نداءات لإصلاح مدونة الأسرة بما يكرس المساواة والكرامة داخل المجتمع المغربي
نظمت جمعية "أوال ـ حريات" بالتعاون مع التنسيقية النسائية، ندوة وطنية تحت شعار المساواة داخل الأسرة وبين "ضرورة ملحة لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية".
					حنان حارت
المغرب ـ شددت الندوة التي نظمتها جمعية أوال حريات بالتعاون مع التنسيقية النسائية على ضرورة تطبيق المساواة داخل الأسر كركيزة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الديمقراطية، موضحة أن "إصلاحات مدونة الأسرة يجب أن تبنى على مبدأ المساواة كأساس متين لحقوق الإنسان".
في ظل تصاعد النقاش الوطني حول مراجعة مدونة الأسرة، نظمت جمعية "أوال – حريات" بالتعاون مع التنسيقية النسائية بهدف التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة ندوة وطنية، تحت شعار "المساواة داخل الأسرة وبين الأسر: ضرورة ملحة لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية".
ويأتي هذا اللقاء ضمن مشروع أطلقته الجمعية منذ عام 2022 بعنوان "من أجل أسر مغربية متعددة فضاءات للمساواة، والاندماج، والأمن، والتضامن"، ويهدف إلى خلق فضاء للحوار بين الفاعلين والفاعلات حول سبل جعل إصلاح مدونة الأسرة مشروعاً مجتمعياً يضع في صلبه الكرامة الإنسانية والمساواة الفعلية بين النساء والرجال.
وشددت المشاركات على أن "تحقيق المساواة داخل الأسرة لم يعد مجرد مطلب نسوي، بل أصبح ضرورة لحماية الاستقرار الاجتماعي وضمان العدالة بين الأجيال"، مشيرين إلى أن "واقع الأسر المغربية اليوم بات متنوعاً، وأن النصوص الحالية لم تعد تواكب هذا التحول، خاصة في ظل وجود نساء يتحملن وحدهن أعباء الإعالة والتربية دون حماية قانونية كافية".
وفي مداخلة لها قالت نزهة الصقلي الوزيرة السابقة للتضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية، ورئيسة جمعية "أوال–حريات"، إن "الهدف من هذه الندوة هو مناقشة القضايا التي تمكن فعلاً من تحقيق المساواة والعدالة داخل الأسر المغربية، بعيداً عن الخطابات العامة أو ما يعتبر في المجتمع "حشومة" الخوض فيه".
وأوضحت أن اللقاء يندرج ضمن مشروع بدأته الجمعية منذ عام 2022 بعنوان "من أجل أسر مغربية كفضاءات للمساواة، والاندماج، والأمن، والتضامن"، وهو ثمرة تفكير جماعي استمر على مدى ثلاث سنوات بين فاعلات وفاعلين من مختلف المجالات.
وأضافت أن "الهدف من هذا المشروع هو فهم الواقع المعيش للنساء والأطفال داخل الأسر المغربية، والنظر بعمق إلى ما يجري داخل الأسرة ذاتها، وليس فقط الحديث عن حقوق النساء بمعزل عن البنية الاجتماعية التي تجمع النساء والرجال والأطفال معاً".
وقالت نزهة الصقلي "نحن لا نريد فقط أن نتحدث عن الأسرة كمفهوم، بل عن ما يوجد في قلب الأسرة المغربية، عن قيم التضامن والرعاية والاحترام التي تقوم عليها، وعن الأشخاص الذين يتحملون عبء هذا التضامن يومياً، خاصة النساء اللواتي يعتنين بالأطفال وكبار السن دون انقطاع، ودون عطلة أو مقابل مادي".
وانتقدت الصورة النمطية التي تقدم عن المرأة بأنها "جالسة في البيت"، معتبرة أنها صورة غير واقعية، لأن النساء اليوم يعملن داخل البيت وخارجه، ويساهمن في الاقتصاد والرعاية الاجتماعية، مضيفةً أن "المرأة التي تبقى في البيت لا تجلس بلا عمل، بل تقوم بعمل غير مؤدى عنه، هو أساس استمرار الحياة الأسرية والاجتماعية".
وأشارت نزهة الصقلي إلى دراسة دولية تشير إلى أن 32 بالمئة فقط من الأسر في العالم ما زالت مبنية على النموذج الكلاسيكي للأسرة (رجل وامرأة وأطفال)، بينما باقي الأسر تتخذ أشكالاً مختلفة وأكثر تنوعاً، معتبرة أن هذا التحول العالمي يفرض على المغرب أن يعيد التفكير في سياساته الأسرية والتشريعية.
وأكدت نزهة الصقلي الوزيرة السابقة للتضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية، ورئيسة جمعية "أوال- حريات" في ختام مداخلتها أن جمعية "أوال- حريات" تعمل مع خبراء وخبيرات في مجالات الاقتصاد، وعلم الاجتماع، والقانون، والفقه الإسلامي، ومن مختلف مناطق المغرب، من أجل بناء رؤية جديدة لمدونة الأسرة تجعل المساواة والتضامن والكرامة قيما أساسية في العلاقات الأسرية.
