منتدى يقيم السياسات الموجهة للنساء ويكشف استمرار فجوة المساواة في المغرب

أكد المنتدى الحواري المؤسساتي أن المغرب راكم خلال هذه الولاية عدداً من المكتسبات، أبرزها القوانين المرتبطة بالحماية الاجتماعية وتوسيع الولوج إلى التغطية الصحية والتعويضات العائلية.

حنان حارت

المغرب ـ اتفق المشاركات والمشاركون على أن المغرب حققت خطوات مهمة في مأسسة المساواة، إلا أن بلوغ المناصفة الفعلية يبقى رهينا بمدى قدرة المؤسسات على تعزيز الحوار والتنسيق فيما بينها، وإشراك المجتمع المدني كفاعل محوري، واعتماد سياسات مبنية على مقاربة النوع الاجتماعي في جميع مراحل اتخاذ القرار.

نظمت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، اليوم الخميس 4 كانون الثاني/ديسمبر منتدى للحوار المؤسساتي خصص لتقييم السياسات الوطنية تجاه النساء خلال الولاية التشريعية الحادية عشرة 2021-2026، ولتسليط الضوء على المجهود التشريعي المرتبط بالمساواة ومقاربة النوع الاجتماعي، في ظل التحولات القانونية التي شهدها المغرب خلال السنوات الأخيرة.

وناقش المشاركات والمشاركون فعالية السياسات الموجهة للنساء، ومدى استجابتها لمقتضيات الدستور المغربي والالتزامات الدولية للمملكة.

 

إصلاحات مهمة… لكن دون بلوغ المناصفة

أكدت المشاركات أن المغرب راكم خلال هذه الولاية عدداً من المكتسبات، أبرزها القوانين المرتبطة بالحماية الاجتماعية وتوسيع الولوج إلى التغطية الصحية والتعويضات العائلية، وهو ما اعتبر خطوة إيجابية لفائدة النساء، خاصة العاملات في القطاعات غير المهيكلة.

كما ركز المنتدى على المجهود التشريعي المتعلق بمحاربة العنف، خاصة النقاشات البرلمانية حول إدراج العنف الرقمي ضمن القانون 103.13، وتوسيع الحماية القانونية لتشمل الفضاء الرقمي.

ورغم هذا الزخم، سجل المشاركون في المنتدى أن النصوص القانونية لا تزال تفتقر إلى الرؤية الشمولية، وتبقى قطاعية أو جزئية، ولا تحقق التحول النوعي المطلوب، خاصة في مجالات الطلاق، الحضانة، التمثيلية السياسية، وحماية النساء في وضعية هشاشة.

وركزت الندوة على مجموعة من الإكراهات التي ما تزال تعيق تحقيق المناصفة الفعلية، أبرزها: ضعف التنسيق بين البرلمان والحكومة ومؤسسات الحكومة، ومحدودية إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في الميزانيات والسياسات العمومية، وغياب آلية مرجعية دائمة للحوار المؤسساتي، إضافة إلى عدم استثمار الدراسات والتقارير الصادرة عن مؤسسات الحكامة في صياغة القوانين، ثم ضعف مشاركة الجمعيات النسائية في تقييم الأثر التشريعي.

كما دعت المداخلات إلى ضرورة التسريع بإخراج هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز لحيز الفعل، باعتبارها الآلية الدستورية القادرة على توحيد الجهود وتنسيق الأدوار بين مختلف الفاعلين.

وتطرقت المشاركات إلى عدد من الملفات التي تتطلب إصلاحاً عاجلا، بينها "مراجعة مدونة الأسرة بما ينسجم مع روح الدستور، وتعزيز التمثيلية السياسية للنساء بما يقترب من المناصفة الدستورية".

كما شددت الفاعلات على ضرورة دعم النساء القرويات، وتطوير سياسات التشغيل الخاصة بالفتيات والشابات، معتبرات أن العقليات والتصورات الاجتماعية هي أكبر عائق أمام وصول النساء إلى مراكز القرار.

مقاربة جديدة

وخلص المنتدى إلى ضرورة الانتقال من السياسات القطاعية إلى مقاربة مندمجة تقوم على إرساء آلية مؤسساتية دائمة للحوار بين البرلمان والحكومة ومؤسسات الحكامة والمجتمع المدني، وتقييم الأثر من حيث النوع الاجتماعي قبل المصادقة على أي قانون جديد، مع تعزيز ميزانية النوع الاجتماعي وتوجيهها لأولويات النساء والفتيات وكذا تطوير قاعدة بيانات وطنية موحدة حول أوضاع النساء لتوجيه القرارات على أساس علمي.

