا سيما من الطائفة العلوية، اللواتي يُستهدفن بشكل خاص، كما يعاني الدروز من ضغوط وانتهاكات مستمرة.
هذا الواقع القاتم يقيّد حرية النساء ويُضعف الحراك النسوي، ويشكّل عائقاً كبيراً أمام نضالهن من أجل الأمن والحرية والعدالة الاجتماعية.
تمثيل قانوني مقابل واقع عنيف في العراق ولبنان ومصر
وعلى الرغم من أن القانون العراقي يضمن تمثيل النساء في البرلمان بنسبة 25%، إلا أن المرشحات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة تعرضن لهجمات وتهديدات مباشرة. فبدلاً من خوض منافسة سياسية نزيهة، واجهت العديد منهن ضغوطاً شديدة وممارسات عنيفة، تعكس حجم التحديات التي تواجه المرأة في الساحة السياسية، وتُبرز الحاجة إلى حماية حقيقية وضمانات فعلية لتمكينها من المشاركة دون خوف أو ترهيب.
ولا يختلف المشهد في لبنان كثيراً، إذ تتعرض المرشحات خلال فترة الانتخابات للاستهداف المباشر، ويجدن أنفسهن في مواجهة تهديدات تُجبرهن أحياناً على التراجع. وفي الوقت ذاته، لا تزال الإصلاحات التي أُدرجت ضمن قانون عام 2024، والمتعلقة بقضايا تخص النساء مثل سن الزواج وحقوق الميراث، غير مكتملة ولم تُترجم بعد إلى تغييرات ملموسة.
ورغم استمرار حالة عدم المساواة، تواصل النساء نضالهن من أجل حماية حقوقهن، مؤكدات على ضرورة المضي قدماً نحو إصلاحات فعلية تضمن العدالة والمشاركة المتكافئة في الحياة السياسية والاجتماعية.
كما تُظهر التطورات الأخيرة في مصر تصاعداً خطيراً في استهداف النساء، ففي اليومين الماضيين، تم استهداف ما لا يقل عن 70 امرأة وطفل، بين قتلى ومفقودين، في حوادث تعكس حجم التهديدات التي تواجهها النساء على المستويين الجسدي والحقوقي.
هذا الواقع يكشف هشاشة الحماية القانونية والاجتماعية للنساء، ويُبرز كيف أن السياسات القمعية للدولة تُقيّد حياة النساء وتُضعف الحراك المدني، مما يضع العراقيل أمام نضالهن من أجل العدالة والمساواة.
الإيرانيات بين الاعتقال والتعذيب
وفي إيران، لا تزال النساء تواجهن ضغوطاً متصاعدة منذ انطلاق انتفاضة Jin Jiyan Azadî""، حيث تتواصل حملات الاعتقال والتعذيب والتضييق على النشاط النسوي بشكل واسع، إذ تتعرض الناشطات منهن لانتهاكات جسيمة داخل السجون.
وخلال الأيام العشرة الماضية، تم اعتقال وتعذيب ما لا يقل عن ثلاث نساء بهائيات، في مؤشر خطير على استمرار القمع الممنهج الذي يهدد سلامة النساء ويقوّض حقهن في المطالبة بالعدالة والحرية.
رغم اكتظاظ السجون بالنشطاء، لا تزال انتفاضة Jin Jiyan Azadî"" مستمرة داخل المعتقلات في شرق كردستان وإيران، وقد أعلنت حملة "الثلاثاء لا للإعدام" هذا الأسبوع أن السلطات الإيرانية أفرجت عن 283 شخصاً فقط ضمن نطاق محدود، في وقتٍ تتواصل فيه المقاومة داخل 54 سجناً في مختلف أنحاء البلاد.
وبفضل صمود النساء، تم تعليق حكم الإعدام الصادر بحق الناشطة شريفة محمدي، إلى السجن لمدة 30 عاماً، في بلدٍ تتصاعد فيه الضغوط ضد النشطاء، هذا التراجع يُعد انتصاراً رمزياً في وجه سياسات القمع، ويعكس قوة الحراك النسائي في الدفاع عن الحقوق والحريات.
الأفغانيات حرمان من الحقوق ونضال سري من أجل البقاء
وفي ظل حكم طالبان، تُحرم الأفغانيات من أبسط حقوقهن في التعليم والعمل، ويواجهن واقعاً قاسياً يتسم بانهيار النظام الصحي، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وفرض قيود صارمة تؤثر بشكل مباشر على حياتهن اليومية. ووفقاً للبيانات التي جمعتها وكالتنا، فقد تم خلال الشهرين الماضيين استهداف ما لا يقل عن 10 نساء و6 أطفال، بين قتلى ومفقودين، في حوادث تعكس حجم التهديدات التي تواجهها النساء في أفغانستان، وسط غياب الحماية والعدالة.