ومن خلال مداخلتها قالت أستاذة التعليم العالي فريدة بناني إن الفقه الذي أنتج في سياق تاريخي وزمني محدد لم يعد قادراً على مواكبة التحولات الاجتماعية والمجالية والأسرية التي يعرفها المجتمع المغربي اليوم، سواء على مستوى البنيات أو المفاهيم أو القيم والعلاقات داخل الأسرة.
وأوضحت أن التحولات الحقوقية والمجتمعية، إلى جانب الالتزامات الدولية التي انخرط فيها المغرب، تفرض تبني ما تسميه بـ"الفقه الاجتماعي النسقي المقاصدي"، وهو فقه يركز على الأبعاد الاجتماعية والمصلحة العامة ودفع الضرر.
كما أكدت أن هذا التوجه يمكن أن يشكل أساساً لإنتاج تشريع جديد يبرز المساواة كقيمة اجتماعية وقانونية، لأنه ينطلق من الواقع المعيش ويأخذ بعين الاعتبار الظروف المستجدة للحياة المعاصرة، مضيفة أن "الفقه الاجتماعي النسقي المقاصدي اكتسب في العصر الحديث زخماً فكرياً كبيراً، إذ يدعو إلى فقه مرن قادر على تقديم حلول واقعية للمشكلات الاجتماعية، من خلال إعادة تفسير النصوص الدينية في ضوء مبادئ العدالة والمساواة والمصلحة العامة".
"المساواة داخل الأسرة ركيزة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية"
وعلى هامش الندوة أبرزت فاطمة مغناوي منسقة لجنة تتبع التنسيقية النسائية من أجل تعديل شامل وعميق لمدونة الأسرة، لوكالتنا أن موضوع الندوة تمحور حول المساواة داخل الأسر كركيزة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الديمقراطية، موضحة أن "إصلاحات مدونة الأسرة يجب أن تبنى على مبدأ المساواة كأساس متين لحقوق الإنسان".
وشددت على أن القانون ليس مجرد نصوص، بل أداة فعالة للتغيير الاجتماعي، ولضمان العدالة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين والمواطنات.
وأضافت أن تصميم مدونة الأسرة وفق مبدأ المساواة سينعكس بشكل مباشر على الأسرة نفسها، إذ يسهم في غرس قيم المساواة بين أفرادها، ويؤسس لبيئة أسرية أكثر عدلا ومتكافئة، مشيرة إلى أن "العدالة القانونية، خصوصاً فيما يتعلق بمسائل مثل الإرث والحقوق المالية والاجتماعية، ستعزز توازن العلاقات داخل الأسرة، وتضمن تكافؤ الحقوق بين مختلف الفئات والمناطق والطبقات الاجتماعية".
وأكدت أن "الإصلاحات التشريعية لا يجب أن تكون شكلية أو محدودة، بل يجب أن ترتكز على المساواة والعدالة كركيزتين أساسيتين، لضمان ترسيخهما داخل الأسرة والمجتمع ككل، ولإيجاد أثر ملموس على التنمية الاجتماعية والسياسية، وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية بين جميع أفراد المجتمع".
ومن جهتها قالت الناشطة الحقوقية رشيدة الطاهري إن "مساهمة النساء في تنمية ثروة الأسرة تمثل قضية أساسية في النقاش حول إصلاح مدونة الأسرة، لأن النساء يساهمن فعلياً في الاقتصاد الأسري سواء من خلال العمل المأجور كالموظفات والأجيرات والفلاحات والعاملات، أو من خلال العمل غير المؤدى عنه داخل البيت أو في الحقول".
وأكدت أن القوانين الحالية لا تعترف بهذه المساهمات، مما يعرض النساء للظلم والعنف الاقتصادي، خاصة عند حدوث الطلاق أو الوفاة، "إذ تحرم الكثير من النساء من نصيب عادل في الإرث رغم أنهن شاركن طوال حياتهن في بناء ثروة الأسرة".
وأشارت إلى أن ظاهرة "التعصيب" تفاقم الظلم، حيث يحصل أشخاص بعيدون عن الأسرة على النصيب الأكبر من الإرث، في حين تقصى النساء اللواتي قدمن عمرهن في خدمة الأسرة، بل قد يجدن أنفسهن مهددات بالطرد من منازلهن.
وشددت رشيدة الطاهري على ضرورة أن يعترف القانون بالعمل المنزلي والعمل غير المأجور كجزء من الثروة الأسرية، مع تجاوز الخطابات الديماغوجية التي تروج لفكرة أن "الرجل هو من يعيل المرأة".
وأضافت "الأرقام الرسمية تظهر أن النساء يشتغلن في المعامل، وفي التجارة الإلكترونية، وفي قطاعات متعددة، ولهن مداخل حقيقية يجب احتسابها عند انقطاع العلاقة الزوجية أو في حالات الطلاق".
وختمت الناشطة الحقوقية رشيدة الطاهري بالتأكيد على أن "النساء يتحملن أيضاً عبئاً اجتماعياً واقتصادياً كبيراً، خصوصاً في رعاية كبار السن، وهو مجهود يخفف عن الدولة أعباء مالية كبيرة، ما يستدعي أن يعترف به في السياسات العمومية والميزانية الوطنية.
وفي ختام الندوة تم التأكيد على أن أي إصلاح للمدونة يجب أن يكون شاملاً وجوهرياً، يستند إلى دستور 2011 والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، بما يضمن العدالة والمواطنة الكاملة داخل الأسرة المغربية.