 

لماذا لم تتحقق المساواة الفعلية؟

طرح المشاركون والمشاركات العديد من الأسئلة ومنها: لماذا ما تزال المساواة الفعلية متعثرة رغم الإطار الدستوري والتشريعي؟

أجوبة الخبراء والفاعلات حملت تشخيصا واضحاً، أهمه استمرار العقليات التقليدية التي تعيق تكريس المساواة باعتبارها حقاً أساسياً، وضعف حضور النساء في الفضاءين العام والخاص، نتيجة أدوار اجتماعية وثقافية تحد من وصولهن إلى مواقع القرار، علاوة على نقص في القوانين المستجيبة للنوع الاجتماعي، وعدم اعتماد مقاربة حقوقية واضحة في السياسات العمومية، ووجود فجوة بين النص الدستوري، خاصة الفصل 19 الذي ينص على تمتع جميع المواطنات والمواطنين بنفس الحقوق، وبين تنزيله العملي.

 

التزامات مؤسساتية ورصد الحقوق

وأكد ممثلو المجلس الوطني لحقوق الإنسان على أهمية تتبع الانتهاكات والنهوض بالحقوق باعتبارهما شرطين لتعزيز المساواة، مسجلين أن مفهوم المساواة كما ورد في المادة السابعة من المواثيق الدولية يعني تمتع جميع الأشخاص بالحقوق والواجبات نفسها دون تمييز.

كما شدد المشاركات والمشاركون على ضرورة تعزيز آليات الرصد والحماية، واعتماد المرجعيات الدولية لحقوق الإنسان في صياغة السياسات، ومع جعل قضية المساواة رافعة لتحقيق الصالح العام والتنمية المستدامة.

وبدورها اكدت رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بشرى عبدو أن "حماية النساء لا ترتبط فقط بوجود القوانين، بل أيضا بمدى التزام المؤسسات بتفعيلها على أرض الواقع، مضيفة أن "الحماية تبنى عبر التدابير التي تضعها الجهات المعنية، وكذلك من خلال ما تهمله من إجراءات كان من المفترض أن تقوم بها".

ولفتت إلى أن "المنتدى يشكل مناسبة مهمة لفتح حوار مؤسساتي مباشر يتيح الاطلاع عن كثب على مختلف التشريعات والآليات والتدابير التي اعتمدتها الحكومة المغربية خلال السنوات الأخيرة، خاصة تلك المتعلقة بالمساواة ومناهضة العنف ضد النساء، مبرزةً أن "هذا النقاش يمكن الفاعلين المؤسساتيين والمدنيين من تقييم الجهود المبذولة، وتحديد مكامن القوة ونقاط القصور، بما يسمح بتجويد السياسات العمومية وترسيخ المقاربة الحقوقية في التشريع والممارسة".

وأكدت أن "الرهان اليوم هو الانتقال من مستوى النصوص إلى مستوى الأثر الملموس في حياة النساء" معتبرة أن "تعزيز الحوار بين الدولة والمجتمع المدني خطوة أساسية لبلورة سياسات أكثر فعالية وإنصافاً".

 

 

ومن جهتها قالت المحامية وعضو مكتب جمعية التحدي للمساواة والمواطنة زاهية عمومو إن "تقييم العمل المؤسساتي خلال الفترة الممتدة من 2021 إلى 2026 يكشف استمرار غياب واضح لمقاربة النوع الاجتماعي داخل البرلمان والحكومة وفي مجمل التشريعات والسياسات العمومية".

وأوضحت أن هذا الضعف لا يتعلق فقط بالقوانين، بل يشمل أيضا تدبير الميزانيات، حيث ما تزال مقاربة النوع غير مدمجة بالشكل المطلوب في إعداد الميزانية أو في البرامج الموجهة للفئات الهشة، وعلى رأسها النساء.

وأضافت أن غياب التنسيق والتشاور المنتظم مع منظمات المجتمع المدني، خاصة الجمعيات التي تشتغل ميدانياً مع النساء والشباب، يجعل جزءاً كبيراً من السياسات الحكومية غير منسجم مع الواقع الاجتماعي".

وأكدت زاهية عمومو أن "هذا الوضع يؤدي إلى فجوة بين ما تعلنه المؤسسات من إصلاحات وما يتحقق فعلياً على الأرض، سواء على مستوى القوانين أو آليات التنفيذ والمتابعة".

وشددت على أهمية هذا المنتدى في خلق حوار مباشر بين مختلف المؤسسات الدستورية، بما فيها البرلمان والحكومة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، مشيرةً إلى أن إخراج مؤسسة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز إلى حيز الفعل يظل خطوة أساسية لإحداث دينامية حقيقية في مسار المساواة.

وأضافت أن هذه المؤسسة تعتبر الآلية القادرة على ضمان إدماج مقاربة النوع الاجتماعي داخل السياسات العمومية، وعلى تحسين وضع النساء قانونياً واجتماعياً، بما ينسجم مع تطلعات الحركة النسائية ويستجيب لانتظار الفئات المتضررة.