من أجل قانون موحد يحمي النساء من العنف... "قضايا المرأة" تعقد مائدة حوار

العنف القائم على النوع الاجتماعي تخلل الواقع المصري خلال الفترة الأخيرة وعانت النساء من تبعاته خاصة مع زيادة معدل الجرائم التي وصلت لحد القتل في الشوارع على مرأى الجميع، وهو الأمر الذي انتفض معه المجتمع المدني والمؤسسات النسوية لضمان حقوقهن.

أسماء فتحي

القاهرة ـ عقدت مؤسسة "قضايا المرأة المصرية" مائدة حوار تحت عنوان "أهمية قانون موحد لحماية النساء من العنف"، لمناقشة مقترح القانون، وتأثيره على الواقع المصري الذي شهد ارتفاع معدل الجرائم الممارسة على النساء وأغلبها ناتج عن ثقافة لا تحترم إرادتهن وحقهن في تقرير مصيرهن.

حضر اللقاء الذي نظم أمس الثلاثاء 4 تشرين الأول/أكتوبر، مجموعة من النائبات البرلمانيات وممثلين عن مؤسسات وجمعيات مختصة بقضايا النساء فضلاً عن مجموعة من شركاء العمل على هذا الملف وتبادل الحضور بعد استعراض مشروع القانون والواقع المصري، النقاش حول إمكانية تطبيق هذا المقترح، فضلاً عن أسباب الحاجة له والناتجة عن تبعثر المواد في قوانين مختلفة والحاجة لإضافات تناسب التطورات الأخيرة.

واللافت في حالة العنف الأخيرة هو القبول المجتمعي لها وما صحبه من محاولة التبرير للجاني مع لوم الضحية وهو الأمر الذي كان محل نقاش مطول أثناء انعقاد مائدة الحوار بالإضافة إلى الحث على إيجاد آليات تعمل على تغيير الثقافة السائدة وتحد من حجم القبول والتواطؤ المجتمعي مع العنف بمختلف أشكاله.

 

للتنشئة دور محوري في زيادة معدل العنف

قالت المعالجة النفسية بمستشفيات الشرطة الدكتورة نهلة أمين، أن هناك عدد من النظريات من الممكن استخدامها للحد من معدل العنف، ومنها "الإحباط والعدوان" الناتجة عن الاحباط المتراكم والمتزايد يتحول فيما بعد لعنف وعادة ما يحدث ذلك لأن حامله لا يشعر بالعدالة، فضلاً عن نظرية "الثقافة الفرعية للعنف" المتوارثة من شخص لآخر، وكذلك نظرية "الضبط الاجتماعي" التي يتحدد من خلالها مدى الالتزام بالقانون من جهة والمعايير والقيم التي تم اكتسابها من خلال الأسرة كذلك.

وأوضحت إن للتنشئة دور كبير في ممارسة العنف وأن الكثير من الأسر تلعب مع أطفالها بطرق مرسخة للعنف دون أن تدرك ذلك كاستخدام الصوت العالي والتحريض على العنف مما يجعل هناك هوة بين الثقافة المكتسبة من الأسرة والقانون الذي يتم تطبيقه.

وعن سبب تفاقم حالة العنف ووصولها لحد القتل كما شوهد مؤخراً، أشارت إلى أن الكثير من الشباب تربى على عدم قبول الرفض وهو ما يجعلهم في أزمة حقيقية إذا ما خالفهم في ذلك أحد، وأغلبهم يمارس قوته وتحديداً العنف البدني على النفس أو الآخرين كردة فعل.

وبينت أن الأفكار السائدة هي التي تحاول إلا يطبق القانون، فالكثيرون يرون أن النساء نلن حقوقهن مع عدم الحاجة لسن قوانين جديدة لحمايتهم، مضيفةً أن الحل يكمن في تغيير الثقافة السائدة لضمان فاعلية لقوانين من خلال النقاشات واللقاءات وكذلك الجلسات التوعوية.

 

 

من واقع التجارب أسر رسخت للعنف دون إدراك وأثرت على الجيل الناشئ

روت نهلة أمين، مجموعة من التجارب التي صادفتها والمعبرة بشكل قوي عن العنف منها حالة طفلة تبلغ من العمر 4 أعوام أتت بها والدتها لبحث أزمة عدوانيتها وبالفعل كانت كذلك ووصل الأمر معها أنها كانت تضرب الأم وتتعدى عليها.

ومن خلال العلاج والبحث عن حالة الطفلة وأمها وجدت نهلة أمين، أن الدافع وراء أفعال الطفلة هي الأم نفسها التي كانت تسير في إجراءات الطلاق، وأجبرت على مواصلة الحياة مع زوجها ونتج عن ذلك حملها في طفلتها، وكانت تكره الجنين معتبرةً أنها السبب في قبولها بالأمر الواقع ومن هنا انتقل الأمر للطفلة التي لن تكون سوية مستقبلاً إن لم تخضع لعلاج نفسي فعال.

