محكمة رمزية تندد باستمرار مظاهر التمييز ضد النساء المغربيات
المحكمة الرمزية التي ينظمها اتحاد العمل النسائي ليست مجرد حدث عابر، بل منصة نضالية متجددة، ترفع صوت النساء عالياً للمطالبة بإصلاح جذري ينقل المرأة المغربية من موقع الضحية إلى شريكة كاملة في الحقوق والواجبات.

حنان حارت
المغرب ـ تحت شعار "باراكا... لا تنازل عن قانون أسري يضمن المساواة والعدل والكرامة"، نظّمت جمعية اتحاد العمل النسائي، أمس السبت 10 أيار/مايو، الدورة الثانية والعشرين من "محكمة النساء الرمزية" بمدينة الرباط في المغرب.
شهدت هذه الدورة حضور عدد من الناشطات والحقوقيات والمختصات في قضايا المرأة، بالإضافة إلى نساء قدّمن شهادات صادمة حول معاناتهن في ظل قوانين تكرس التمييز، وعلى رأسها مدونة الأسرة بصيغتها الحالية.
ومن بين الشهادات المؤثرة التي عُرضت خلال المحاكمة، شهادة امرأة من مدينة طنجة، روت معاناتها بعد أن زوجت وهي في سن 14 عاماً فقط. عاشت ما يقارب 24 عاماً من العنف المستمر والمعاناة النفسية والجسدية، لتجد نفسها اليوم ضحية قانون لم يمنحها الحماية الكافية منذ الطفولة.
وأجمعت المداخلات خلال الجلسة على أن مدونة الأسرة ليست مجرد قانون تقني، بل هي مرآة تعكس واقع المجتمع. لذلك، فإن أي مراجعة يجب أن تكون شاملة وعادلة، تستند إلى الاجتهاد العلمي والفقهي المنفتح، وليس للمزايدات أو الحسابات السياسية الضيقة.
وطالبت المشاركات بإحداث محاكم أسرية متخصصة، تضم قضاة مكوّنين وخبراء اجتماعيين ونفسيين، لضمان حسن تطبيق القانون بما يخدم المصلحة الفضلى للأسرة، كما دعت الحاضرات إلى إلغاء الاعتماد على اليمين كوسيلة لإثبات النفقة، واعتماد معايير موضوعية أكثر عدالة.
وتم التأكيد على ضرورة تثمين العمل المنزلي غير المأجور، الذي تقوم به النساء داخل البيوت، من تربية الأبناء إلى أعمال الرعاية والتنظيف والطبخ فإن هذا العمل يجب أن يعترف به قانونياً، وأن تمنح المرأة مقابلاً عادلاً عنه، خاصة عند الانفصال أو الطلاق.
وأعادت المحكمة الرمزية التأكيد على ضرورة تفعيل الفصل 49 من مدونة الأسرة بشكل منصف، بما يضمن اقتسام الممتلكات المكتسبة أثناء الزواج، خاصة في الحالات التي لا يكون فيها أطفال، وطرحت المشاركات تساؤلات حول ضعف تعويضات الحضانة وواجب السكن.
وانتقدت المشاركات استمرار العمل بإجراءات تجبر النساء على العودة إلى بيت الزوجية عن طريق المفوض القضائي، حتى في حالات تعذر العيش المشترك، وتم التأكيد على أن الزواج هو عقد مبني على الرضا المتبادل، وأي محاولة لفرضه بالإكراه تعد انتهاكاً لكرامة المرأة وحقوقها، كما تم تسليط الضوء على تزويج القاصرات باعتباره من أبرز مظاهر العنف المشرعن ضدهن.
وأكدت أعمال المحكمة الرمزية أن أي مراجعة لمدونة الأسرة يجب أن تكون جذرية وشاملة، مبنية على مبادئ المساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية، مشيرة إلى أن التغيير القانوني لا يكفي وحده، بل يجب أن يرافقه تحول ثقافي ومجتمعي ينهي النظرة الدونية للنساء، ويكرس المساواة الفعلية داخل الأسرة وفي الفضاء العام.
وعلى هامش اللقاء، قالت الناشطة الحقوقية عائشة الحيان، إن الدورة الثانية والعشرين من "محكمة النساء الرمزية" تنعقد هذا العام تحت شعار "باراكا! لا تراجع عن قانون أسرة يضمن العدل والمساواة"، وذلك في سياق وطني حساس يتمثل في فتح ورش تعديل مدونة الأسرة، وصدور المقترحات الرسمية لتعديل بعض من مقتضياتها.
وأكدت أن محكمة النساء الرمزية دأبت على تخصيص عدد من دوراتها لتناول موضوع مدونة الأسرة، وذلك بالنظر إلى حجم التمييز الذي لا تزال تكرسه عدد من مقتضيات هذا النص التشريعي، والذي ينعكس سلباً على النساء والأطفال، ويكرس عدم المساواة داخل النسيج الأسري.
ووصفت التعديلات الجديدة بـ"السطحية" و"الشكلية"، مؤكدة أنها لا ترقى إلى مستوى تحقيق المساواة الحقيقية داخل الأسرة، ولا تضمن الكرامة والحماية القانونية للأطفال، كما أنها لا تواكب روح العصر ولا التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان.
وتتساءل كيف يمكن لبلد يتجه نحو الرقمنة والذكاء الاصطناعي أن يظل متشبثاً بمنظومة قانونية ترفض اعتماد الخبرة الجينية لإثبات النسب، وهو ما يحرم العديد من الأطفال من حقوقهم الأساسية فقط لغياب إثباتات تقليدية، معتبرة أن كل طفل، مهما كانت ظروف ولادته، يجب أن يتمتع بكافة حقوقه الدستورية وفق القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل المغرب.
ودعت عائشة الحيان إلى إنهاء ما وصفته بـ "المقايضة السياسية" التي تمارس على حساب حقوق النساء، قائلة "كفى من تأجيل التمتع الكامل للنساء بمواطنيتهن، وكفى من اتخاذ قرارات جزئية لا تعكس مطالب الحركة النسائية".
وشددت على أن تحقيق المساواة الحقيقية يقتضي الاعتراف الكامل بدور النساء داخل الأسرة والمجتمع، وإلغاء كل الخلفيات الفقهية والتأويلات التي تفرض في صياغة القوانين، والتي تعرقل تطورها.
وأوضحت أن إحدى النقاط الجوهرية في الجدل الحالي تتعلق بمسألة الولاية القانونية على الأطفال "القانون الحالي يبقي الولاية في الغالب بيد الأب، ما يخلق تعقيدات كثيرة خاصة بعد الطلاق"، مقترحة أن يتم اعتماد مبدأ الولاية المشتركة بين الزوجين خلال الزواج، ثم إسناد الولاية إلى الحاضن بعد الطلاق، سواء كان الأب أو الأم، بحسب من تسند له الحضانة.
وبينت أن هذا المقترح، الذي رفعته الحركة النسائية، من شأنه أن يخفف العبء عن النساء، ويقلل من النزاعات القضائية والنفقات المرتبطة بها، ويوفر بيئة أكثر استقرارا للأطفال.
وفي ختام حديثها أكدت عائشة الحيان أن النضال النسائي سيستمر إلى حين تحقيق المساواة الفعلية، وإلغاء جميع أشكال التمييز التي لا تزال مكرسة في التشريعات الوطنية، وفي مقدمتها مدونة الأسرة "صوتنا سيستمر في الصدح إلى أن نصل إلى قانون أسرة عادل، منصف، يعكس التحولات الاجتماعية والدستورية التي يعرفها المغرب".