ورغم القيود المفروضة، تواصل النساء في أفغانستان نضالهن من خلال أنشطة تعليمية وفنية تُقام بشكل سري، فالدروس والورشات التي تُنظم داخل المنازل أو في أماكن مغلقة تُعد وسيلة حيوية للحفاظ على الحياة الاجتماعية للنساء، وتعكس إصرارهن على مقاومة القمع ومواصلة التعلم والتعبير، رغم التحديات الأمنية والسياسية التي تحيط بهن.
النساء في غزة وسط الإبادة الجماعية وكارثة إنسانية تهدد الحياة المدنية
وتكشف غزة عن الوجه الحقيقي لعجز الجهات المسؤولة عن حماية النساء والشعوب من الإبادة الجماعية، ففي قلب أزمة إنسانية خانقة، قُتل حتى الآن 68,531 شخص، بينهم 12,500 امرأة و18,500 طفل، وفقاً للبيانات المتوفرة. وخلال الأشهر الأخيرة، قتل يومياً ما معدله 63 امرأة، في تصعيد مستمر للعنف.
النقص الحاد في الرعاية الصحية، واستمرار القصف، وانعدام الوصول إلى الخدمات الأساسية، يجعل حياة النساء في غزة أكثر هشاشة وخطورة. هذه الكارثة لا تهدد النساء فحسب، بل تُعرض حياة جميع المدنيين للخطر، في ظل غياب أي حماية دولية فعالة أو مساءلة حقيقية.
النساء في دارفور بين العنف الممنهج وانهيار الخدمات
ويُشكّل النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تهديداً مباشراً للنساء، خاصة في إقليم دارفور، حيث تم توثيق 659 حادثة عنف خلال الأشهر الثلاثة الماضية، استُهدفت النساء والفتيات في 94% منها، وقد أدى تقييد الوصول إلى الرعاية الصحية ونقص الغذاء إلى تفاقم معاناة النساء في سعيهن للبقاء على قيد الحياة.
وتُعد مدينة الفاشر في جنوب دارفور من أكثر المناطق تضرراً، إذ شهدت انتهاكات مروعة بحق المدنيين بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها، بما في ذلك هجمات جماعية ممنهجة ضد النساء، وسط غياب أي حماية دولية أو مساءلة قانونية.
تتواصل الانتهاكات بحق الصحفيين بشكل يومي، وسط تصاعد في استهداف العاملات في هذا المجال، ووفقاً للتقرير الأخير الصادر عن لجنة حماية الصحفيين (CPJ)، تعرضت ثلاث صحفيات على الأقل لاعتداءات جنسية من قبل قوات الدعم السريع، في حين فُقد أكثر 13 صحفياً آخرين. هذه الأرقام تعكس خطورة الوضع الذي يواجهه الإعلاميون، خاصة النساء، في ظل غياب الحماية والمساءلة.
المدافعات عن حقوق النساء في تونس في مواجهة التضييق الحكومي
ويواجه المدافعون عن حقوق النساء في تونس ضغوطاً متزايدة من قبل السلطات، حيث تم تعليق أنشطة منظمات بارزة مثل الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات (ATFD)، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وعلى الرغم من هذه القيود، تواصل النساء نضالهن من أجل حقوقهن، ويؤدين دوراً نشطاً ومؤثراً في الحياة الاجتماعية، مؤكدات على إصرارهن في مواجهة التضييق ومواصلة العمل المدني.
اليمنيات في قلب عملية السلام
وبعد أحد عشر عاماً من الحرب، عاد اليمن إلى واجهة الاهتمام الدولي مع انطلاق محاولات جديدة لإحلال السلام، وعلى الرغم من أن النساء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين ما زلن تعانين من العنف والانتهاكات، فإنهن يواصلن السعي للمشاركة في مسار السلام.
وإن انخراط النساء في هذه العملية ليس مجرد مطلب حقوقي، بل ضرورة لضمان سلام شامل ومستدام يأخذ في الحسبان احتياجات جميع فئات المجتمع، ويعزز فرص التعافي الوطني بعد سنوات من الصراع.
توحيد نضالات النساء في مواجهة العنف والاستبداد
واجهت نضالات النساء في الشرق الأوسط موجة من التشويه بسبب تصاعد العنف والقمع والصراعات. ومع ذلك، تواصل النساء في مختلف المناطق مقاومتهم، والدفاع عن حقوقهن، والمشاركة الفاعلة في مسار التغيير الاجتماعي.
وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة لتوحيد نضالات النساء عبر مختلف البلدان، والالتقاء في منصة مشتركة. فالنضالات المجزأة والمعزولة لا تكفي لمواجهة الانتهاكات والهجمات المنظمة. إن توحيد التجارب والمقاومة والممارسات التنظيمية من شأنه أن يمهد الطريق نحو تأسيس كونفدرالية ديمقراطية نسوية عالمية.
هذا المسار لا يخدم النساء فحسب، بل يُعد خطوة استراتيجية نحو مستقبل أكثر عدالة واستقراراً لجميع شعوب الشرق الأوسط، ويعزز استمرارية نضال النساء في مواجهة العنف والاستبداد.