وأكدت أن أحد سياقات العنف تكمن في الرسائل المزدوجة التي توجه للأطفال ففي الوقت الذي يستسهل في الأهل السب والقذف يمنعون أبناؤهم عن ممارسة ذلك ويصعب عليهم إدراك أنهم أنفسهم سبب نقل تلك السلوكيات لهم، لافتةً إلى أن هناك محاولات للتعبير من خلال العدوان السلبي الذي يظهر في تفريغ العنف على الذات كقص الشعر وخربشة اليدين وغيرها من الممارسات للفت الانتباه، وهناك العدوان الإيجابي الذي يتضح في الرد على العنف بصيغة مشابهة، مضيفةً أن فتح مجال الحوار ضرورة حتى لا يتم تفريغ العنف بعنف مقابل له.

وواحدة من القصص التي صادفت نهلة أمين، كانت لشاب أكد لها أنه أتى على غير إرادته وأن الأزمة تكمن في والديه لأنهم يعتبرونه ميدالية مفاتيح وهم يتشاجرون طوال الوقت ويلصقون السبب به، مؤكداً أنهم من يحتاجون الدعم والعلاج، فتلك الحالة تعبر بوضوح عن العنف الإيجابي.

 

برلمانيات تطرحن رؤيتهن لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي

قالت عضو مجلس النواب المصري نشوى الديب، أن الطبيعة الإنسانية ترفض العنف، وهي ظاهرة عالمية تم رفضها من خلال اتخاذ يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر، موعداً لمناهضته تأكيداً على معاناة أغلب الدول منه، مشيرةً إلى أنه متعدد الأشكال فمنه الجسدي واللفظي والإلكتروني.

وأكدت أن الموروث الثقافي أحد أهم مسببات العنف، وأن القانون وحده لا يكفي والأمر يحتاج للعمل أكثر على تغيير الثقافة والوعي المجتمعي لدعم فاعليته.

وأضافت أن هناك تفاوت ملحوظ في الاحصائيات الخاصة بالعنف، إلا أن كل ما يذكر منها يحتاج للوقوف على الأزمة ومنها أن 80% من الزوجات تتعرضن له، كما أن هناك 5 مليون امرأة تعرضن للعنف ومن أبلغن عنه هن نحو 175 ألف فقط وهو ما يعبر عن الخوف من الإبلاغ وعدم إدراك أهميته.

وأوضحت نشوى الديب أوضاع بعض الدول وموقفهم من قانون مناهضة العنف الممارس على النساء ومنها الأردن التي أصدرت قانون لحماية النساء من العنف الأسري عام 2017، والإمارات التي أصدرت مرسوم قانون في عام 2019، والبحرين سنت قانون في 2015، وتونس التي أصدرت قانون في 2017، وفي السعودية عام 2013 أقر مجلس الوزراء نظاماً خاصاً يحد من الإيذاء الجسدي.

وأضافت أن حكومة العراق في عام 2020 أقرت مشروع قانون حول العنف، وكذلك الكويت في 2020 أصدرت قانون لمناهضة العنف، مؤكدةً أن لبنان أصدرت قانونها في 2014 وتم تعديله لعدة مرات متتالية لحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف، من جانبها أصدرت المغرب قانون 103 عام 2018 والمتعلق بمحاربة العنف ضد النساء.

وأشارت إلى أن موريتانيا صادقت على قانون في عام 2020  لمحاربة العنف ضد النساء والفتيات، كما قامت السودان في ذات العام بإصدار قانون يجرم الختان، ولمصر والسودان موقف مختلف في تلك القضية مقارنة بدول الخليج.

وعن الموقف المصري قالت أن هناك العديد من القوانين التي لمست قضية العنف الممارس على النساء ولكنها عبارة عن مواد مبعثرة فقد لا يسهل الوقوف عليها في قضايا النساء ومن هنا جاء البحث في إصدار قانون موحد يجمع تلك المواد ويضاف إليه ما لم يذكر بالفعل.

وأكدت أنها قدمت مشروع القانون بالفعل منذ آذار/مارس الماضي ولكنه حتى الآن لم يحال للجنة مختصة، مشيرةً إلى أن الدستور المصري يحمي المرأة من مختلف الاعتداءات الممارسة عليها كما أن هناك تعديل تم في قانون العقوبات عام 2014 وأضيفت له المادة 306 وما يليها من مواد تتعلق بالتحرش، وفي 2020 تم تعديل بعض الإجراءات الجنائية التي تهدف لحماية السمعة بعدم ذكر المعلومات لتشجيع الفتيات على الإبلاغ، وفي عام 2021 تم تعديل قانون العقوبات رقم 58 لعام 37 لإقرار عقوبة رادعة تجاه جرائم الختان وتعد من أفضل التعديلات الخاصة به لتغليظ العقوبة على كل من يتبنى نشر ثقافة تلك الظاهرة.

وأكدت عضو مجلس النواب المصري، النائبة سهام مصطفى، أن المرأة عمود هذا المجتمع وحمايتها، حق أساسي لها، فتوفير وسائل حماية لها تمكنها من القيام بدورها، والمطالبة بضرورة وجود آلية دعم مادي من خلال فرض بعض الرسوم على وثيقة الزواج أو الطلاق يتم وضعها في صندوق يخصص لضحايا العنف يمكن استخدامه في إنشاء بيوت إيواء أو تقديم الدعم النفسي والمادي لهن.

وأوضحت عضو مجلس النواب المصري، النائبة أمل زكريا قطب، ومقررة المجلس القومي للأمومة والطفولة لأكثر من 25 عام، أن هناك أزمة لم يتم التطرق لها تتعلق بالمرأة التي لم تعد حاضنة والتي قد تجد نفسها وحيدة بلا مأوى وبلا مظلة حماية قانونية، مطالبة بضرورة النظر لفكرة جعل مجلس الزوجية حق لها بغض النظر عن كونها حاضنة لأطفال، كما نادت بضرورة عرض مسودة القانون على نادي القضاة المصري لما لهم من دور أصيل في التعامل مع قضايا النساء.

 

موقف عام من العنف ومناقشات تفاعلية حول القانون

وقالت عضو مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة مي صالح، أن هناك محاولات حثيثة لإفلات الجاني من العقوبة وإدانة الضحية وهو ما يطرح إشكالية تقتضي العمل المكثف على الممارسات المبنية على النوع الاجتماعي لأنها تستهدف النساء، ويرون أنهن الأضعف في المجتمع وبالتالي يسهل صب الغضب عليهن.

ولفتت إلى أن هناك إشكالية في فهم الرجولة نفسها باعتبار الرجل هو الفاعل والمرأة المفعول به، وهو ما جعل من أي رفض له إهانة تستوجب التعنيف، مشيرةً إلى ضرورة وجود قوانين للحماية والوقاية وتأهيل الجناة بالإضافة للحماية التعويضية فضلاً لما يمارس من عنف إلكتروني تم التطرق إليه في القانون، مطالبة بزيادة مراكز استقبال المعنفات التي لا تتعدى الـ 10 دور على مستوى مصر.

بينما ترى المحامية بالنقض إيناس إبراهيم، أن هناك ثغرات في القوانين معتبرةً أن الأزمة ليست قاصرة على العقوبة فالقتل العمد عقوبته الإعدام ومع ذلك منتشر، مضيفةً أن مناهضة العنف تتطلب تغيير الموروث الثقافي وتنشئة جيل يعي عدم ممارسة العنف على النساء، فضلاً عن العمل على إيجاد آليات أسهل للتبليغ لأن العدد الأكبر يخاف من التشهير أو الوصم مع ضرورة زيادة معدل التوعية.

وأكدت الباحثة تهاني لاشين، على ضرورة اتاحة مجال الإجهاض الآمن للنساء داخل المستشفيات الحكومية، فضلاً عن وضع تعريف واضح للاغتصاب لأن هناك العديد من الحالات لا يتم تصنيفها كذلك، مع ضرورة تفعيل عمل مفوضية مناهضة التمييز التي طال انتظارها.

ولفتت المحامية هيام الجنايني، أن الأزمة تكمن في قبول العنف مجتمعياً، وأن أحد المواد تتحدث عن معاقبة المتقاعد عن عمله ولكن عادة لا يتم معرفة أسماؤهم، مطالبة بضمان حق المرأة في الإجهاض لأن البعض لا يرغبن في الإنجاب، موضحةً أن المادة 37 تتحدث عن الإكراه على الزواج لمن هم دون السن إلا أن هناك حالات متجاوزة السن القانوني ويتم إجبارها وإكراهها ولا يستطعن مواجهة ذلك وفي حاجة لحلول أكثر فاعلية من الاتصال بالنجدة.

بينما طالبت المحامية رحاب الذهبي بضرورة وجود قانون موحد لحماية النساء من خلال وضع نظام تشريعي موحد لمناهضة جميع أشكال العنف وذلك كي تكون هناك فاعلية للمواد المبعثرة، فضلاً عن ضرورة العمل على تدريب فريق للتعامل مع النساء متمثل في الشرطة النسائية، وإنشاء صندوق لتعويض المعنفات وإعادة تأهيلهن ودمجهن في المجتمع.